جدول المحتويات
«نبض الخليج»
خلَّفت الحرب في سوريا، وما تلاها من تدهور للأوضاع الإنسانية والاقتصادية والمعيشية على مدار 14 عاماً، الكثير من الآثار والتداعيات السلبية على المجتمع، أبرزها الزيادة الكبيرة بنسبة النساء العازبات في سن الثلاثين وما فوق.
وفي عام 2022، تداولت وسائل إعلام محلية تصريحات نقلتها وكالة “سبوتنيك” الروسية من مصادر في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة نظام الأسد المخلوع، بشأن إحصائية “غير دقيقة” تقول إن 70 بالمئة من النساء السوريات عازبات.
هذا مؤشر على ازدياد نسبة العازبات من السوريات، بالإضافة إلى معطيات واقعية رصدها موقع “تلفزيون سوريا”، في تقارير سابقة تتحدث عن عزوف الشباب عن الزواج بسبب ظروف الحرب.
ويرى خبراء أنها نسبة منطقية بالنظر إلى مجريات الأحداث في سوريا وظروف الحرب، والتي أجبرت آلاف الشبّان على الالتحاق بجبهات القتال، أو الفرار من الخدمة العسكرية إلى دول الجوار، أو الهجرة لضمان مستقبل أفضل بعيداً عن المخاطر والاضطرابات.
ومن الأسباب التي أدت إلى عزوف الشباب عن الزواج الأوضاع الاقتصادية المتردية، حيث تشير بيانات لمنظمات دولية إلى أن نحو 90 بالمئة من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر.
ولكن التحوّلات والانفراجات السياسية والاقتصادية المتسارعة التي شهدتها سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد سقوط نظام الأسد المخلوع، فتحت الباب أمام تغيّرات على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وإن كان التقدم يسير ببطء.
ويأمل الشباب ويترقبون ارتفاع الأجور والرواتب، خاصة بعد رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا، في أيار/مايو الجاري، وعودة آلاف المهاجرين واللاجئين للاستقرار في بلدهم.
يناقش موقع “تلفزيون سوريا”، في هذا التقرير هل ستنعكس هذه التغييرات الدراماتيكية على واقع الزواج في سوريا، وما مدى انعكاسها على مصير السوريات العازبات التي يشكلن الغالبية؟
بعد طول انتظار
كافحت ريم أبو النصر (27 عاماً)، مهندسة مدنية، لسنوات من أجل الحفاظ على خطوبتها في ظل البعد الجغرافي الذي كان يحول بينها وبين خطيبها على مدار 3 سنوات، الذي هرب من البلاد بعد أن أصدرت المخابرات الجوية التابعة للنظام المخلوع مذكرة بحث بحقه على خلفية نشاطه السياسي والمدني.
تقول ريم، في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، إن التحوّل السياسي بعد الإطاحة بنظام الأسد المخلوع، في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، شكل نقطة تحول و”انفراجة مصيرية” لعلاقتها بخطيبها، الذي تمكن من العودة أخيراً بعد معاناة اللجوء في أربيل.
وتشير ريم إلى أن الأوضاع الاقتصادية لا تزال متواضعة، ولم تحدد موعد الزفاف، ولكن مع رفع العقوبات تجددت الآمال.
الزواج بات ممكناً
بعد سقوط النظام، عاد بهاء وهبة (29 عاماً) من لبنان قبل شهرين بهدف الزواج من خطيبته، بعد 4 سنوات من الخطوبة، ويقول إنه لم يعد مضطراً للبقاء في لبنان هرباً من الالتحاق بالجيش.
ويضيف بهاء، يعمل اليوم طيّان من ريف دمشق، “يمكنني أن أعمل هنا في مدينتي (المليحة) مجدداً، ويمكن أن نعيش أنا وزوجتي عند أهلي فترة ريثما رزقني الله وتمكّنت من شراء شقة صغيرة نسكنها.
ويعرب الشاب عن سعادته بالقول، “أحمد الله على سقوط نظام الطاغية الذي عطّل حياتي تماماً، وأخّر زواجي وزواج الكثير من الشبّان لسنوات طويلة”.
“الفرحة فرحتين”
بينما احتفلت آية فضل الله (33 عاما)، مدرّبة لياقة بدنية في نادي رياضي بدمشق، بزفافها في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بالتزامن مع احتفالات السوريين بنيل الحرّية وانتصار الثورة.
تقول آية: “لقد كانت فرحة مضاعفة، فخطيبي كان من المطلوبين للخدمة الإلزامية بالجيش، وعندما سقط النظام قام خطيبي بتوفير المبلغ الذي كان يريد دفعه كبدل عن الخدمة، والبالغ 8 آلاف دولار، وتمكّنا من الزواج به”.
كذلك فرحت يارا حمود (29 عاماً)، مدرّسة لغة إنكليزية من ريف دمشق، بتحديد خطيبها أمجد موعد زفافهما في آب/أغسطس المُقبل بعد أن امتدت خطوبتهما 5 سنوات.
وتقول يارا، في حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”: “كنا خلال تلك السنوات عاجزين عن الزواج بسبب الظروف المعيشية التعيسة في سوريا، ولكن مع تحسن الظروف الاقتصادية في البلاد، وعودة أمجد للعمل بمجاله في تجارة السيارات استطعنا أخيراً تغطية تكاليف الاستعدادات للزفاف”.
مؤشرات اجتماعية
من جهته، يرى الخبير في الشؤون الاجتماعية الدكتور مهند أبو بكر أن تحسّن الأوضاع المعيشية وتوفّر فرص العمل والاستقرار المالي في سوريا المرتقب بعد سقوط النظام ورفع العقوبات الأميركية والأوروبية، قد يسهم في تشجيع الزواج المبكر نسبياً، الأمر الذي يمكن أن ينعكس بانخفاض تدريجي في نسب العزوبية في البلاد ويقلّل من نسبة النساء العازبات.
ويقول الخبير الاجتماعي أن الاستقرار الأمني والقانوني الذي ساد مؤخراً في سوريا من شأنه أن يهيّئ بيئة ملائمة لعودة اللاجئين، وتحسين فرص التواصل الاجتماعي، وهو ما قد يُعيد التوازن في نسب الزواج، إلا أن هذا التأثير لن يكون فورياً، بل سيأخذ طابعاً تدريجياً ويتوقّف على حجم وسرعة التغيّرات في تلك الظروف.
ويشير أبو بكر إلى وجود مؤشّرات اجتماعية عديدة تدلّ على تحوّل محتمل في البيئة العامّة لصالح زيادة فرص الزواج، ومن بينها:
• إصلاح نظام الخدمة الإلزامية، الذي قد يفتح المجال أمام عودة عدد كبير من الشباب المغتربين أو المتخلّفين سابقاً عن الخدمة الإلزامية في جيش النظام المخلوع، مما قد يعيد التوازن الديمغرافي بين الجنسين.
• تحسن الوضع الأمني وعودة قسم من اللاجئين والمغتربين يساهم أيضاً في إعادة تشكيل النسيج الاجتماعي السوري الممزق طيلة فترة الحرب، بما في ذلك الروابط الأسرية والمجتمعية، التي تلعب دوراً أساسياً في تيسير فرص الزواج.
• تنامي خطاب اجتماعي أكثر واقعية وتسامحاً تجاه ظروف الشباب، من حيث تقبّل الزواج بإمكانات محدودة أو تأجيل الإنجاب، وهو ما قد يمهّد الطريق لارتفاع تدريجي في معدّلات الزواج.
في المقابل، يرى الخبير الاجتماعي أن هذه المؤشرات، على الرغم من دلالاتها الإيجابية، تظل مرتبطة بالتطورات السياسية والاقتصادية، مؤكّداً أن استمرار الأزمة الاقتصادية قد يقيّد هذا التحسّن حتّى وإن توفّرت الظروف الاجتماعية الملائمة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية