جدول المحتويات
«نبض الخليج»
في الوقت الذي تشهد سوريا مرحلة انتقالية حساسة بعد سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024، بدأ تنظيم الدولة باستغلال هشاشة الوضع الأمني والسياسي لإعادة بناء نفوذه وشنّ هجمات متصاعدة، وفق ما ورد في تقرير تحليلي حديث صادر عن مركز صوفان المتخصص بالأمن والاستراتيجيات. يشير التقرير إلى أن التنظيم، الذي تلقى ضربة قوية بانهيار النظام، عاد ليكثّف عملياته مستهدفًا المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مستغلًا تأخر دمج هذه القوات في الجيش السوري الجديد، والفراغ الناتج عن انسحاب القوات الأميركية. وفي خضم هذه التحديات، يحذّر مركز صوفان من أن التنظيم يعوّل على تأجيج التوترات الطائفية وتقويض شرعية الحكومة الناشئة، مستفيدًا من الثغرات في الحكم والتنسيق الأمني، ومن الصراعات الجيوسياسية التي تعقّد جهود الاستقرار في البلاد.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع الأمن في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية المركز ومصادره، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
بعد انخفاض شديد في وتيرة العمليات منذ أواخر عام 2024، ومطلع عام 2025 مع انهيار نظام الأسد، زاد تنظيم الدولة في سوريا من وتيرة هجماته شهراً إثر شهر، إذ استهدف قوات الأمن وأهدافاً ناعمة ضمن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والحكومة السورية الانتقالية. وفي الوقت الذي تلوح أمام سوريا اليوم فرصة مشروعة لنشر الاستقرار في البلد عقب عقود من القمع والعزلة الاقتصادية، والتدخل الخارجي، والأزمات الإنسانية، يستغل تنظيم الدولة هذه الفترة الانتقالية ليعيد تموضعه بعد أن تلقى ضربة قاصمة عند انهيار نظام الأسد، والذي كان يمثل طوال فترة طويلة سبباً وجيهاً لتجنيد الشباب ضمن صفوفه.
وتهدف حملة تنظيم الدولة في سوريا إلى إذكاء العنف الطائفي، وتفتيت اللحمة الوطنية، وتقويض شرعية الحكومة الانتقالية. وقد تسبب التأخر في دمج قوات قسد ضمن الجيش السوري الجديد، وسحب القوات الأميركية، واستمرار دعاية تنظيم الدولة في استهداف الحكومة السورية الجديدة، والمجندين الأجانب، في ظهور بيئة استراتيجية مناسبة لمزيد من الاستغلال، ومن خلال وجوده، أثبت تنظيم الدولة من جديد بأنه مايزال قادراً على استغلال الفرص ليظهر من جديد، مستغلاً الثغرات والنقائص في الحكم وفي نشر الأمن، وفي التعاون على مكافحة الإرهاب، وذلك ليجند مزيداً من الأتباع، وليزيد من تطرف القاعدة التي تؤيده.
في 18 أيار الماضي، نفذ تنظيم الدولة هجوماً ناجحاً ضد الحكومة السورية الجديدة للمرة الأولى بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024، فقد استهدف مقراً أمنياً بمحافظة دير الزور ضمن الجزء الذي يقع تحت سيطرة الحكومة، وأتى هذا الهجوم بعد عدة عمليات لمكافحة الإرهاب نفذتها الحكومة الجديدة ضد خلايا التنظيم ومخططاته. واللافت في الأمر هو أن الحكومة التي يترأسها أحمد الشرع أحبطت مخططاً كان يستهدف مقام السيدة زينب قرب دمشق، وهو مرقد مقدس عند الشيعة تعرض لهجمات من تنظيم الدولة في السابق، كان أعنفها ذلك الذي تم في عام 2016. وذلك الهجوم الذي أحبطته الحكومة الجديدة كان سيسهم في حال نجاحه بدعم دعاية تنظيم الدولة بشكل كبير، بما أن مطامح هذا التنظيم تشبه ومن نواح كثيرة مطامح تنظيم القاعدة سيء الصيت في العراق من خلال الهجوم الذي نفذه في شباط عام 2006 على العتبة العسكرية المقدسة بسامراء، والتي تعتبر أحد أقدس الأماكن عند الشيعة. ولذلك تسبب ذلك الهجوم بإذكاء العنف الطائفي بين السنة والشيعة بالعراق، بما أن ذلك كان أحد الأهداف الرئيسية التي وضعها أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة آنذاك.
قسد ومناطقها.. الضحية الكبرى لداعش
منذ شهر كانون الثاني من هذا العام جرى إحباط ما لا يقل عن عشرة مخططات مماثلة، كان من بينها تلك المخططات الساعية لتفخيخ مقامات دينية، وخطة لاغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع. وفي الوقت الذي زاد تنظيم الدولة من هجماته ضد الحكومة الجديدة، نكتشف بأن المناطق التي تسيطر عليها قسد في شمال شرقي سوريا هي من تحمل القدر الأكبر من تلك الهجمات. وبحسب البيانات التي جمعها الباحث تشارلز ليستر المختص بالشأن السوري، فإن 94% من هجمات تنظيم الدولة التي نفذها في سوريا خلال عام 2025 نفذت ضمن مناطق سيطرة قسد.
ومع تأخر اندماج قسد بشكل كامل ضمن الجيش السوري الجديد، وعدم وضوح المستقبل بالنسبة لإدارة مقار الاحتجاز التي تؤوي مقاتلين في شمال شرقي سوريا، تظهر فراغات عديدة في الحكم بوسع تنظيم الدولة استغلالها، إذ ترى بعض المصادر بأن الولايات المتحدة اشترطت على قسد الاندماج ضمن الجيش السوري الجديد وذلك حتى نهاية شهر آب من هذا العام، وذلك قبل الموعد النهائي الأصلي الذي حدد بنهاية عام 2025. وفي هذه الأثناء، يمكن لتنظيم الدولة استغلال مواضع الفراغ بين المناطق التي تسيطر عليها قسد وبين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وقد يتجلى ذلك بزيادة في وتيرة الهجمات، كما قد يتمثل أيضاً بتحسن في الشبكات اللوجستية وطرقات التهريب التي تعطل كثير منها بفضل الغارات الجوية الأميركية التي نفذت في كانون الأول في عام 2024 عقب إسقاط النظام على يد هيئة تحرير الشام.
الخوف من هروب مقاتلي داعش من السجون
بدأت الولايات المتحدة بسحب قواتها من شمال شرقي سوريا في نيسان الماضي، كما قررت تخفيض عدد قواعدها العسكرية من ثمان إلى واحدة، في حين عين الرئيس الأميركي دونالد ترمب سفيراً إلى تركيا، وهو توم باراك، كما نصبه مبعوثاً أميركياً إلى سوريا في أواخر شهر أيار، وهنا لا يجوز أن ننظر إلى الأمر على اعتبار أنه عودة للالتزام الأميركي بمزيد من التعاملات مع سوريا، بل بوجود حالة من المد والجزر في الوجود العسكري الأميركي بسوريا منذ عام 2015، فإن عمليات مكافحة الإرهاب أصبحت أولوية، ومن المتوقع للحكومة الانتقالية أن تترأس العمليات القتالية التي تستهدف تنظيم الدولة حال عودته للظهور. ثم إن استجابة الحكومة الانتقالية، إثر انضمام قسد للجيش السوري الجديد، ستصبح ضرورية لتأمين السجون التي تؤوي نحو عشرة آلاف مقاتل تابع لتنظيم الدولة، إلى جانب أربعين ألفاً من النساء والأطفال الموجودين في مخيمي الهول والروج.
ومع ازدياد جرأة تنظيم الدولة وجسارته، وتدهور الظروف الإنسانية في المخيمين، واحتمال ظهور عقيدة أكثر تشدداً ضمن تلك السجون، فإن تنظيم الدولة قد يستهدف السجون والمخيمين، على اعتبار أن الفرصة المناسبة قد حانت لتسهيل عمليات الهروب من السجن، تماماً كما فعل التنظيم في عام 2022. غير أن هذا الهروب لن يحرر المقاتلين الأشداء فحسب، بل إنه سوف يخلق أجندة مناسبة لتجنيد مقاتلين جدد.
سياسات دمشق المعتدلة والترويج لدعاية داعش
وإضافة لذلك، فإن دعاية تنظيم الدولة تستغل وبشكل كبير السياسات التي تروج لها الحكومة السورية الجديدة، والتي يراها بعضهم معتدلة، أو مراعية لمصالح الغرب، وقد يصبح هذا الوضع مقلقاً بالفعل، في حال لقيت تلك السرديات أصداء بين صفوف العاملين لدى الحكومة أو الجيش ممن لديهم تعاطف تجاه وجهات النظر المتشددة بنسبة أكبر. فالمقاتلون الأجانب الذين حاربوا في السابق إلى جانب هيئة تحرير الشام ضد نظام الأسد ثم اندمجوا في الجيش السوري الجديد هم الأكثر عرضة للتعاطف ولتبني هذه الدعاية. ولهذا تحدث المحلل السوري حسام حمود عن قنوات تيليغرام التابعة لتنظيم الدولة والتي استغلت غضب الشارع تجاه قيام الحكومة الجديدة بإطلاق سراح عناصر سابقة قاتلت ضمن ميليشيات تابعة للنظام السوري.
من خلال نظام الدعاية الموسع الذي يتبعه تنظيم الدولة، والذي يتضمن إصدار مجلة أسبوعية تعرف بـ”النبأ”، تعرضت الحكومة الانتقالية وقسد للاستهداف عدة مرات، تماماً كما كان يحدث عندما كان التنظيم يعرض بالنظام البائد، ويصفه بأنه ألعوبة بيد الولايات المتحدة، كما يتهم الحكومة الانتقالية وقسد اليوم. ففي إحدى صفحات عدد صدر مؤخراً من مجلة”النبأ”، جرى الحديث بشكل مباشر عن المقاتلين الأجانب في سوريا، مع التذكير بأن الدعوة للانضمام إلى تنظيم الدولة ماتزال قائمة، والتحذير من عدم التحول إلى بيدق يحركه الشرع كيف يشاء ليحصل على موافقة دولية.
في الوقت الذي نرى بأن الرياح المعاكسة أخذت تهب على المنطقة مقدمة للشرع فرصة لتغيير التاريخ الحديث لسوريا الحافل بالشقاء والتعاسة، هنالك عدة عوامل، خارجية وداخلية، بوسعها تخريب تلك الفرص التي يمكن لدمشق من خلالها خلق مستقبل أفضل للبلد. فاستمرار العنف الطائفي بين الحكومة الانتقالية والطائفة العلوية سيبقى مشكلة كبرى خلال المستقبل المنظور. وهنالك عدد من العناصر الخارجية التي اجتمعت على مصلحة زعزعة الاستقرار في سوريا من أجل تحقيق مكاسب تخصها. فلقد اعترضت الحكومة السورية عدداً من شحنات الأسلحة التابعة لإيران أو المصنعة فيها، والتي كان من المزمع أن تصل إلى حزب الله، كان بينها شحنة قذائف مدفعية. ونظراً لتراجع نفوذ حزب الله بشكل كبير خلال العام والنصف الماضيين، فإن طهران أصبحت تسعى جاهدة لإمداد هذا الحزب من جديد بالعتاد مع الحفاظ على موطئ قدم لها في سوريا مهما صغر ذلك الموطئ. كما أن إسرائيل ستنشط هي أيضاً في سوريا، ليس فقط ضمن الجنوب السوري، بل في مختلف أنحاء البلد. أما روسيا فستسعى للاحتفاظ بنفوذها العسكري في سوريا سعياً منها لتأمين وصولها إلى شرقي المتوسط. وكل هذه المتغيرات الخارجية تعقد وبصورة أكبر الجهود الساعية لمحاربة تنظيم الدولة، بما أن بعض الدول، بمن فيها تلك التي لديها مصلحة متأصلة في القضاء على تنظيم الدولة، تعمل على تحقيق أهداف متعارضة متناقضة، وهذه المصالح المتعارضة قد تخلق فرصة ومجالاً لتقدم الجهاديين.
المصدر: The Soufan Center
شارك هذا المقال
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية