جدول المحتويات
«نبض الخليج»
يرى الباحث والأكاديمي مروان قبلان أن التغير المفاجئ في سياسة الولايات المتحدة الأميركية اتجاه سوريا قلب الطاولة على إسرائيل والتي كانت تهدف إلى تقسيم سوريا إلى كنتونات عرقية وإثنية وطائفية، مشيراً إلى وجود حالة تصادم بين أميركا وإسرائيل في سوريا.
وقال قبلان خلال لقاء مع تلفزيون سوريا في برنامج “سوريا اليوم” تعليقاً على الهجوم الإسرائيل الأخير على الجنوب السوري: “أعتقد أن الإسرائيليين لم يكونوا بحاجة إلى أي ذريعة لاستئناف عملياتهم العسكرية في سوريا، والتي تصاعدت بشكل مكثف بعد سقوط النظام في الثامن من كانون الأول الماضي. فقد نفّذت إسرائيل، خلال 72 ساعة فقط من سقوط النظام، أكبر حملة جوية في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، شملت نحو 500 غارة استهدفت أكثر من 600 هدف، ودمرت ما بين 80 إلى 85 في المئة من القدرات العسكرية السورية”.
ويجد أن التصعيد جاء نتيجة لعدم ثقة إسرائيل بالنظام الجديد الذي بدأ يتولى الحكم في دمشق، ومنذ ذلك الوقت وحتى مطلع شهر أيار، وربما حتى انعقاد القمة الأميركية ـ السورية ـ السعودية في الرياض، واصلت إسرائيل استهداف القدرات العسكرية السورية.
ويضيف: “إسرائيل استاءت بشدة من تغيّر الموقف الأميركي. فإدارة الرئيس ترمب، في الفترة الأخيرة، قامت بجملة من السياسات أو الخطوات التي لم تلقَ استحساناً لدى إسرائيل، ومن بينها رفع العقوبات عن سوريا، واللقاء الذي عُقد في الرياض”.
“أميركا مارست ضغوطاً كبيرةً على إسرائيل”
ويعتبر قبلان أن الولايات المتحدة قد مارست ضغوطاً كبيرة على إسرائيل خلال الأسابيع القليلة الماضية لوقف عملياتها العسكرية، ولعدم تقويض قدرة النظام الجديد في دمشق على بسط السيطرة على الأرض. فكل ضربة إسرائيلية في سوريا تُضعف النظام سياسياً، لأنها تكرّس صورة عجزه عن الرد، وتُضعفه أيضاً عسكرياً من خلال تدمير قدراته على ضبط الوضع في البلاد.
ويرى أن الضغوط الأميركية أدّت، في نهاية المطاف، إلى تراجع ملحوظ في وتيرة القصف الإسرائيلي خلال الأسبوعين أو الثلاثة الماضية، حتى وإن لم تتوقف تلك الهجمات بشكل كامل حتى الآن، ويردف: “بتقديري، فإن الإسرائيليين، نتيجة للضغوط الأميركية، غيّروا حتى نبرة خطابهم تجاه الإدارة الجديدة في دمشق”.
ويبيّن خلال اللقاء أن إسرائيل صُدمت بالتطور السريع في الموقف الأميركي خلال الأسابيع الثلاثة أو الأربعة الماضية، مما أدى إلى إرباك كامل في خططها بسوريا، وهي بطبيعة الحال تريد من الحكومات المجاورة أن تكون بمثابة حراس على حدودها، وأن تضمن أمن إسرائيل بنسبة 100 في المئة، كما كانت تطالب بذلك من نظام بشار الأسد، وقبله نظام حافظ الأسد.
ويعتقد أن إسرائيل نفسها غير قادرة على ضبط أمنها بنسبة 100 في المئة داخل أراضيها، إذ تحدث عمليات من وقت لآخر داخل إسرائيل، وبالتالي فإن مطالبتها للآخرين بضبط حدودها بشكل كامل تبدو غير واقعية، لافتاً إلى أن إسرائيل تحاول استثمار الحادثة التي وقعت بهدف إعادة التوتر إلى سابق عهده، وتخريب ما تحقق في الرياض، وربما منح إسرائيل ذريعة للعودة مجدداً لضرب سوريا وتقويض النظام الجديد سياسياً.
“من حق السوريين مقاومة الاعتداءات”
إن استمرت إسرائيل في اعتداءاتها على سوريا، يرى قبلان، أن من حق كل سوري أن يقاوم هذه الاعتداءات، لأن إسرائيل تواصل عدوانها بشكل مستمر. وهي كثيراً ما تناقض نفسها، إذ تطلب من الآخرين ضمان أمنها، في حين أن المطلوب هو أن تقدم إسرائيل ضمانات لأمننا، لأنها الطرف الذي يشن الضربات، والاعتداء، والقصف، والتدمير. أما الطرف السوري، فلا يمتلك إمكانيات حقيقية للرد، مبيناً أن حادثة إطلاق القذيفتين عبارة عن عملية رمزية أكثر من كونها عسكرية، وهي مرتبطة ربما بأجندة إسرائيلية وأجندة إيرانية.
المشروع الإيراني هُزم
ويقول الباحث والأكاديمي إن المشروع الإيراني في المنطقة قد هُزم بكل معنى الكلمة، وانهزم تحديداً في سوريا التي كانت واسطة العقد في هذا المحور الممتد من طهران إلى بيروت، لكن هذا لا يعني أن إيران استسلمت كلياً، فهي لا تزال تخوض مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن الملف النووي، وبتقديري، ما زالت تقاتل من أجل البقاء، فالنظام في إيران لن يستمر على قيد الحياة.
ويضيف: “من مصلحة إيران استمرار هذا التوتر، ومن مصلحتها إضعاف النظام في دمشق، وقد تكون هذه المحاولة ـ من جهات مرتبطة بها ـ لإشعال لهيب التوتر مجدداً بين سوريا وإسرائيل، أملاً في أن يؤدي ذلك إلى مزيد من إضعاف النظام في دمشق، وربما إلى انهياره في نهاية المطاف، كما تأمل إيران”.
إسرائيل لا تثق بسلطة دمشق الإسلامية
تعليقاً على إعادة رفات الجندي الإسرائيلي وأرشيف كوهين، يعتقد قبلان أنها كانت هدايا مجانية ما كان ينبغي أن تُكون، بل كان يجب أن يكون لها ثمن، لأن إسرائيل تولي اهتماماً كبيراً لمثل هذه الأمور. وبرأيي، كلما أبدينا ضعفاً تجاه إسرائيل، زادت مطالبها وازدادت ضغوطها علينا. تاريخ الصراع مع إسرائيل ليس جديداً، فإسرائيل ليست كائناً وُلد بالأمس ولا نعرفه؛ نحن نعرفه منذ أكثر من 75 عاماً، بل يمكن القول منذ نحو 100 عام إذا تحدثنا عن الصراع على فلسطين. أما تأسيس دولة إسرائيل فقد مضى عليه نحو 77 عاماً.
وبحسب قبلان، فإن إسرائيل لديها شكوك وتخوفات وعدم الثقة بالسلطة الجديدة في دمشق، فخلفيتها الإسلامية تجعل إسرائيل بحالة متوترة لأنها تعتبر كل التنظيمات الإسلامية والجهادية غير مطمئنة، لذلك، نجد أن إسرائيل فعلت كل ما بوسعها لإسقاط نظام مرسي في مصر عام 2013، وحشدت ضده في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وكانت شديدة العداء له.
وتعتبر إسرائيل، وفقاً للباحث، أن إضعاف السلطة المركزية في دمشق سيجعلها عاجزة عن فرض سيطرتها على الشمال الشرقي، والجنوب، والساحل، ويفتح الباب أمام إقامة كانتونات طائفية.
أميركا: البديل في سوريا هو الفوضى
قبلان: “نبرة الخطاب الإسرائيلي اختلفت تماماً تجاه السلطة الجديدة في دمشق، وذلك بسبب انفتاح واشنطن على دمشق، وبسبب الضغوط الأميركية الشديدة، إذ إن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل عدم تقويض النظام الجديد، لأن البديل هو الفوضى”.
ويتابع: “واشنطن تدرك تماماً أن أي انهيار في دمشق سيؤدي إلى الفوضى، وأن البديل المحتمل هو عودة تنظيم داعش والتنظيمات المتطرفة إلى المنطقة، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة، خاصة في ظل سعيها لسحب قواتها من المنطقة، لذلك، أصبحت الأجندة الإسرائيلية في حالة تصادم كامل مع الأجندة الأميركية، وهذا الأمر بات واضحاً خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث فرضت الولايات المتحدة على إسرائيل أن تغيّر سلوكها ونبرة خطابها”.
ويضيف: “كما ذكرت، إسرائيل لا تزال تسعى إلى اغتنام أي فرصة لتقول للأميركيين إن سياستهم غير ناجحة، وفاشلة، ولا تؤدي إلى نتيجة، وأن هذا النظام لا يمكن التعامل معه. وهي معزوفة إسرائيلية مستمرة تقريباً منذ سقوط النظام في 8 كانون الأول الماضي”.
تركيا تريد منع الاحتكاك
وحول الدور التركي، يقول قبلان: “لا أعتقد أن هناك اتفاقاً بين تركيا وإسرائيل على عدم التصعيد، وإنما عدم وجود احتكاك بين الطرفين”.
ويضيف: “إسرائيل قامت قبل أسابيع، في أواخر نيسان أو مطلع أيار الماضي، بضرب قواعد قيل إعلامياً إنها ستُستخدم كقواعد عسكرية تركية في سوريا، مثل مطار حماة ومطار T4 وغيرها، وكانت هناك خشية حقيقية من احتمال وقوع احتكاك عسكري بين إسرائيل وتركيا داخل الأراضي السورية. وأعتقد أن المفاوضات الجارية حالياً تهدف إلى وضع آلية تشبه تلك التي وُجدت سابقاً بين إسرائيل وروسيا بعد التدخل الروسي العسكري في سوريا عام 2015، وهي آلية تقوم على تجنب أي احتكاك عسكري مباشر قد يؤدي إلى تصعيد أو مواجهة بين الطرفين، وأرى أن هذا هو ما يُعمل عليه في هذه المرحلة.
“لا بديل عن العودة إلى اتفاق 1974”
يرى قبلان أنه لا بديل عن العودة إلى اتفاق فض الاشتباك (1974)، لأنه في نهاية المطاف، هذا الاتفاق هو الذي جعل الحدود بين سوريا وفلسطين المحتلة صامتة على مدى أربعة عقود تقريباً، صامتة بكل معنى الكلمة، وهو الأفضل، كما أن هناك إجماعاً دولياً عليه. الأوروبيون، والأمم المتحدة، والدول العربية، وحتى الولايات المتحدة الأميركية، جميعهم لديهم استعداد لمناقشة العودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل سقوط النظام في الثامن من كانون الأول.
ويتابع: الوضع مفتوح على كل الاحتمالات، لكن فيما يخص التصعيد العسكري، فأنا أعتقد أن الأميركيين لا مصلحة لهم فيه. لديهم حالياً سياسة يختبرونها في سوريا خلال الأشهر الستة المقبلة، ويريدون أن يروا كيف ستجري الأمور، وحتى الآن تسير الأمور من وجهة نظرهم بشكل ممتاز، بناءً على تصريحاتهم حول دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري والانسحاب من شمالي شرقي سوريا.
ولا يميل إلى احتمال حدوث تصعيد كبير في الفترة المقبلة، لأنه يضر بالأجندة الأميركية في المنطقة.
الوضع غير مهيأ لاتفاقات حاسمة
قبلان: أما بخصوص المفاوضات، نعم، هناك بالفعل مسارات تفاوض عديدة تُجرى في عواصم مختلفة، بوساطة تركية وأخرى خليجية، إذ دخلت أكثر من دولة خليجية على الخط، والمبعوث الأميركي إلى سوريا موجود حالياً في إسرائيل، وهو يعمل على محاولة خفض التوتر أو منع التصعيد على الأقل بين الطرفين، أما كيف ستجري الأمور، فأعتقد أنها لن تكون بالسهولة التي يروّج لها البعض، لأن الوضع السوري الحالي لا يسمح بمفاوضات تؤدي إلى نتائج حاسمة. لا الوضع السوري، ولا الإسرائيلي، ولا حتى الأميركي مهيأ لذلك. البعض يتحدث عن تطبيع أو اتفاق سلام، لكن برأيي، هذا الكلام سابق لأوانه.
ويستطرد: ما يجري الآن يتمحور حول خفض التصعيد، ومنع المزيد من التوتر، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة. وربما، بعد ذلك، يمكن الحديث عن العودة إلى اتفاق 1974، ثم الانتقال إلى قضايا أكثر عمقاً وديمومة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية