جدول المحتويات
«نبض الخليج»
أثار مشهد إجلاء مئات العائلات من أبناء العشائر في السويداء إلى مناطق في ريف درعا تساؤلات واسعة حول طبيعته، وما إذا كان يأتي في إطار استجابة إنسانية طارئة أم يندرج ضمن مسار تهجير قسري، لا سيما أن هذه الخطوة جاءت بعد أيام من تصاعد الاشتباكات وتدهور الأوضاع الأمنية في مناطق ريف السويداء.
وقال وزير الطوارئ وإدارة الكوارث، رائد الصالح، إن 1500 مدني، معظمهم من النساء والأطفال، تم نقلهم من محافظة السويداء إلى مراكز إيواء في ريف درعا، فيما جرى نقل عشرات المصابين لتلقي الرعاية الطبية العاجلة، ضمن ما وصفه بـ”الاستجابة الإنسانية” بالتنسيق مع مؤسسات الدولة.
ورصدت كاميرا تلفزيون سوريا وصول العائلات إلى مراكز الإيواء في ريف درعا، وسط شهادات مؤلمة لأشخاص تحدثوا عن إطلاق نار مفاجئ، وفقدان أقاربهم، واستهداف منازلهم، بالإضافة إلى ظروف إنسانية صعبة يعانون منها بعد وصولهم إلى وجهتهم الجديدة.
وبحسب شهادات الأهالي، فإن العديد منهم اضطر لمغادرة منازلهم تحت ضغط الخوف وانعدام الأمن، مع إشارات إلى تهديدات مباشرة، وحالات حصار، وانعدام مقومات الحياة في مناطقهم الأصلية، وسط تحذيرات من استمرار تدهور الأوضاع إذا لم تُعلن تفاصيل الاتفاق الذي أدى إلى هذا الإجلاء.
ويأتي هذا التطور في ظل حديث عن تفاهم ثلاثي بين دمشق وتل أبيب وواشنطن، ما يفتح الباب أمام تساؤلات جديدة حول الأبعاد السياسية للتحرك.
ما توصيف عملية الإجلاء؟
قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، إن ما جرى من إجلاء لعائلات العشائر من محافظة السويداء لا يمكن اعتباره إجلاءً قانونياً بالمعنى الكامل، لأن الاتفاق الذي تم على أساسه لم يُعلن رسمياً، مطالباً الحكومة السورية بنشر نص الاتفاق لتحديد توصيف الحالة بدقة.
وأوضح عبد الغني في لقاء مع تلفزيون سوريا أن التوصيف القانوني لما جرى يتطلب وضوحاً في بنود الاتفاق، إذ لا يمكن استخدام مصطلحات مثل “تشريد قسري” أو “نزوح جماعي” دون معرفة السياق والمحددات التي دفعت إلى إجلاء هذه العائلات، مضيفاً أن الحكومة السورية مطالبة بالإفصاح عن تفاصيل الاتفاق ليتمكن المختصون من تقييم ما إذا كان الإجراء قانونياً أم لا.
وأشار إلى أن بعض الشهادات الواردة من الأهالي تفيد بأن العشائر تم إجلاؤهم حمايةً لهم، بعد أن أصبحوا عبئاً على الأهالي المحليين الذين سعوا لحمايتهم، في ظل عجز عن ضبط المجموعات المسلحة، وخشية من حصول عمليات انتقامية بحقهم، واعتبر أن هذا النوع من الإجلاء قد يكون مبرراً قانونياً إذا كان مؤقتاً، كما يجيزه القانون الدولي.
وشدد عبد الغني على أنه في حال كان الاتفاق يقضي بإجلاء دائم لتلك العائلات دون ضمانات لعودتهم، فإن ذلك يدخل ضمن نطاق “التشريد القسري”، وهو أمر خطير ويشكل انتهاكاً للقانون الدولي، أما إذا كان مؤقتاً بهدف الحماية ريثما تهدأ الأوضاع وتُنجز تسوية تسمح بعودتهم، فإن هذا لا يُعد تشريداً قسرياً بالمعنى القانوني.
وأكد أن من واجب الحكومة السورية ضمان سلامة هذه العائلات، وتأمين السكن والاحتياجات الأساسية لهم في أماكن إيوائهم المؤقتة، حتى عودتهم، مشيراً إلى أن ما جرى في السويداء يذكّر بتجارب سابقة خلال النزاع السوري، حيث كانت المعارك تنتهي ببقاء المدنيين بلا حماية حقيقية، وهو أمر يجب ألا يتكرر في ظل وجود حكومة تُفترض بها رعاية شؤون المواطنين.
“اتفاق يحمل شقين متناقضين”
قالت الباحثة في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، صبا عبد اللطيف، إن المشهد في السويداء يشير حتى الآن إلى اتجاهات متعددة يمكن من خلالها تحليل دلالات الاتفاق غير المعلن الذي أفضى إلى إجلاء عدد من العائلات من المحافظة، لافتة إلى أن المؤشرات الأولية تشير إلى تهدئة أمنية نسبية، وتراجع حدة الاشتباكات مقارنة ببدايات التصعيد، إلى جانب إخلاء العائلات المتضررة من مناطق النزاع.
ورأت عبد اللطيف في لقاء مع تلفزيون سوريا، أن الاتفاق القائم قد يحمل شقين متناقضين؛ أولهما إيجابي يتمثل في التوصل إلى تهدئة فعلية مع ضمانات متبادلة بين الأطراف المعنية، ما قد يُفضي إلى اتفاق جدي يخدم استقرار المنطقة، أما الشق الآخر، فسلبي، ويشبه تجارب سورية سابقة شهدت وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، تبعته عودة للاشتباكات وتفاقم في الأزمة.
وأضافت أن استمرار المسار الأول – أي التهدئة – من شأنه أن يفتح الباب أمام إصلاح تدريجي رغم صعوبة الطريق، مشيرة إلى أن السوريين مجبرون اليوم على خوض هذا المسار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في المقابل، فإن فشل الاتفاق وعودة التوترات ستقود إلى مشهد دموي جديد يعمق مأساة السوريين ويقوّض أي أمل بالاستقرار.
وحذّرت الباحثة من أن المشهد الحالي يضع السوريين أمام مفترق طرق حقيقي، فإما العمل بشكل جماعي لمصلحة الشعب السوري وتثبيت التهدئة، أو الانزلاق نحو سيناريوهات مدمرة سبق أن عاشتها البلاد في مراحل مختلفة.
وفيما يتعلق بنزوح العشائر من السويداء نحو ريف درعا، اعتبرت عبد اللطيف أن هذا الإجلاء قد يكون مؤقتاً ومبرراً من ناحية أمنية إذا توافرت له ضمانات حقيقية بعودة العائلات إلى قراها وممتلكاتها، مع تأمين حماية دائمة لها، لكنها نبهت إلى أن عدم توفر هذه الضمانات يعني أننا أمام خطر تغيير ديموغرافي يهدد بإقصاء مكوّن اجتماعي أساسي من المنطقة، ويعيد إنتاج سيناريوهات التهجير السابقة.
“إجلاء مؤقت”
أكد محافظ درعا، أنور الزعبي، أن المحافظة تبذل ما بوسعها لتقديم المستلزمات المتاحة في مراكز الإيواء للنازحين من السويداء، مضيفاً أن الحكومة ستعيد النازحين إلى مناطقهم بعد استقرار الأوضاع، مشيراً إلى أن المحافظة جهزت المراكز لتكون صالحة للإيواء المؤقت، في إطار الاستجابة الإنسانية للنازحين من محافظة السويداء.
وأوضح أن المحافظة تضم 30 مركز إيواء مخصصاً لاستقبال النازحين، وأن المؤسسات الخدمية تعمل كخلية عمل بالتنسيق مع المنظمات، لدعم أهالي السويداء والنازحين منها، وفقاً لما نقلت “الإخبارية السورية”.
بدوره، أجرى محافظ السويداء، مصطفى البكور، جولة تفقدية ضمن مناطق محافظة درعا التي استقبلت المهجّرين من السويداء، لتقييم أوضاعهم والوقوف على احتياجاتهم، في إطار الاستجابة الحكومية للمهجّرين من المحافظة.
وقال البكور: “وصيتي الآن أن على الجميع ضبط النفس والتهدئة، وأن نعمل جميعاً في البناء ونسعى إلى إعادة السلم الأهلي وفتح صفحات جديدة للمصالحة بين جميع الأطراف، وإعادة الناس إلى بيوتها”.
ولفت إلى أن “الناس الذين التقينا بهم خلال الجولة كانوا يقولون: نحن نريد أن نعود إلى بيوتنا، لا نريد أن نبقى مهجّرين أو نازحين”، مردفاً: “قلنا لهم: أنتم الآن ضيوف، وستعودون إلى البيوت التي وُلدتم وعشتم وتربّيتم فيها، أنتم جزء من المحافظة، ومن أبناء هذه الأرض”.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية