جدول المحتويات
«نبض الخليج»
في تطور هو “الأعنف” منذ أكثر من عقد في جنوب شرق آسيا، تجدّدت الاشتباكات على الحدود المتنازع عليها بين كمبوديا وتايلاند، والقريبة من “المثلث الزمرّدي”، في ظل تعثر المساعي الدولية لاحتواء التصعيد المتسارع وغير المسبوق.
وأسفرت الاشتباكات، التي دخلت يومها الرابع واستُخدمت فيها الطائرات الحربيّة والدبابات، عن وقوع عشرات الأشخاص بين قتيل وجريح ونزوح عشرات الآلاف، وسط اتهامات بين قيادة البلدين بشأن التصعيد، إذ ما تزال محاولات احتواء النزاع عبر وساطات دولية، محدودة التأثير حتى الآن.
كيف تجدّدت الاشتباكات؟
صباح الخميس الفائت (24 تموز 2025)، تجدّدت الاشتباكات على طول الحدود بين كمبوديا وتايلاند، عقب اتهام الأخيرة بأنّ جنوداً كمبوديين حاولوا اختراق موقع قرب معبد “تا موين ثوم” التاريخي، إلا أنّ الحكومة الكمبودية تصرّ على أنّ القوات التايلاندية هي مَن بدأ في إطلاق النار وقطع الطريق المؤدية إلى المعبد، واصفةً ذلك بـ”العدوان المباشر”.
ووفق تقارير إخبارية، فإن انفجار لغم أرضي على الحدود، مساء الأربعاء الفائت، هو ما فجّر الاشتباكات، ودفع تايلاند إلى سحب سفيرها من كمبوديا وطرد السفير الكمبودي، قبل أن يدعو الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الجانبين، إلى “ضبط النفس وحلّ الخلافات عبر الحوار”.
ومع ذلك، تشير تقارير عديدة إلى أن حادثة مقتل جندي كمبودي، أواخر أيار الماضي، شكّلت الشرارة الأولى للتصعيد، الذي تطوّر بشكل متسارع، إثر اتهام تايلاند لقوات كمبودية بالتوغّل قرب معبد “تا موين ثوم”.
قتلى ونزوح في تصعيد غير مسبوق
شهدت المعارك تصعيداً نوعياً هو “الأعنف”، منذ سنوات، إذ استخدمت القوات التايلاندية طائرات حربية من طراز “F-16” لقصف مواقع كمبودية في مقاطعتي “تشونغ آن ما” و”خاو ساتاسوم”، كما دمّرت دبابتين هناك، ضمن عملية أطلقت عليها تايلاند: “يوتا بودن”.
في المقابل، ردّت كمبوديا بإطلاق قذائف من نوع “BM‑21 (غراد)” على مواقع عسكرية ومدنية في تايلاند، تزامنت مع تقارير عن استخدام واسع للذخائر العنقودية من قبل القوات التايلاندية، وهو ما حذّرت منه منظمات إنسانية، مؤكدة خطرها المستمر على المدنيين حتى بعد انتهاء القتال.
كذلك، أعلنت القوات البحرية التايلاندية عن اندلاع اشتباكات بحرية محدودة في إقليم “ترات” الساحلي، ما وسّع رقعة النزاع إلى أكثر من 100 كيلومتر من نقطة الاشتباك الأصلية.
وبحسب وزارة الدفاع الكمبودية، فقد قُتل 14 شخصاً على الأقل من جانبها، بينهم 7 مدنيين، في غارات جوية مكثفة، في حين أعلنت تايلاند مقتل ما لا يقل عن 14 شخصاً، بينهم 8 مدنيين، في خمس نقاط اشتباك رئيسية أبرزها “ترات” و”سي ساكيت” و”تا موين ثوم”.
ووفق تقارير رسمية، تسبّبت الاشتباكات في نزوح أكثر من 165 ألف شخص حتى الآن، بينهم نحو 130 ألفاً داخل تايلاند، و35 ألفاً من المناطق الكمبودية الحدودية، وسط ظروف إنسانية صعبة ونقص حاد في الغذاء والمأوى، وتكدّس في مراكز الإيواء المؤقتة.
أزمة سياسية في تايلاند بسبب “العم”
لم يأتِ التصعيد الحدودي بعيداً عن المشهد السياسي الداخلي في تايلاند، حيث علِّقت رئيسة الوزراء (بايتونغتارن شيناواترا) من منصبها، مطلع تموز الجاري، على خلفية تسريب مكالمة هاتفية لها مع رئيس الوزراء الكمبودي السابق، هون سين، وصفته خلالها بـ”العم”.
وأثار التسريب غضباً واسعاً، إذ اعتبرته القيادات العسكرية “إهانة للسيادة الوطنية”، فيما اتهمها بعض النواب بـ”الخضوع لكمبوديا” و”الإضرار بالجيش”، كما قدّم أعضاء في مجلس الشيوخ دعاوى ضدها بتهمة “انتهاك الأخلاق السياسية والدستورية”، ما أدّى إلى انسحاب حزب “بومجايثاي” من الائتلاف الحاكم.
وعقب تعليقها، تم تكليف فومتام ويتشاي –وزير الدفاع التايلاندي السابق- برئاسة الحكومة المؤقتة، في محاولة لاحتواء الأزمة السياسية المتفاقمة.
تبادل اتهامات ودعوات للوساطة
بناء على طلب كمبوديا، عقد مجلس الأمن الدولي، مساء الجمعة الفائت، جلسة طارئة، طالب خلالها السفير الكمبودي لدى الأمم المتحدة، تشيا كيو، بـ”وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار”، وفتح قنوات للحل السلمي، متهماً تايلاند بـ”شن عدوان عسكري منظم”.
وقال كيو: “كمبوديا لا تمتلك طائرات مقاتلة، ولا يمكن أن تبدأ حرباً مع دولة تفوقها بثلاثة أضعاف عسكرياً”.
في المقابل، رفضت تايلاند تلك الاتهامات، ووصفت كمبوديا بـ”الدولة المعادية والمتعطشة للحرب”، متهمة إياها بزرع ألغام أرضية، واستهداف مستشفيات ومدارس، إلى جانب تجنّبها الحوار الثنائي، كما دعت المجتمع الدولي إلى “إدانة العدوان الكمبودي على السيادة الوطنية التايلاندية”.
ورغم الجلسة، لم يصدر عن مجلس الأمن أي بيان رسمي حتى الآن، في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية، خصوصاً من الصين وماليزيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لوقف فوري لإطلاق النار، والدفع نحو تسوية تفاوضية.
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب قد أعلن، أمس السبت، استعداده للتوسّط بين الطرفين، مشيراً إلى التوصّل لاتفاق مبدئي على “هدنة فورية”، لم تُنفذ حتى الآن.
جذور النزاع.. خريطة استعمارية وصراع على المعابد
ليست المرّة الأولى التي يتجدّد فيها النزاع ويتصاعد إلى اشتباكات دامية بين بلدين عضوين (في رابطة دول جنوب شرق سيا)، حيث يشهد البلدان (تايلاند وكمبوديا) صراعاً مفتوحاً دفعهما إلى الدخول في صدامات عديدة.
تعود جذور الأزمة إلى خلافات تاريخية في ترسيم الحدود، خلال عهد الاستعمار الفرنسي، حيث تتمسّك كمبوديا بخريطة تعود إلى العام 1907، تمنحها السيادة على مواقع استراتيجية ومعابد أثرية، أبرزها: “معبد برياه فيهير”، وهو ما ترفضه تايلاند وتعدّه مرجعاً غير دقيق.
ورغم أن محكمة العدل الدولية منحت كمبوديا السيادة على المعبد، عام 1962، إلا أن النزاع حول المناطق المحيطة به ظل مشتعلاً، وتجدّد في أكثر من مناسبة، أبرزها بين عامي 2008 و2011، وأسفرت عن مقتل 28 شخصاً ونزوح عشرات الآلاف.
وفي عام 2013، أصدرت المحكمة تفسيراً جديداً لحكمها، أكّدت فيه أن السيادة على كامل المنطقة المحيطة بالمعبد تعود إلى كمبوديا، إلا أن تايلاند رفضت ذلك التفسير، ما أبقى النزاع قائماً على الرغم من وقف العمليات العسكرية.
وأشارت وكالة “بلومبيرغ” الدولية إلى أن المعابد التاريخية، وعلى رأسها “بريا فيهير”، تقع الآن في قلب “معركة جيوسياسية” تهدّد الاستقرار في “المثلث الزمرّدي” الحدودي بين تايلاند وكمبوديا ولاوس.
تفاوت عسكري كبير وتخوّف من انزلاق مفتوح
رغم التفوق العسكري الواضح لصالح تايلاند، إلا أنّ المراقبين يحذّرون من أن النزاع قد ينزلق إلى مواجهة مفتوحة، وتُظهر المؤشرات العسكرية الفارق الكبير بين البلدين:
المؤشر العسكري | تايلاند | كمبوديا |
---|---|---|
ميزانية الدفاع | 5.7 مليار دولار | 1.3 مليار دولار |
القوات النظامية | 130 ألف جندي | 75 ألف جندي |
القوات الجوية | 112 طائرة مقاتلة “F-16” | – |
الدبابات والمدرعات | 400 دبابة حديثة | دبابات قديمة من طراز (T-54) الروسية |
القوات البحرية | حاملة طائرات و7 فرقاطات | لا يوجد قوة بحرية فعالة |
ورغم هذا التفاوت الكبير، حذّر رئيس الوزراء الكمبودي السابق، هون سين، من “الافتخار بالتفوّق العسكري”، مؤكداً أن بلاده “ستقاوم بكل ما تملك، ولن ترضخ للابتزاز”.
تجدر الإشارة إلى أنّ المعابد القديمة والمناطق التاريخية، التي كانت ذات يوم رمزاً للتراث المشترك، ما تزال رهائن لصراع حديث تُشعله حدود رسمها الاستعمار، قبل أكثر من قرن، ولم تتمكّن السيادة الوطنية ولا العدالة الدولية من حسمه حتى الآن.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية