جدول المحتويات
«نبض الخليج»
عملت إسرائيل بدعم غربي على تفتيت المنطقة العربية إلى طوائف وقوميات عبر العديد من الأدوات والأنظمة في حروب واختراقات ومشكلات لا تنتهي، ولا يعد ما يجري في سوريا مؤخراً سوى استكمال لهذه الخطط التي تسعى لتقسيم سوريا على أساس طائفي وعرقي للسيطرة على مقدراتها وثرواتها ومنع تطورها.
عبر مسارات التاريخ السياسي في لبنان وسوريا وفلسطين، لم يكن موقف الطائفة الدرزية من المشروع الإسرائيلي موحداً، بل اتخذ أبعاداً متمايزة بحسب القيادات والظروف السياسية.
في هذه المادة سنحكي قصة عبّد طريقها صاحب لقب “المعلم” كمال جنبلاط، والذي أخذ موقفاً عربياً مهماً في جبل لبنان، داعماً للقضية الفلسطينية ورافضاً للمشروع الإسرائيلي الذي سعى منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، وأخذ في اجتياح الأراضي العربية في لبنان والأردن وسوريا ومصر.
كما سنمر على سيرة ليث البلعوس الشاب السوري الذي صعدت به الأحداث إلى واجهة المشهد بالسويداء، على اختلاف الزمان والمكان، إلا أنه يرفع صوته عالياً بوجه المشروع الإسرائيلي، فإن لم يكن بحجم تأثير وكاريزما كمال جنبلاط، يضعنا ذلك أمام تساؤل إن كان هذا “الليث” يقف على الطريق الذي رسم معالمه كمال جنبلاط ابن العائلة التي كانت شريكة في حكم جبل لبنان منذ القرن الثامن عشر، ودفعه واقع لبنان ليكون أحد أبرز سياسيه في التاريخ الحديث؟
فما يجري في سوريا مؤخراً، ومحاولات البعض جرَّ البلاد إلى ساحة من التناحر الطائفي، لا يمكن أن يوقفه سوى وجود بعض الشخصيات التي تقتفي أثر الإصلاحيين والوطنيين الذين واجهوا المشاريع الدخيلة سياسياً وعسكرياً أيضاً وعملوا على إحباطها.
كمال جنبلاط الذي رفض مشروع إسرائيل واغتاله حافظ الأسد
في لبنان، شكّل كمال جنبلاط، الزعيم الدرزي الكبير ومؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي، رمزاً للموقف العروبي الرافض للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي. لم يتوانَ جنبلاط، منذ بدايات صعوده السياسي، عن التأكيد على حق الفلسطينيين في وطنهم، ورفض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وتجريم الطائفية. بل كان من أوائل الداعمين للمقاومة الفلسطينية، ومدّ الجسور معها رغم كل الضغوط الداخلية والخارجية.
مع الأيام الأخيرة للدولة العثمانية في لبنان، ولد كمال في بلدة المختارة بقضاء الشوف نهايات عام 1917، وبعد 4 سنوات اغتيل والده فؤاد جنبلاط في وادي عينبال، وقد كان قائم مقام لقضاء الشوف أيام الانتداب الفرنسي على لبنان.
نشأ كمال في بيت سياسي، في مرحلة صعود القومية العربية، أعجب بسعد زغلول، صاحب المواقف المشهودة من الاستعمار البريطاني لمصر، ومع احتلال إسرائيل لفلسطين وقف إلى جانب الفلسطينيين ودعم قضيتهم.
حدث مهم في جبل لبنان، غيّر مسار كمال جنبلاط كلياً، حيث قتل صهره وابن عمه حكمت جنبلاط نائب جبل لبنان عام 1943، ما أدى إلى مبايعته بالزعامة فور انتهاء مراسم الدفن، وفاز في العام نفسه بالانتخابات النيابية وأعلن بشكل علني معاداته للانتداب الفرنسي في لبنان ووقوفه إلى جانب حكومة الاستقلال.
مع حصول الاستقلال وانفصال سوريا عن لبنان، انتُخِبَ نائباً عن جبل لبنان ثماني مرات، وعُيِّنَ وزيراً ست مرّات: وزيراً للاقتصاد والزراعة، وزيراً للتربية الوطنية، وزيراً للداخلية مرّتَين، وزيراً للأشغال العامة، وزيراً للبريد والبرق والهاتف.
وبدءاً من عام 1947 بدأ مرحلة المعارضة السياسية بعد أن اكتشف عمق الفساد والرشوة والفوضى التي تتخبط بها البلاد في ظل حكم الانتداب والممالئين له.
حسم رئاسة لبنان
بعد عام واحد على احتلال فلسطين عام 1948، أسس جنبلاط “الحزب التقدمي الاشتراكي” كواحد من أبرز الأحزاب على الساحة اللبنانية، وشارك في تأسيس الجبهة الاشتراكية الوطنية عام 1951، التي سجل لها أنها أول ائتلاف انتخابي ثم كتلة نيابية، والتي سيكون لها دور مهم في مسار لبنان السياسي مستقبلاً.
في عام 1954 شارك كمال جنبلاط في مؤتمر الأحزاب العربية المعارضة الذي عُقد في بيروت عام 1954، وساند كفاح مصر ضد العدوان الثلاثي عام 1956، في أوج صعود القومية العربية.
أسهم جنبلاط والجبهة التي يقودها في إيصال كميل شمعون إلى منصب رئيس الجمهورية في مواجهة بشارة الخوري، إلا أنه قاد انتفاضة شعبية عامي 1957 و1958 ضد كميل شمعون الذي حاول ربط لبنان بالأحلاف الاستعمارية، وكان يستند في ذلك إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وأيد انتخاب فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية عام 1958، فعمل معاوناً له ومن بعده معاوناً للرئيس شارل الحلو حتى عام 1973. وواصل كمال جنبلاط فيما بعد حسم من هو رئيس لبنان القادم.
وعندما وقعت حرب حزيران /يونيو عام 1967، وقف جنبلاط إلى جانب مصر وسوريا والأردن، وأيد القضية الفلسطينية، وانتخب في عام 1973 أميناً عاماً للجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية. وتصدى ما بين عامي 1975 و1976 للمؤامرة الصهيونية الانعزالية في لبنان، وقاد نضال الحركة الوطنية اللبنانية معلناً برنامج إصلاح مرحلي للنظام السياسي، وتأسيس المجلس المركزي للأحزاب الوطنية التقدمية.
الحرب الأهلية والصدام مع حافظ الأسد
في عام 1975 اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، وانحاز كمال جنبلاط للفصائل الفلسطينية ضد الميليشيات المسيحية اللبنانية، التي اتهمها بالعمل لصالح الاحتلال بهدف تصفية القضية الفلسطينية.
كان حافظ الأسد يراقب الوضع في لبنان من كثب، ثم انخرط في الحرب بدعوة من الرئيس اللبناني سليمان فرنجية، والأهم حصوله على ضوء أخضر “ضمني” من أميركا، عبر وساطة العاهل الأردني الملك حسين بن طلال، بالتدخل “غير العلني” في لبنان، بهدف ضبط الفوضى ومنع توسع نفوذ جنبلاط.
هذه الحقبة شهدت تقاطع مصالح كبرى بين دمشق وواشنطن وتل أبيب، على حساب قوى وطنية لبنانية رافضة للتدخل السوري، وعلى رأسها كمال جنبلاط، الذي انتهى به المطاف قتيلاً، في حين بقيت الحقيقة رهينة أرشيف مخابرات لم يُفتح بعد.
استفاق اللبنانيون في 16 آذار/ مارس 1977 على نبأ اغتيال كمال جنبلاط، وكشفت التحقيقات أنه بعد أن غادر جنبلاط قصر المختارة باتجاه بيروت، نصب له كمين بعد أن اعترضت سيارة من نوع “بونتياك”، تحمل لوحة عراقية، لونها أسود وأحمر، سيارة جنبلاط المرسيدس في محاولة لاختطافه، لكنهم فشلوا ما دفعهم لإطلاق النار عليه من الخلف.
بعدئذ حاول الجناة الفرار من المكان لكنهم فوجئوا بتعطل سيارتهم ما دفعهم لسرقة سيارة لبناني ومن ثم توجهوا إلى مكتب تابع للمخابرات السورية كان يديره آنذاك النقيب إبراهيم حويجة، الذي تم تعيينه قائداً للمخابرات الجوية بعد ترفيعه إلى رتبة لواء، وأقاله (الرئيس المخلوع) بشار الأسد فيما بعد.
أدرك جنبلاط مبكراً أن المشروع الإسرائيلي لا يستهدف فلسطين وحدها، بل يطمع في تفتيت المنطقة وإضعاف البنى الوطنية فيها لصالح خريطة جديدة تتوافق مع مصالح تل أبيب وحلفائها.
بالعودة إلى حافظ الأسد، روى ياسر عبد ربه، أمين السر السابق للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أنه كان في عِداد وفد برئاسة الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، زار دمشق والتقى بحافظ الأسد، وكان كمال جنبلاط قد اغتيل قبل أيام. عندما دخلنا على الأسد أخبره عرفات بأننا سمّينا دورة أعمال المجلس الوطني الفلسطيني باسم “الشهيد كمال جنبلاط”، فسارع الأسد إلى القول: من برأيك يا “أبو عمار” اغتال كمال جنبلاط؟”. وروى عبد ربه أن عرفات شعر بارتباك شديد ولم يجد مخرجاً غير اتهام إسرائيل. وألح الأسد على السؤال وكرره بصيغ عديدة خلال اللقاء، بحسب صحيفة الشرق الأوسط اللندنية.
عرفات على طريقته، عندما يكون غير قادر على إعطاء جواب وأمام وضع محرج للغاية، تروح رجلاه تتحركان ويكرر الكلمات. بعد قليل قال له: مَن غيرهم يا سيادة الرئيس؟ مَن غيرهم؟ مَن غيرهم؟ فقال له الأسد: مَن تعني يا “أبو عمار”؟ فأجاب: طبعاً إسرائيل. يقول عبد ربه: ارتحتُ قليلاً، لكن الأسد أكمل: لماذا تعتقد يا “أبو عمار” أنها إسرائيل وليس غيرها؟.
بدا الأسد الأب من أسئلته ودورانه حول السؤال ذاته، كمَن يرتكب الجريمة ويعود إلى مسرحها ليكتشف الأجواء وردود الأفعال والأقوال، أو كمَن يقول لياسر عرفات يمكنني أن أفعل بك ما فعلته به، والحديث عن القتل في جوهره ربما تهديد بالقتل (والله أعلم).. وكان الأسد يسعى إلى الاستحواذ على القضية الفلسطينية والهيمنة على قرارها، مستغلاً التحولات الدولية والسياسة الخارجية الأميركية، ولم يكن على ود مع عرفات الساعي إلى القرار الفلسطيني المستقل، وفق الصحيفة.
قاتل كمال جنبلاط بيد السوريين
وجد وليد جنبلاط نجل كمال جنبلاط نفسه بالمصادفة سياسياً مكانَ أبيه، كما وجد كمال نفسه مكان قريبه حكمت جنبلاط إثر اغتياله أيضاً، لكن في الحالتين تمكن الأب والابن من ملء الفراغ بكاريزما سياسية عالية وكفاءة دبلوماسية مشهودة.
وقف كمال جنبلاط في وجه حافظ الأسد عندما قرر التوغل في لبنان، ووقف وليد جنبلاط ضد بشار الأسد إثر اغتياله للرئيس رفيق الحريري واتهم النظام باغتيال والده، وكان سبباً في خروج جيش الأسد من لبنان، لكن المصالح أجبرت كمال ووليد على زيارة عدوهما اللدود وخصمهما الأبرز في دمشق.
وفي كلمة شهيرة، قال وليد جنبلاط أمام حشود ثورة الأرز عام 2005 موجهاً كلامه إلى بشار الأسد: “يا طاغية دمشق، يا قرداً لم تعرفه الطبيعة، يا أفعى هربت منه الأفاعي، يا حوتاً لفظته البحار، يا وحشاً من وحوش البراري، يا مخلوقاً من أنصاف الرجال، يا منتجاً إسرائيلياً على أشلاء الجنوب، يا مجرما وسفاحا في سوريا ولبنان…”.
بعد تحرير سوريا وإسقاط نظام الأسد في 8 كانون الأول 2024، زار وليد جنبلاط دمشق، وهو من بين أوائل من وصلوا إلى سوريا مبكراً والتقى مع الرئيس أحمد الشرع (كان حينئذ قائداً لإدارة العمليات العسكرية) في قصر الشعب بعد غياب دام 15 عاماً ساند فيه جنبلاط الثورة السورية.
أهدى جنبلاط أحمد الشرع كتاب “مقدمة ابن خلدون” في رسالة سياسية ذكية، وقال: “نحيي الشعب السوري في انتصاراته الكبرى، ونحييكم في معركتكم التي قمتم بها من أجل التخلص من القهر والاستبداد”.
وتابع: “الطريق طويل، ونعاني نحن وإياكم من التوسع الإسرائيلي، وسأتقدم بمذكرة باسم نواب كتلة (اللقاء الديمقراطي) البرلمانية حول العلاقات اللبنانية السورية”.
وأردف الزعيم المنتمي للطائفة الدرزية: “نتمنى أن تعود العلاقات اللبنانية السورية إلى الأصول الطبيعية من خلال العلاقات الدبلوماسية، وأن يحاسب كل الذين أجرموا بحق اللبنانيين، ونتمنى أن تقام محاكم عادلة للذين أجرموا بحق الشعب السوري وأن تبقى بعض المعتقلات متاحف للتاريخ”.
بعد أشهر من تلك الزيارة اعتقلت الأجهزة الأمنية السورية اللواء إبراهيم حويجة، الرئيس السابق للاستخبارات العامّة في سوريا، والمتّهم بالإشراف على عددٍ كبيرٍ من الاغتيالات في عهد حافظ الأسد، ومن أبرزها اغتيال كمال جنبلاط عام 1977.
وفي أول تعليقٍ له على الخبر، اكتفى رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكيّ” السّابق وليد جنبلاط بتدوين عبارة “الله أكبر” عبر منصة إكس، في إشارةٍ إلى ترحيبه باعتقال المتهم رسمياً بالإشراف على اغتيال والده قبل نحو 48 عاماً.
ليث البلعوس: صوت الكرامة في وجه الميليشيا
قد لا تشبه عائلة البلعوس الإرث والثقل السياسي الذي تمثله عائلة جنبلاط، إلا أنها حكاية عائلة صغيرة قد تكون استمراراً لتمرد سلطان باشا الأطرش على مشيخة العقل في عشرينينات القرن الماضي، عندما كان أحد أبرز قيادات الثورة السورية الكبرى ضد فرنسا.
مع بدء سقوط النظام بدأت مواقف رجال الدين في السويداء تتباين تجاه الحكومة الجديدة. تصدّر الشيخ حكمت الهجري تيار المعارضين، في حين أعلن الشيخ حمود الحناوي دعمه لوحدة سوريا تحت سلطة الشرع، وسعى الشيخ يوسف جربوع إلى صيغة تفاهم مشترك مع دمشق، في حين بدا البلعوس أكثر ميلاً للاتفاق النهائي مع وضع سوريا الجديدة والانخراط الفاعل فيه.
وحيد البلعوس مؤسس حركة رجال الكرامة
بالعودة إلى الوراء، كانت الثورة السورية الفصل الأهم في تاريخ سوريا، عمل النظام على جعلها مواجهة طائفية، ما دفع العديد من الطوائف إلى الانكفاء عن الانخراط المباشر فيها، خصوصاً مع البطش الوحشي الذي مارسه النظام ضد كل من يتظاهر أو ينشق أو يشترك بأي عمل داعم للثورة.
في السويداء، برزت عائلة البلعوس، وعلى رأسها الشيخ وحيد البلعوس، على هامش مشيخة العقل التي أخذت موقفاً داعماً للنظام، أسوة بالعديد من مشايخ المسلمين أو كهنة المسيحيين.
ولد وحيد البلعوس في 19 أيار 1965، في قرية المزرعة غربي السويداء، وهو ابن قرية صميد من المحافظة نفسها، سكن ضاحية جرمانا جنوب شرقي دمشق خلال فترة خدمته في سلك الأمن السياسي ثمّ سلك الشرطة. وبعد تقاعده برتبة مساعد أول عام 2010، عاد إلى المزرعة، وامتهن العمل في البناء.
والتحق البلعوس بالتعليم في مشيخة عقل الطائفة، وبدأ يتحصل على العلوم الدينية لطائفة “الموحدون الدروز” ومعها تدرّج في الرتب الدينية للمشيخة.
في عام 2012، أسس البلعوس حركة رجال الكرامة، داعياً إلى الحياد ورفض زجّ أبناء السويداء في حرب النظام ضد الشعب. لكنّ نجم أبي فهد لمع عام 2014 بعد سيطرة تنظيم الدولة على عدة قرى وبلدات يسكنها العرب البدو في ريف مدينة السويداء، ما أثار تخوفات كثيرة لدى الدروز.
شارك شباب من السويداء في المعارك إلى جانب قوات النظام وكان بينهم وحيد البلعوس، الذي خرج لاحقاً ليتهم جيش النظام بالانسحاب وترك الشباب يقاتلون وحدهم.
سبق ذلك أن عملت حركة رجال الكرامة على هدم خيمة انتخابية لرئيس النظام عام 2014، بعد إهانة امرأة في المدينة، ثم ما تبعه من تصريحات عالية السقف للبلعوس ضد النظام بأن أبناء السويداء لن يخدموا في جيش النظام.
زادت حالة التوتر بين البلعوس والنظام، عندما هاجم أهالي السويداء حاجزاً تابعاً لفرع المخابرات الجوية عام 2015، إثر اعتداء العناصر على حافلة لنقل الركاب.
كان البلعوس يصرُّ على وقف الانتهاكات التي ترتكبها أجهزة المخابرات والجيش في النظام بحق سكان السويداء، مع تعهده بحماية المحافظة من أي اعتداء، ورفع صوته عالياً برفض انضمام “الدروز” للخدمة الإلزامية.
قبل اغتياله اعترض البلعوس ومقاتلوه رتلاً عسكرياً تابعاً للنظام، انطلق من السويداء باتجاه العاصمة دمشق، حيث منع خروجه قائلاً إن السلاح الموجود هو لحماية المحافظة وأهلها فقط.
في 4 أيلول 2015، وقع انفجار استهدف وحيد البعلوس وعدداً من مرافقيه في السويداء، عيّنت الحركة شقيقه رأفت البلعوس الذي أصيب في التفجير أيضاً قائداً جديداً للحركة، وقال في كلمة إن الحركة ستسير على نفس نهج مؤسسها حفاظها على وحدة سوريا وانتمائها إليها، وتحريم التعدي على السويداء، وتحريم التعدي منها على الآخرين.
وأشار رأفت البلعوس إلى أنه والحركة “عروبيون وطنيون”، مؤكداً أنّ دم أخيه أمانة في عنقه، بحسب تعبيره، ومتعهداً باستمرار الحركة بحماية أهالي السويداء.
وُجّهت اتهامات للنظام وإيران وحزب الله بالوقوف وراء الاغتيال، خصوصاً أن وحيد البلعوس ظهر قبل اغتياله في مقطع مصور قال فيه: إن محاولات عدة جرت لاغتياله، مشيراً إلى أن مشكلته لم تعد مع (رئيس المخابرات العسكرية في السويداء) وفيق ناصر وحده، بل تعدّته إلى جهات عليا، متهماً بشار الأسد بشكل مباشر.
ورغم أن البعلوس أعلن أكثر من مرة أنه ليس في صفّ الثورة السورية ولكنه ليس في صفّ النظام، إلا أن اغتياله رفع من أسهمه بين سكان السويداء وعموم السوريين الداعمين للثورة السورية.
وهناك مؤشرات على تورط الشيخ حكمت الهجري في قتل البلعوس، من خلال إعطاء الضوء الأخضر لمخابرات النظام في إنهاء ملفه، خصوصاً أنه كان يشكل سلطة رديفة في المحافظة ويبني قوة كانت تتنامى بسرعة.
الليث على خُطا أبيه
نجح النظام في تحييد حركة رجال الكرامة، وإعادة الضوء إلى مشيخة العقل مع كل الخلافات البينية التي كانت قائمة بينها، وخصوصاً الشيخ حكمت الهجري الذي ورث مشيخة العقل عن أخيه الشيخ أحمد الهجري الذي قُتل في حادث سير غامض.
تأثر ليث البلعوس بنهج والده في رفض الوصاية الأمنية، والدعوة إلى استقلال القرار المحلي لأبناء الطائفة، وقد رافقه في مراحل من نشاطه بين عامي 2012 و2015.
شارك في إعادة تنظيم شبكات الدفاع المحلي في السويداء، وخصوصاً في بلدته المزرعة، حيث نشط في تشكيل مجموعات لحفظ الأمن والتصدي لمحاولات تسلل القوى الأمنية وميليشيات تابعة للنظام السوري.
وفي خضمّ الحراك الشعبي الذي اندلع في محافظة السويداء ابتداءً من آب 2023، عاد اسم ليث البلعوس للواجهة، حيث أعلن دعمه للاحتجاجات المناهضة للنظام، ودعا إلى الحفاظ على سلميّتها ومنع اختراقها من أي جهة مسلحة.
وقد أعاد خلال تلك المرحلة تفعيل مجموعة مسلحة تحمل اسم “قوات شيخ الكرامة”، وهي كيان محلي يتبنى خطاباً عروبياً اجتماعياً يستند إلى إرث والده، ويؤكد استقلالية القرار الدرزي عن النظام والمعارضة على حد سواء.
وصل ليث البلعوس إلى دمشق في الساعات الأولى لتحريرها في 8 كانون الأول 2024 ورفع بندقيته عالياً في ساحة الأمويين بدمشق، وبعد أسابيع التقى بالرئيس أحمد الشرع مع وفد من محافظة السويداء.
بدأت الحكومة الجديدة بالتنسيق مع البلعوس من قبل الوصول إلى دمشق واستمر الأمر إلى اليوم، في محاولة من قبل الحكومة للسيطرة على كامل الأراضي السورية وإتباعها بالحكومة المركزية في دمشق.
أسس ليث البلعوس ورفاقه مجموعة جديدة تحمل اسم “مضافة الكرامة” تضم عشرات المقاتلين، وتركز في جهودها على التطوع في جهاز الأمن الداخلي والجيش في السويداء وساهم بشكل فاعل في تطوع أفراد من الطائفة الدرزية في جرمانا وأشرفية صحنايا.
وخلال الأشهر الثمانية من التحرير، عمل ليث البلعوس ليكون الخط الوسط في السويداء بين الشيخ حكمت الهجري والحكومة السورية، وإن بدا أكثر انحيازاً للدولة السورية وبسط نفوذها على السويداء بالتعاون مع مشايخ السويداء حمود الحناوي ويوسف الجربوع إلى جانب العديد من وجهاء المحافظة.
وبسبب موقفه تعرض لمحاولات اغتيال أكثر من مرة، الأولى قبل سقوط النظام في 13 أيار 2023 في بلدة المزرعة بريف السويداء، ما أدى لإلى إصابته بجروح، والثانية في 1 أيار 2025، حيث نجا من محاولة اغتيال جديدة في مدينة شهبا بريف السويداء حيث تعرضت سيارته لإطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين في أثناء توجهه للقاء محافظ السويداء.
أحداث السويداء الأخيرة
يؤكد البلعوس في أكثر من لقاء إعلامي، أن الدولة السورية عملت كل جهدها لمد يد التعاون والحوار مع السويداء، إلا أن الشيخ حكمت الهجري كان مصراً على جرّ المحافظة إلى المواجهة العسكرية، بحسب وصفه.
وبين 13 – 17 تموز 2025 شهدت السويداء أحداث عنف دامية ذهب ضحيتها العشرات من أبناء المحافظة وقوات الأمن السورية وأبناء العشائر من البدو وعناصر من فصائل وميليشيات محلية، حيث بدأت بمناوشات بين فصائل محلية وعشائر البدو ثم تدخلت قوى الأمن والجيش السوري لفضّ النزاع بالتنسيق مع شخصيات في السويداء ثم أخذت الأحداث بُعداً طائفياً وانتهاكات من مختلف الأطراف.
وعلى إثر ذلك طلب الشيخ حكمت الهجري تدخلاً مباشراً من إسرائيل وذكر بالاسم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي استغل الفرصة، وأمر قواته بشن غارات جوية ضد قوات الحكومة السورية التي حاولت استعادة السيطرة على المدينة وأجبرتها على الانسحاب، بموجب اتفاق مع بعض الوجهاء والأعيان، كما قصفت مؤسسات سيادية للدولة في دمشق.
وعلى إثر انسحاب القوات الحكومية، تعرض المدنيون البدو لمجازر انتقامية وعمليات تهجير، ارتكبتها ميليشيات محلية درزية، ثم تبعتها عمليات تهجير للبدو من المحافظة على إثر الاتفاق الذي رعته عدة دول.
تعرض قبر الشيخ وحيد البلعوس للاعتداء من قبل فصائل محسوبة على الشيخ حكمت الهجري، وتمت ملاحقة كل من له صلة بالحكومة السورية.
وتعليقاً على ما جرى في السويداء، قال ليث البلعوس في مقابلة إعلامية على قناة الإخبارية السورية (حكومية) في 2 آب 2025: “قدمنا محاولات عدة ولقاءات لثني الشيخ الهجري عن قراره بأن لا يعادي الدولة السورية”، مضيفاً أن “الأصوات التي تطالب بلم شمل السوريين من داخل السويداء مهددة بالصمت أو الإيذاء من الفصائل العسكرية”.
ولفت إلى أن “أبناء السويداء لا يريدون المطالبة بإسرائيل لكنهم لا يستطيعون التعبير عن رأيهم بحرية”، مشدداً على أنه “لا يوجد أي عذر للمطالبة بإسرائيل التي نكلت بأبناء الشعب الفلسطيني والسوري”.
أخيراً..
منذ خمسينيات القرن الماضي، حاولت إسرائيل أن تفصل الدروز عن محيطهم العربي، بدءاً من فلسطين المحتلة، حيث فرضت الخدمة العسكرية الإلزامية على أبناء الطائفة من الفلسطينيين، لكن في الجولان السوري المحتل لم تتمكن إسرائيل من ذلك مع رفض معظم أبنائها الحصول على الجنسية الإسرائيلية متخذين موقفاً أخلاقياً، خصوصاً مع وجود عشرات الأسرى من شبابهم في سجون الاحتلال.
في لبنان وسوريا، سعت إسرائيل لاختراق صفوف الدروز من خلال شخصيات لديها مطامع شخصية بالزعامة، لكن ما مثّله كمال جنبلاط (ومن قبله سلطان باشا الأطرش مع مخططات الاستعمار الفرنسي)، وما يمكن أن يلعبه ليث البلعوس وآخرون قد يكون لصوتهم السوري تأثيرٌ، شَكّلَ ويُشكّل جداراً يصدّ هذه السياسات ويرفض بشكل قاطع تحويل الدروز إلى ورقة وظيفية في يد المحتل الإسرائيلي.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية







