جدول المحتويات
«نبض الخليج»
في تحقيق استقصائي مؤلم ومفصل، كشفت مجلة فورين بوليسي الأميركية عن مصير غامض يكتنف آلاف الأطفال السوريين الذين اختفوا بعد اعتقال ذويهم على يد نظام بشار الأسد خلال السنوات الماضية. سلط التقرير الضوء على سياسات ممنهجة اتبعها النظام البائد لفصل الأطفال عن أمهاتهم المعتقلات ونقلهم إلى دور أيتام تدار بأوامر أمنية، وسط مخاوف متزايدة من تعرضهم للتبني القسري أو الاتجار بالبشر.
من خلال شهادات حصرية لعائلات مفجوعة، وخبراء في حماية الطفل، ومسؤولين سابقين، يميط التقرير اللثام عن ممارسات صادمة وقصص معاناة إنسانية لا تزال تبعاتها قائمة رغم سقوط النظام. ويركز التحقيق على حالة الطبيبة المعتقلة رانيا العباسي وأطفالها الستة، وحكايات مشابهة لعائلات تبحث عن أبنائها وسط غموض شديد، وتعتيم رسمي، وانتهاكات محتملة داخل مؤسسات يُفترض بها رعاية الأطفال.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع المفقودين في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية المجلة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يأتي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
يتذكر حسان العباسي شقيقته رانيا التي تميزت بتفوقها وهدوئها بين النساء، فقد كانت طبيبة أسنان تعمل في دمشق هي وزوجها عبد الرحمن ياسين، حيث أسسا عيادة ناجحة في عام 2008 إثر عودتهما من السعودية بعد أن عاشا حياة رغيدة هناك.
كانت رانيا صاحبة عقل يفكر بطريقة استراتيجية، إذ كانت تتمتع بالقدرة على توقع الأحداث قبل حدوثها بفترة طويلة، وتلك الصفات هي التي جعلت منها لاعبة شطرنج بارعة، فحصدت بطولة الشطرنج في سوريا في سن مبكرة.
غير أن رانيا لم تتوقع من نظام بشار الأسد أن يعتقلها هي وأسرتها في عام 2013.
في السابع من آذار من العام نفسه، اعتقلوا زوجها، وبعد مرور يومين على ذلك، جاؤوا ليعتقلوا رانيا وجميع أولادها الستة: ديمة، وانتصار، ونجاح، وآلاء وأحمد، وليان، والذين تتراوح أعمارهم ما بين عامين إلى 14 عاماً، على الرغم من أن رانيا لم تكن ناشطة على الصعيد السياسي كما أخبرنا أخوها حسان.
يقول حسان: “فهمت رانيا النظام، فقد كانت أماً وطبيبة مشغولة، ولم يكن لديها الوقت وكانت تعرف تمام المعرفة بأنها ستضر أسرتها في حال انخراطها بالسياسة”، ولكن حسان الذي يعيش اليوم في كندا، يعتقد بأن الأسرة اعتقلت لأن زوج رانيا قدم معونة مالية للعائلات النازحة ولهذا اعتبره النظام بأن له علاقات تربطه بالثورة.
خلال ردح طويل من العقد الماضي، ترأس حسان عن بعد شبكة للبحث عن أخته وأولادها تضم محامين وأفراد العائلة الموجودين في الداخل السوري، وذلك سعياً للحصول على أي معلومة وجمع كل تلك الشذرات من المعلومات المتعلقة بأمر اختفاء شقيقته وأطفالها. وقد علم حسان بأن عبد الرحمن مات تحت التعذيب في سجن صيدنايا الذي يعتبر أسوأ سجن صيتاً في سوريا، وقد تأكد مقتله بعد تسريب ملفات قيصر في عام 2015.
لم يعثر حسان على كثير من المعلومات بشأن مصير أخته، باستثناء الوثيقة التي كشفت عن نقل رانيا إلى سجن جديد، كما أنها لم تظهر بعد سقوط نظام الأسد في مطلع شهر كانون الأول الماضي. ولهذا يعتقد حسان بأنها فارقت الحياة على الأغلب، لكنه لم يفقد الأمل بالنسبة لأولادها الذين يعتقد بأنهم ما يزالون أحياء، حتى على الرغم من أنه لم يفلح في تعقب أثرهم.
خطة الفصل
لم يكن أطفال رانيا وحدهم في تلك السجون، بل كانوا من بين مجموعة ضمت آلاف أطفال المعتقلات، بعضهم ولدوا في السجون، ثم نقلوا إلى دور الأيتام ضمن خطة الفصل التي رعاها النظام البائد والتي يخشى كثيرون أن تكون قد أسفرت عن الاتجار بهؤلاء الأطفال أو انتهت بعرضهم للتبني بطرق غير قانونية.
تحدثنا عن ذلك زينة إسماعيل علوش، وهي خبيرة دولية في حماية الطفل، فتقول: “إن دور الأيتام في سوريا ليست مجرد مؤسسات خيرية، بل إن من ورائها غرضاً سياسياً دوماً”، وتعتقد هذه الخبيرة بأن معظم الأطفال السوريين قد عرضوا للتبني على المستوى الدولي أو جرى الاتجار بهم لأغراض جنسية أو ضمن تجارة الأعضاء.
بعض الأباعد من تلك العائلات، مثل حسان، وخلال سعيهم الحثيث للعثور على الأطفال المفقودين، طرقوا أبواب دور الأيتام بحثاً عن إجابات لتساؤلاتهم، لكن لم يقابلوا هناك إلا بالرفض والصد. وقد شرح حسان في مقابلة أجراها خلال شهر شباط الماضي، بأن هنالك احتمالاً لفقدان الأدلة المهمة المتعلقة بتلك القضية أو إتلافها، وذلك بسبب البطء الذي اتسم به التحقيق الذي فتحته حكومة تصريف الأعمال في سوريا، ومن ضمن الآثار التي يمكن أن تمحى آثار أولاد أخته، ويعلق على ذلك بالقول: “إن أي مكان احتجز فيه الأطفال يعتبر متعاوناً مع النظام [البائد] ويجب عليه الرد على تساؤلات للأهالي”.
حكاية سكينة وهبة
عاشت سكينة سلامة الجباوي تجربة مع سياسة الفصل التي انتهجها النظام البائد.
سكينة برفقة أولادها في بيتها الكائن بقرية برقة في الريف الشمالي لدرعا
ففي صباح يوم الأربعاء من خريف عام 2018، وفي أثناء تحضيرها لطعام الإفطار داخل بيتها بقرية برقة في الريف الشمالي لمحافظة درعا، حاصر مسلحون بيت الجباوي من كل الجهات على حين غرة.
ثم اعتقلت هي وزوجها وابنتها هبة، وكانت تهمتهم واضحة ولكن لا أساس لها من الصحة، إذ كانت الإرهاب.
وكل جريمتهم هي أنهم يحملون الكنية نفسها التي يحملها صهر العائلة الذي كان أحد مقاتلي الجيش السوري الحر آنذاك، وهو عبارة عن فصائل ثورية حاربت نظام الأسد، لكنه قتل بغارة جوية في عام 2017، غير أن النظام السوري البائد لم تكن لتأخذه رأفة بأحد، إذ تخبرنا سكينة بأنه كان يحاسب الجميع بجريرة فرد واحد، ولذلك كانت هي وزوجها وابنتهما من بين 35 شخصاً اعتقلوا في ذلك اليوم، وتعود أصول هؤلاء الأشخاص إلى أربع عائلات تحمل الكنية نفسها.
كانت سكينة حاملاً، لكنها ضمت هبة إليها وسط الظلام الخانق داخل زنزانة تخلو من أية نوافذ، وقد حشر فيها أكثر من عشر نساء وأطفال. كانت أصوات الصغار تملأ الزنزانة، غير أن الحراس أخذوا يسكتونهم بالتهديد والعنف.
في أواخر كانون الثاني الماضي، أجرينا مقابلة مع سكينة التي علقت على تلك التجربة بقولها: “بمجرد أن تدخل السجن، فإنهم لن يعترفوا بوجودك كشخص”.
في أجواء غرف الاستجواب المرعبة، تعرضت سكينة للضرب والتعنيف اللفظي على مدار أسبوعين، وفي صباح أحد الأيام، أمر أحد الحراس المعتقلات بـ”تجهيز الأطفال”، فساد الذعر في الزنزانة، وعندما قاومت إحدى النساء، جروها إلى الخارج هي وطفلها، ولم يرهما أحد بعد ذلك. غير أن أسوأ مخاوف سكينة تحققت عندما انتزعت منها هبة ووضعت في دار للأيتام.
وصلت إليها إشاعات حول ما يحدث في دور الأيتام تلك، إذ تخبرنا سكينة أن الأطفال كانوا يتعرضون للضرب هناك، كما يباعون من أجل الاتجار بأعضائهم أو بهم كبشر. وبعد مرور سبعة أشهر على ذلك، أطلق سراح سكينة من دون أن تثبت عليها أية تهمة، وبعد إخلاء سبيلها بفترة قصيرة وضعت ابنها محمداً.
وبما أنها كانت تسعى جاهدة للعثور على هبة، لجأت إلى شقيقها الذي كان في ذلك الحين طالب حقوق بدمشق، وذلك حتى يساعدها في البحث عن الطفلة في أهم دور الأيتام السورية، وعلى رأسها قرى SOS المخصصة للأطفال، ودار لحن الحياة، ودار الرحمة، غير أن جميع تلك الدور أنكرت استقبالها لهبة خلال الزيارات المتكررة التي أجراها شقيقها.
وفي نهاية المطاف، وبعد أشهر من البحث، سمعت الجباوي من أم أخرى كانت معتقلة وتمكنت من العثور على طفلها، بأن أفضل طريقة لتعثر على ابنتها تتمثل برفع طلب لفرع الأمن الذي احتجزهما.
وما إن سمعت سكينة بهذا النبأ الجديد حتى أسرعت إلى فرع الأمن، وبعد أن تضرعت وتوسلت، اعترف أحد الضباط أخيراً بوجود ملف لهما، وبعد أيام على ذلك، وصل إليها التأكيد بأن هبة ما تزال على قيد الحياة وأنها محتجزة في أحد دور الأيتام، ثم وافقت المحكمة على لم شملهما، وبعد ذلك سلمها ضباط من الأمن ابنتها.
الطفلة هبة في باحة بيتهم بقرية برقة
غير أن هبة التي أصبح عمرها إذاك ثلاثة أعوام وقفت بعيداً عن أمها بعد فراق استمر لعام كامل، وكان الحذر بادياً عليها.
تعلق سكينة على ذلك فتقول: “كانت تعاني من نوبات ذعر، وتبكي كلما سألتها عن الميتم”، ولقد اكتشفت الأم وجود ندبات على شفاه ابنتها وعلى ظهرها وساقيها.
ملف دار “الرحمة”
وداخل جيب أحد ألبسة هبة، عثرت الجباوي على قصاصة من الورق كتب فيها: “دار الرحمة” وهكذا عرفت المكان الذي بقيت فيه ابنتها طوال تلك الفترة، وعندما واجهت الميتم بأمر الندوب الموجودة على جسم هبة، أخبروها بأنها تعرضت لحادث، وبأن الندوب سببها القهوة التي انسكبت عليها، غير أن الجباوي لم تصدقهم.
في مقابلة أجريت في شهر كانون الثاني مع براءة الأيوبي مديرة ميتم دار الرحمة بدمشق، حيث احتجزت الطفلة هبة، أنكرت المديرة وقوع أي ظلم أو إساءة بحق الأطفال، وذكرت أن هبة تعرضت لصدمات في أثناء مكوثها في السجن، وأن الندبات الموجودة على ظهرها لم تكن موجودة في أثناء إقامتها في الميتم الذي تديره.
في زيارة رتب لها بحرص شديد لذلك الميتم، لم يُعثر فيه إلا على بضع فتيات مراهقات في ذلك الحين، وقد فتحت الأيوبي لنا غرفاً فيها أسرة رتبت بأناقة إلى جانب ورشات حيث يمكن للطفلات صناعة ألعابهن والتدرب على مهن يدوية خلال أوقات فراغهن، ومن خلال تلك الأشغال اليدوية يمكنهن تحصيل بعض المال ليصرفن على أنفسهن.
سوابق دار الرحمة
خضع دار الرحمة للمراقبة قبل كل هذا، إذ في عام 2019، نشرت جارة للميتم منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي زعمت فيه أنها تسمع الأطفال وهم يُضربون ويتعرضون لانتهاكات داخل الميتم، وفي اليوم التالي، اعتقلت الجارة لفترة قصيرة، وخلص تحقيق فتحته الحكومة آنذاك إلى أنه لم يحدث شيء من ذلك القبيل في ذلك الميتم، كما أنكرت الأيوبي وقوع أي عنف في الدار التي تديرها.
أسرّة اليتيمات التي رتبت بعناية من أجل الزيارة في دار الرحمة بدمشق
يتيمات في دار الرحمة بدمشق يقبلن يد مديرة الميتم براءة الأيوبي
لكنها اعترفت بأن هذه المؤسسة آوت أطفال المعتقلات الذين كانت قوات أمن النظام البائد تنقلهم إليها، وأكدت استحالة لم شملهم أو إعطاء أي معلومات عن الأطفال لأهاليهم من دون موافقة النظام البائد، وقالت: “لم تكن تلك مسؤوليتي، هل كنا نوافق على ذلك؟ لا، لم نوافق، لكن ما يهمنا هو الطفل، ولهذا كان علينا أن نلتزم بالأوامر”.
ذكرت الأيوبي أن زهاء 100 طفل وطفلة من أطفال المعتقلات قد لم شملهم مع أهلهم بعد سقوط نظام الأسد، لكنها أنكرت تعاون مؤسستها مع النظام، باستثناء زيارتين قامت بهما أسماء الأسد، إلى ذلك الميتم، بما أنها كانت تصدر صورة المحسنة الكبيرة لنفسها بكل عناية، في الوقت الذي حرصت فيه على السيطرة بقبضة من حديد على دور الأيتام في سوريا، ولهذا كثيراً ما كانت تنتشر صور لزوجة بشار الأسد المولودة في بريطانيا وهي تحتضن الأيتام المبهوتين من زيارتها لتلك المراكز.
يعلق على ذلك ماهر رزق وهو موظف سابق لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث عمل لدى الحكومة لمدة عقدين قبل أن ينشق في عام 2011، فيقول: “كل تلك مظاهر زائفة، لأن الداخل كله عفن”.
تورط قرى SOS للأطفال
خضعت للتدقيق والمراقبة مؤسسات أخرى مهمة إحداها دار أيتام أهلية تعرف باسم لحن الحياة، وقرى SOS للأطفال، وهي منظمة دولية مقرها النمسا أقامت ميتمين في سوريا، وقد أنكرت تلك المؤسسات الثلاث أي تواطؤ لها في تمكين سياسة الفصل التي انتهجها الأسد.
أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الشؤون الاجتماعية أن السلطة الحاكمة الجديدة “جمعت كل ما بوسعها جمعه من الوثائق المتوفرة التي تقدم أدلة حول تحويل أطفال المعتقلات إلى تلك الجمعيات”.
كانت أسماء الأسد بنفسها تعين مديري بعض دور الأيتام، وذلك بحسب ما ذكره رزق، الموظف السابق لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، وأضاف: “كانت تستخدمهم كدروع، إذ كانت تسيطر على كل شيء في الظل”.
ماهر رزق: المدير السابق للخدمات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية التي كانت تتبع للنظام البائد
أعلنت قرى SOS للأطفال أن أسماء الأسد زارت أحد مراكزها في إحدى المناسبات وذلك لتتناول طعام الإفطار برفقة مقدمي ومقدمات الرعاية والأطفال خلال شهر رمضان، وأضاف الناطق الرسمي باسم قرى الأطفال في رسالة إلكترونية: “لم يكن بوسع الفريق رفض الزيارة، كما أنها لم تتدخل في الإدارة أو العمليات أو في طريقة إدارة الجمعية”.
يخبرنا حسن شقيق رانيا أن أحد المحققين التابعين للحكومة الجديدة قدم له وثيقة تثبت أن أربعة من أولاد أخته مايزالون يعيشون في قرى SOS للأطفال، ولهذا فإن الحملة العامة التي أطلقها من أجل العثور عليهم بدأت عندما قرأ بالمصادفة منشوراً لمنظمة أرفق بصورة لطفلة تشبه إحدى بنات رانيا بشكل كبير، ولكنه عندما تواصل مع المنظمة أنكرت معرفتها بمكان هؤلاء الأطفال، وذكرت أنه لا يوجد بين يديها أي دليل يثبت خضوعهم لرعايتها.
رفضت قرى SOS للأطفال أن تجرى معها مقابلة، وأعلنت أن المنظمة تتعاون مع الحكومة السورية الجديدة في التحقيق الذي يسعى لتعقب أثر الأطفال الذين جرى فصلهم عن ذويهم، واستشهدت بنشرة صحفية تتعلق بذلك، وقد تبين من خلال تحقيق أولي بأن المنظمة استقبلت 139 طفلاً وطفلة لا يحملون أية وثائق وذلك خلال الفترة ما بين 2013-2018، وأن بعض الحالات فرضت عليهم من قبل السلطات التي كانت تحكم آنذاك، وفي البيان الذي جرى تحديثه في أيار الماضي، أعلنت المنظمة أخيراً أنه تم العثور على كل الأطفال البالغ عددهم 139.
ونشرت في ذلك البيان: “أثناء مكوث الأطفال تحت رعايتنا، كانوا يحصلون على دعم يتماشى مع مبادئ السلامة والصحة، كما اتخذنا إجراء حاسماً في عام 2018 يقضي بمنع إيواء أي طفل من دون وثائق رسمية، ومنذ عام 2020، وتحت قيادة مدير محلي جديد، حسنت قرى SOS للأطفال بسوريا عملياتها، عبر التزامها بشكل أكبر بالمعايير الدولية لحماية الطفل كما عززت شفافية أنشطتها في سوريا بشكل كبير”.
تورط مشابه ولكن مع أطفال أوكرانيين
ألفت المنظمة نفسها في خضم جدل كبير في عام 2023، بعد أن انتشرت مزاعم حول اختطاف الجيش الروسي لثلاثة عشر طفلاً أوكرانياً وضعهم تحت رعاية المنظمة في مقارها الكائنة بروسيا، حيث تعرضوا لإذلال كبير.
غير أن قرى SOS للأطفال أنكرت تورطها في تلك القضية وقتئذ وأعلنت بأنه: “لا يوجد ما يشير إلى تورط قرى SOS للأطفال بروسيا في قضية نقل الأطفال بالإكراه من أوكرانيا”. غير أنها على الرغم من ذلك قطعت علاقتها بمكتب روسيا، وأعلنت أن الموظفين فيها يتصرفون بشكل مستقل عنها، وأنها “تدين وبشكل قاطع عمليات النقل القسرية أو التبني بطرق غير قانونية للأطفال الأوكرانيين”.
دور الأيتام في سوريا كأداة للقمع
أما في سوريا، فإن الوثائق والشهادات التي نشرها الإعلام المحلي، وكذلك حسان عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، تشير إلى قيام فروع الأمن بسوريا بتغيير أسماء أطفال المعتقلات أو عرضهم للتبني على عائلات مقربة من النظام المخلوع.
إحدى العاملات في أحد دور الأيتام بدمشق تنير القاعة التي ملئت بأشغال يدوية صنعتها يتيمات وذلك خلال فترة انقطاع الكهرباء
تعقيباً على ذلك، تقول الخبيرة علوش المتخصصة بالحماية الدولية: “يتعين على دور الأيتام عرض محفوظاتها وأرشيفها وأساليب لم الشمل التي تنتهجها” وذلك بعد أن أجرت بحثاً حول طريقة الاستعانة بدور الأيتام كوسيلة تمارسها الدولة بهدف القمع.
كان من الشائع في سجون النظام البائد تعرض المعتقلات للاغتصاب ثم وضعهن لما في أرحامهن في أثناء فترة اعتقالهن، وذلك بحسب ما ذكره رزق، ولهذا فإن الأطفال الذين ولدوا في السجن وضعوا في دور الأيتام أو تعرضوا للإخفاء القسري في أغلب الأحيان.
مجرد “شائعات”
وصفت الأيوبي مديرة دار الرحمة المزاعم التي تحدثت عن تغيير الأسماء وممارسة العنف وحالات التبني القسرية والاتجار بالأطفال بأنها “شائعات” وذكرت بأنه لابد من فتح تحقيق رسمي من أجل التوصل إلى الحقائق.
إلا أن حسان يخشى من تعرض قدر كبير من الأدلة للتلف أو الضياع منذ سقوط نظام الأسد، إذ في الوقت الذي تعمل السلطات اليوم على استعادة ما فقد من بيانات مع تسريعها لوتيرة التحقيقات التي فتحتها، يرى حسان أن الحكومة الجديدة لم تقدم ما يكفي حتى تصل إلى الحقيقة في تلك القضية.
كما أعلن ناطق باسم وزارة الشؤون الاجتماعية أن الوزارة تتعاون مع الأهالي في البحث عن الأطفال المفقودين، وتحث بقية الأهالي على تقديم الأسماء والمعلومات حتى تتمكن مع معرفة مكان الأطفال وتوثيق حالاتهم بحسب المقتضى. غير أن رزق يرى أن الحكومة تعالج كثيراً من القضايا الملحة في الوقت الراهن، وأن الإدارة الجديدة لم تهب على الفور لتقديم الإجابات على تساؤلات الأهالي.
صورة قديمة لرانيا العباسي برفقة زوجها وأولادهما
غير أن حسان لن يفقد الأمل، إذ يقول: “إن هذا يتطلب تحقيقاً واقعياً وفعلياً، وأعني بذلك تحقيقاً شاملاً وموسعاً، لأن المعلومات التي سنكتشفها ستظهر حجم الجرائم التي ارتكبها النظام [البائد] في سوريا، ولهذا أعتقد أننا لم نبدأ حتى بذلك”.
المصدر: The Foreign Policy
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية