جدول المحتويات
«نبض الخليج»
استقر مئات الآلاف من السوريين في مصر منذ بداية الحرب عام 2011، وكانت أبرز وجهات لجوء السوريين الباحثين عن الأمان والاستقرار، أنشأ عشرات الآلاف منهم مشاريع صغيرة ومتوسطة، حيث افتتحوا مطاعم ومحلات وورش، وأدخلوا معهم خبرات جديدة أسهمت في تنشيط الاقتصاد المحلي.
ولكن مع التحولات السياسية والأمنية الأخيرة في سوريا، بعد سقوط نظام المخلوع بشار الأسد، وحديث بعضهم عن “استقرار نسبي” في مناطق معينة، بدأت موجة هجرة عكسية محدودة لسوريين قرروا العودة إلى بلادهم.
هذه العودة لم تمر من دون أثر على الأسواق المصرية، فقد وجد كثير من المصريين في قرار بعض السوريين بيع ممتلكاتهم فرصة لا تعوض لاقتناء أثاث وبضائع وتجهيزات بأسعار أقل من السوق.
انتشرت إعلانات البيع عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، و”جروبات السوق المفتوح”، وعبر وسطاء تعلن الرغبة ببيع الأثاث المنزلي ومحلات بأكملها من قبل سوريين لدواعي السفر.
بيع اضطراري قبل العودة
مع قرار العودة، يواجه هؤلاء العائدون تحديا عمليا، كيف يمكنهم تصفية أعمالهم وممتلكاتهم قبل الرحيل؟ والنتيجة كانت موجة من الإعلانات تغزو مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة صفحات السوريين.
وأبرز مايتم عرضه، أثاث منزلي، مشروع صغير مجهز للبيع بكامل معداته (غالبا ما يكون مطعما أو دكان لبيع المواد الغذائية) بالإضافة إلى معدات وآلات في مجالات مختلفة.
انتشرت هذه العروض أيضا في مجموعات”بيع وشراء” مفتوحة على “الفيس بوك” التي يمكن للمصريين دخولها مما أتاح لهم فرصة اقتناء البضاعة المعروضة بأسعار أقل من السوق.
يقول أحمد مسالمة، (48 عاما) سوري مقيم في مدينة العبور، اضطررت أن أبيع أثاث منزلي بسعر أقل من السوق بسبب ضغط الوقت، لأني سأعود لمنزلي في محافظة درعا وسأشتري أثاث جديد هناك، وقد اشتراه جاري المصري من دون أي فصال وأيضا كاملا من دون اختيار جزء منه.
بدوره، محمود عيسى، تاجر مصري لبيع الأثاث المستعمل يقول، نحب السوريين ووجودهم، ولكن إذا اختاروا العودة بالتأكيد سندعمهم، وأنا اشتريت إلى الآن أثاث ثلاثة منازل في مدينة “ستة أكتوبر” كانت ملكا لسوريين، باعوها بسعر أقل من أجل أن يعودوا لبلادهم.
محلات ومشاريع تتغير ملكيتها
معظم هذه المحلات تتعلق بالمطاعم، مثل محلات الشاورما والفلافل، ومحلات الحلويات، وهي مشاريع ارتبطت في أذهان المصريين بالجودة والنكهة السورية، مما سهل إجراءات بيعها كونها ناجحة ولها سمعة في السوق المحلية.
يوضح أحمد عبد الحليم، وهو محام مصري، ساعد بعض السوريين في إجراءات البيع: هناك بعض الأسر تريد العودة لأنها ترى أن عامل الخطر الأساسي اختفى بعد سقوط نظام الأسد، وبعضهم تعبوا من الغربة ومصاريفها الكبيرة خصوصا الإقامات والمدارس وإيجارات المنازل.
يضيف المحامي، معظم المشترين من المصريين، فقد وجدوا في هذه المشاريع فرصة لا تعوض، خصوصا أن اسم السوريين معروف بالجودة والنظافة في السوق، والمشاريع “شغالة” على حد تعبيره.
في حين تختلف بعض أسباب السوريين للبيع، فبعضهم برغم ارتياحه واستقراره في مصر، يفضل أن يقضي حياته مع عائلته الكبيرة في الداخل.
تقول ريم مصطفى (40 عاما) سورية وصاحبة مشروع لبيع المنتجات المصنوعة يدويا، مقيمة في حي الرحاب بالقاهرة، سأعود لأني لا أريد أن أعيش وقت أطول بعيدة عن أمي وإخوتي وبلدي، الغربة أخذت الكثير من عمرنا وفرقتنا، آن الوقت للم شملنا.
عفش البيوت، سلعة مطلوبة
لم تقتصر المبيعات على المحلات، بل شملت أيضا الأثاث المنزلي، والأجهزة الكهربائية، وحتى السيارات المستعملة.
خالد عبد الجواد، مصري وصاحب شركة نقل أثاث في حي “ستة أكتوبر” يقول، في هذه الفترة لدي كثير من الزبائن السوريين الذين يبيعون أثاثهم، معظمها جديدة أو مستعملة استعمال خفيف، وأشياء غالية تباع بنصف الثمن.
في الغالب، يكون الزبائن من فئة الشباب التي تتجهز للزواج، أو العائلات التي تبحث عن أثاث نضيف بتكاليف أقل من السوق الذي تستمر أسعاره بالتزايد.
يقول هاني سيد علي (30 عاما) شاب مصري مقبل على الزواج، وجدت منشورا على صفحة سورية لبيع أثاث يشبه الجديد، وبخامات عالية، وتواصلت مع البائع كان رب عائلة ستعود لسوريا، وبالفعل توصلنا إلى اتفاق واشتريت معظم العفش، لأنه نظيف جدا وجودته عالية ولم يستخدم كثيرا.
من ناحية أخرى، استغل بعض التجار المصريين فرصة عودة بعض السوريين إلى بلادهم، واشتروا أثاثهم بأسعار منافسة للسوق، من أجل بيعها بأسعار أعلى.
آثار اقتصادية غير مباشرة
هذه الموجة من البيع لها أبعاد اقتصادية أعمق، توضحها الباحثة الاقتصادية منى الشرزي وتقول لموقع “تلفزيون سوريا” إن هذه الظاهرة تعني تقلص عدد المشاريع الصغيرة التي أنشأها السوريون، والتي كانت توظف مصريين وتسهم في حركة السوق.
وتضيف الباحثة الاقتصادية، خروج السوريين من مصر لا يعني فقط بيع محلات، بل أيضا فقدان فرص العمل، وتراجع في المنافسة التي كانت تحفز السوق لتقديم جودة أعلى.
رغم ذلك، يرى بعض التجار المصريين أن انتقال ملكية هذه المحلات قد يفتح المجال للمصريين لتوسيع أعمالهم أو بدء مشاريع جديدة.
يقول رأفت سعيد، تاجر مصري، أنا اشتريت محلا كاملا بجميع معداته، مما وفر علي مبالغ كبيرة جديدة، كما أني ورثت الزبائن الأصليين للمكان.
مواقف متباينة من المصريين
على مواقع التواصل الاجتماعي، تنوعت ردود الفعل، حيث كتب أحد رواد موقع “فيس بوك”، المحلات السورية بتقدم مستوى عال ونظافة كبيرة، لو رجعوا كلهم هيرجع السوق زي زمان، في حين اعتبر آخرون عودة السوريين أمرا طبيعيا بعد تحسن الأوضاع هناك.
في المقابل، يخشى بعضهم من فقدان جزء من التنوع الثقافي والاقتصادي الذي أضافه السوريون خلال أكثر من 13 عاما عاشوا فيها وسط المصريين.
تقول هالة يوسف، موظفة مصرية، تعودنا على مطاعمهم ولهجتهم الجميلة وتعاملهم اللبق، الشارع المصري سيفقد أشخاصا جيدين لو قرروا جميعهم الرحيل.
حتى الآن، لا توجد إحصاءات دقيقة عن العائدين، أو حجم المشاريع التي بيعت أو أغلقت، لكن الموجة مازالت محدودة، وقد ترتبط بظروف فردية أكثر منها بقرار جماعي، ومع استمرار الصعوبات في مصر، قد يتزايد عدد العائدين، وهذا مرهون أيضا بالأوضاع في سوريا.
في كل الأحوال، يبقى هذا المشهد –بيع محلات وأثاث السوريين قبل عودتهم- تجسيدا لمفارقة مؤلمة، التعلق بالوطن رغم نجاحهم في المنفى، ورغبة بعضهم بالعودة حتى لو كانت محفوفة بالمجهول.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية