جدول المحتويات
«نبض الخليج»
تعيش محافظة درعا جنوبي سوريا، واحدة من أسوأ أزماتها السكنية منذ سنوات، إذ بات من النادر العثور على منزل للإيجار، في حين ترتفع الأسعار إلى مستويات تفوق قدرة السكان على تحمّلها، إذ تصل في بعض الحالات إلى نحو 500 دولار أميركي شهرياً، مع اشتراط الدفع المسبق لستة أشهر على الأقل، وسط وضع اقتصادي متدهور يعاني منه معظم الأهالي.
ويرجع تفاقم هذه الأزمة إلى عدة عوامل متراكمة، في مقدمتها توقف حركة البناء بشكل شبه كلي نتيجة لغياب الاستقرار الأمني بعد اتفاقية التسوية التي امتدت من عام 2018 وحتى نهاية عام 2024. كما أدّت هجرة أعداد كبيرة من سكان حوران إلى خارج البلاد أو إلى مناطق أخرى داخل سوريا، إلى تقلص المعروض من المساكن، في ظل غياب تام لأي خطط رسمية لدعم الإسكان أو إعادة الإعمار.
لا منازل.. ولا قدرة على الاستئجار
في مدينة نوى بريف درعا الغربي، يروي محمد السلام (35 عاماً) لموقع “تلفزيون سوريا”، تفاصيل معاناته بعد عودته من الشمال السوري، قائلاً إنه لم يتمكن من العثور على منزل للإيجار منذ عودته.
ويشرح السلام أن منزله تعرّض للقصف خلال الحملة العسكرية التي شنتها قوات النظام السوري بدعم جوي روسي عام 2018، مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منه، ما اضطره حينها إلى النزوح نحو الشمال السوري.
وبعد ما وصفه بـ”سقوط النظام”، قرر العودة إلى مدينته نوى، لكنه اصطدم بواقع مأساوي، إذ لم يجد حتى اليوم منزلاً يصلح للسكن. ويعزو ذلك إلى توقف النهضة العمرانية منذ 2018، بالتزامن مع ضعف القبضة الأمنية وغياب الدعم الخدمي والإنشائي.
يقول محمد بأسى: “لم أتوقع أن تكون العودة إلى مدينتي بهذا الشكل، لا أملك مأوى يؤوي عائلتي، أصبحت أفكّر بالعودة إلى الشمال السوري من جديد لعلّي أجد هناك سقفاً نحتمي تحته”.
العودة من الغربة.. إلى أزمة
أما محمد الحسين، الذي عاد إلى مدينة درعا قبل شهرين بعد غربة دامت أكثر من عشر سنوات في إحدى دول الخليج، فيسكن اليوم مع والديه في منزل صغير بالكاد يتّسع لهم جميعاً.
ويؤكد الحسين أن منزله دُمّر بالكامل خلال السنوات الماضية، وبعد محاولات متكررة عبر عدد من المكاتب العقارية في مدينة درعا، لم يتمكن من العثور على منزل للإيجار، وإن وُجد، فيُطلب مقابله ما بين 300 و500 دولار شهرياً، مع اشتراط الدفع المسبق لعدة أشهر، إضافة إلى مبلغ تأمين.
يوضح الحسين أن هذه الأسعار لا تتناسب إطلاقاً مع الدخل المحلي، ويضيف: أفكّر بجدية بالعودة إلى الاغتراب، فالبحث عن منزل هنا بات أشبه بالمستحيل، ولا يمكنني الاستمرار في هذه الظروف”.
ثقافة الإيجار المستجدة
ويشير عدد من الأهالي إلى أن ظاهرة المكاتب العقارية وانتشار الإيجارات بأسعار باهظة ليست من ثقافة المجتمع المحلي في درعا، حيث كان من الشائع سابقاً أن تُعطى المنازل بأسعار رمزية، أو حتى مجاناً في بعض الأحيان، وخاصة للنازحين أو من فقدوا منازلهم في الحرب.
أما اليوم، فقد تحوّلت هذه الظاهرة إلى سوق احتكاري ضاغط على السكان، في ظل غياب الرقابة وغياب البدائل، سواء من الجهات الرسمية أو المجتمع المدني.
حسام الجهماني، صاحب مكتب عقارات في مدينة نوى غربي درعا، قال لـ”تلفزيون سوريا”: “الطلب على المنازل للإيجار مرتفع جداً، ولا يوجد منازل أو حتى شقق متاحة، والسبب الرئيسي لهذا الارتفاع هو قلة المعروض، فكل من يجد بيتاً يضطر لدفع سعر مرتفع ليستأجره، هذا الواقع دفع الكثير من الناس للتوجه نحو شراء كرفانات كبديل عن الإيجار”.
وأضاف الجهماني: “حركة البناء كانت متوقفة سابقاً، لكنها نشطت بشكل كبير مؤخراً، مع ذلك، معظم الشقق لا تزال غير مكسية، أي دون تشطيب وتجهيز. وأيضاً من أبرز الصعوبات التي نواجهها في عملنا، عدم التزام المالك أو المستأجر أو المشتري بدفع عمولة المكتب، والحل يكمن في التعامل بصدق وشفافية، فبهذا تُحل نصف المشكلات، نعم، هناك نوع من الابتزاز لرفع الأسعار والإيجارات، والحل الفعلي برأيي هو تثبيت الإيجارات عبر المجالس المحلية”.
وأشار الجهماني إلى أن الطلب على العقارات يختلف بحسب المنطقة والضغط السكاني والخدمات المتوفرة فيها، وإذا استمر هذا الوضع من ارتفاع الطلب وقلة العرض، فإن السوق مرشّح للاشتعال قريباً.
أزمة بلا أفق للحل
حتى اللحظة، لا تلوح في الأفق أية بوادر لحل أزمة السكن في درعا، في ظل استمرار الانكماش العمراني وغياب الدعم الحكومي أو الدولي، ما ينذر بتفاقم معاناة الأهالي، ويدفع كثيرين للتفكير بالهجرة أو العودة إلى الشمال السوري، التي لا تقل قسوة عن واقع درعا، ولكنها على الأقل تقدّم حلاً مؤقتاً للسكن.
ولا شك أن الأسابيع المقبلة ستشهد موجة كبيرة من عودة اللاجئين من دول الجوار، ما سيؤدي إلى زيادة ملحوظة في الطلب على المساكن، في ظل ندرة المعروض وغياب الخيارات السكنية المتاحة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية