جدول المحتويات
«نبض الخليج»
لم يكن الغاز وحده الذي تسرّب إلى أحياء الغوطة الشرقية قبل اثني عشر عاماً، وتحديداً في الواحد والعشرين من شهر آب عام 2013، بل أيضاً أسئلة الصدمة والفَقد التي لم يترك لها شبح الموت مجالاً حتى تكتمل؛ أسئلةٌ تُعاد إلى الواجهة اليوم بعد سقوط نظام الأسد، لتصبح النساء الشاهدات على مجزرة الكيماوي في زملكا وعين ترما أحقَّ من يجيب عنها، والأجدر برواية القصة كاملة، ولكن هذه المرة بلسان الناجية لا الضحية.
أبت النساء في الغوطة الشرقية خلال سنوات الثورة السورية أن يكنّ متفرجات على الحدَث؛ سواء أكان قصفاً همجياً أم اجتياحاً بربرياً، أم غازاً كيميائياً يخنق المدنيين في جريمةٍ تامة الأركان ولكن بلا أثر، بلا دماء. فكانت المرأة “الغوطانية” شاهدةً على الألم، وموثّقةً لأرشيف من النضال في وجه محاولات الإنكار والطمس والنسيان، كما كانت مُسعفةً في الميدان وممرضةً في مستشفى مُصغّر أقيم على عجلٍ بين أنقاض الأبنية وتحت خيمة الموت المُرتقب في كل لحظة.
في هذا التقرير، يسلّط موقع تلفزيون سوريا الضوء على دور النساء في نقل ذكريات الفاجعة؛ خلال واحدة من أبشع المجازر الكيميائية في العصر الحديث، أو كما يسميها السوريون “مجزرة القرن”.
نومٌ لا صحوة بعده وغازٌ يخنق بلا استئذان
بملامح هادئة وبصوتٍ لا يرتجف، تروي فاطمة البدوي ذكرياتها عن مجزرة الكيماوي في عين ترما، في حين تحاول التقاط التفاصيل من ذاكرةٍ رفضت النسيان؛ فكيف تنسى الأم لوعة قلبها المكبوتة منذ سنوات في فراق أبنائها؟
وللمرة الأولى، وعلى عكس القصص التي لطالما رواها الناجون عن ذلك اليوم المشؤوم، تؤكد فاطمة أن ضربات الكيماوي على الغوطة الشرقية بدأت عقب صلاة العشاء يوم 20 آب 2013 واشتدت حتى خنقت الأنفاس فجر اليوم التالي. “لقد اختنقنا ونحن نائمون”، بهذه الجملة تصف نجاتها بعد أن حاول أخوها إسعافها هي وابنتها باستخدام “الكولا” والخل.
فقدت فاطمة ابنها الأصغر ـ محمد نعيم الحلبي ـ الذي كان يعمل في “طبية كوين”، وهي مستشفى ميداني في عين ترما أقيم في صالة أفراح واسعة. محمد الذي كان في الرابعة عشرة من عمره حينما قُتل، كان “مدلل قلب أمه” كما تذكره فاطمة، التي دفعت به إلى العمل كمسعف في المستشفى الميداني أملاً بأن يكسب الأجر ويتحلى بالشجاعة.
تقول فاطمة في حديثها لموقع تلفزيون سوريا: “كان محمد يغني: يا جنة افتحي أبوابك، نعيم من زوارك، وحينما أخبروني باستشهاده، قالوا لي: مدلل قلبك استضافه الرحمن”.
ولم يكتفِ نظام الأسد بخنق الناس، بل قرر في تلك الليلة أن ينفّذ إبادة يوقع فيها أكبر عدد من الضحايا في الغوطة الشرقية، فأمطر سماءها بالصواريخ والقذائف و”المنطاد” كما يسميه الأهالي، في حين يتسلل الغاز بين الأحياء وإلى البيوت ليقطف أرواح الصغار والكبار، حتى صارت الملاجئ والأقبية مُسمّمةً بالكامل، فلا نفع من الهروب إليها ولا مفرّ من الصواريخ.
“الناس كانوا في حالة صدمة”، تقول فاطمة ذلك وتصمت فجأةً في حين تعود بها الذاكرة إلى مكان إحضار جثث ضحايا الكيماوي، حيث كانوا يرشونها بالماء قبل الدفن. إذ وصل عدد الضحايا بحسب كلام الأهالي إلى ما يزيد على 1400، في حين وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الرقم آنذاك بـ1127 ضحية. لا تزال فاطمة البدوي، كما كثير من أهالي الغوطة الشرقية، وتحديداً في عين ترما وزملكا، يصفون ما جرى بأنه كارثة أدخلتهم في حالة ذعر لم يستفيقوا من آثار صدمتها حتى يومنا هذا. تقول: “الأطفال اختنقوا وهم نائمون، ناموا في ليلتها نومتهم الأخيرة، وكانت فاجعة الأمهات لا توصف”.
النساء في الخطوط الأولى
أدركت النساء في الغوطة الشرقية أن حرب الثوار مع النظام ستطول وتطول الجميع من دون رحمة؛ فاتخذن مواقعهن واتكلن على ما تمنحهنّ إياه أمومتهنّ وقوتهنّ ورغبتهنّ في أن يكنّ شريكات الألم والمعاناة، وأخيراً: النصر.
وقد قتل النظام من النساء 29,046 امرأة منذ عام 2011 وحتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2024، وذلك وفق تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وفي الغوطة الشرقية، تحديداً في “طبية كوين”، قُتلت ممرضتان يتذكرهما أبناء المنطقة جيداً: صفاء الفاعور وحياة العسلي.
وتذكر ردينة الحجي في حديثها لموقع تلفزيون سوريا عن حياة العسلي أنّها كانت بشوشة الوجه، لطيفة الطلّة، حتى أنّ عدداً من المصابين والجرحى كانوا “يطلبونها بالاسم” حتى يتفاءلوا بوجودها عندما تطبب جراحهم.
أما فاطمة البدوي، فقد التحقت بـ”طبية كوين” بعد فقدانها ابنها في هجمات الكيماوي؛ إذ أخذت على نفسها عهداً بإكمال طريقه في مداواة واستقبال الجرحى. تقول فاطمة لموقع تلفزيون سوريا: “بدأت بالنزول إلى المستشفى الميداني كبديل عن ابني، وكنت أقف أمام الطبيب من أجل التعلم منه كيف يقوم بإعطاء الإبر والدواء وحتى خياطة الجروح والإسعافات الأولية، واستمررت في ذلك حتى يوم تهجيرنا إلى الشمال السوري في عام 2018”.
وكان الأطباء يستعينون بالنساء آنذاك من أجل التدخل في حالات محرجة كمداواة نساء مصابات، كما تقول فاطمة، وكان منهم: الطبيب فايز عرابي، رضا الحرح، راتب غواصة، مأمون حمادة. وتذكر فاطمة عن صديقتها الممرضة (سونا دلال) ما قامت به من مخاطرة لإنقاذ حياة الجرحى في حين ينقلونهم في الأنفاق التي تصل بين المستشفى الميداني وجامع الدعوة. تقول: “مواقف كثيرة كادت تفقد فيها سونا حياتها، لكنها كانت مؤمنة بما تفعله، كما كنا جميعاً مؤمنين بأن الثورة لن تخذل أبناءها مهما خسروا من أجلها”.
كما أخذت النساء على عاتقهنّ مهمة طبخ الطعام ونقله إلى المقاتلين في فصائل المعارضة المسلحة آنذاك، والاعتناء بالأطفال الذين تيّتموا بعد فقدان أهلهم في هجمات الكيماوي. تقول ردينة الحجي لموقع تلفزيون سوريا: “كانت النسوة تجمع الأطفال في الجامع أو في أقبية الأبنية والملاجئ، ويحضّرن الأطعمة من المتاح من المواد، ولا سيما في أوقات الحصار والجوع، وبعد الكيماوي حيث صار لدينا عدد كبير من الأطفال من دون أهل”.
في حين يتحدث خالد إبراهيم فاخرجي عن نساء الغوطة الشرقية بأنهن “أخوات الرجال”، إذ تساوين في قوتهم ورباط جأشهن مع الرجال على الجبهات. خالد الذي فقد 4 من أبنائه خلال الثورة السورية، يقول: “لقد خسرت زوجتي أولادها الأربعة، ورغم ذلك لا تزال قوية تقف إلى جانبي كما كانت دائماً، النساء هنا صابرات، وما فعلنه وتحملنه خلال السنوات الماضية كان نضالاً حقيقياً”.
“امرأة بعشرة رجال”
لم تكن “الحجة أم يحيى عطايا” المنحدرة من حي جوبر والتي يذكرها أهالي عين ترما حتى الوقت الحالي، امرأة عادية، بل كانت المرأة الأولى في ريف دمشق كـ”مسعفة جبهات”. إذ بدأت قصّتها بعد أن أخبرها زوجها الملتحق بالثورة في بداياتها بأنها ستطبب حالة جريح من المتظاهرين لا تزال الرصاصة في جسده. لتأخذ ميادة عطايا أو أم يحيى على عاتقها منذ تلك الحادثة مهمة تطبيب الجرحى وإسعاف المصابين ومداواتهم؛ فحوّلت منزلها ومنزل أهلها في جوبر إلى نقطة طبية، قبل أن تنزح من جوبر إلى عين ترما وتحوّل “صالة المازن للأفراح” هناك إلى مستشفى “الحجّة” الميداني والذي حمل اسمها بين الأهالي.
اعتقلت الحجة أم يحيى من النظام المخلوع، وتحديداً الفرع 40، من داخل مستشفى ابن النفيس في عام 2012 وذلك خلال نقلها امرأة تكنّى بـ”الحرة” إلى داخل الشام من أجل عمل جراحي مستعجل، إذ كانت تهمة أم يحيى أنها جاءت مع “زوجة إرهابي”. وبقيت بعد ذلك في فرع الخطيب قرابة 6 أشهر لتخرج من المعتقل وتتابع عملها نفسه، ولكن على نطاق أوسع، إذ صار لديها 20 ممرضاً وممرضة تقوم بتدريبهم بنفسها، كما شاركت في الحالات الإسعافية على خط الجبهة الأولى في معركة القابون قبل انتقالها إلى الشمال السوري، حيث حولت بيتها هناك أيضاً إلى نقطة طبية.
تقول أم يحيى في حديثها لموقع تلفزيون سوريا: “لن ننسى ما مررنا به، هذه الذاكرة نحملها ونُحمّلها للأبناء، نحن ناجون شهدنا الألم وشاهدنا النصر، ولم يكن ما مررنا به إلا دليلاً على استحقاقنا الحرية”.
خسرت “أم يحيى” ابنها في معركة ردع العدوان، وعادت من الشمال السوري لتعيش في دمشق، وهي تروي ذكريات الألم وتوثق إبادة النظام لأبناء الغوطة الشرقية وأبناء إدلب أيضاً. وتظهر أم يحيى في روايات مَن يعرفها كوجه مزدوج للحكاية: إنها الضحية والناجية، والمرأة القوية الحانية.
تقول بتول عجوز عن أم يحيى: “لقد كانت أمّاً حقيقية في المستشفى الميداني، كانت تحمل جهاز لاسلكي وتتنقل به وهي تنتظر الحالات الإسعافية، وكان ذلك عملاً إنسانياً خالصاً، تحنو على المرضى وتداري أوجاعهم، كما أنها اعتقلت لدى النظام للسبب نفسه”.
أمومةٌ طارئة خلقتها الكارثة
كان أصعب ما واجهته الأمهات آنذاك هو الحالة النفسية العصيبة التي عايشها الأطفال عقب المجزرة المزدوجة، الكيماوي والقصف في الوقت نفسه، إذ عانى عدد كبير منهم من نوبات الهلع واضطراب الصدمة بعد الرضّ وعزلة اجتماعية، فضلاً عن العدائية الواضحة لدى بعض الأطفال الذين عايشوا تلك التجربة القاسية.
تذكر ردينة عن تجربتها في مركز تعليمي داخل مدينة عين ترما، وعن الأطفال الذين تعاملت معهم آنذاك، أنّ عدداً كبيراً من الأطفال كانوا يتعاملون بعدائية واضحة مع أقرانهم ومع المعلم. تقول: “هناك حالات واضحة من ضعف التركيز وصعوبات الإدراك للأطفال الذين شهدوا واقعة الكيماوي، ولا سيما بالنسبة للذين شاهدوا بأعينهم موت أصدقائهم، كما أن لدى عدد كبير منهم حالة من العدائية وكره المجتمع”.
وعن تجربة ابنها تقول: “ابني كما غيره من الأطفال الذين نشأوا في الحرب، عانى وعانيت معه من اضطرابات نفسية وسلوكية، فكان كلما سمع صوتاً عالياً يقف في مكانه ويبدأ بالدوران حول نفسه، في حين كان طفلاً آخر من الذين فقدوا عائلتهم في الكيماوي يأخذ زاوية لنفسه ويجلس فيها دون حراك أو كلام”.
وبذلك أخذت النساء دور المعالجات ضمن حدود معرفتهنّ واستطاعتهنّ الضيقة؛ ووفق كلام ردينة وفاطمة، عملت النساء على إخراج الأطفال من حالة الأذى النفسي باللعب والقفز والغناء، وأيضاً بالدروس الدينية وألعاب الذاكرة وحفظ القرآن. تقول: “الطامة الكبرى كانت بالعدد الكبير من اليتامى عقب هجمات الكيماوي، لكن النساء هنا احتوين الأمر وتعاملن معه؛ لقد صارت الشابات والنساء أمهات لهم، إنها أمومة طارئة خلقتها الكارثة”.
وتتحدث فاطمة البدوي ـ أم محمود ـ عن قصة طفل لم يتجاوز الأربعة أشهر حينما أحضروه إليها إلى النفق وقد توفي والداه اختناقاً بالكيماوي، فأخذته أم محمود واعتنت به لأيام، وطلبت من إحدى النساء المرضعات أن تمنحه شيئاً من حليبها ريثما يعود عمه لأخذه. تقول: “تمنيت في حينها لو أن حليباً في صدري فأبقيه عندي، لقد كُسرت قلوبنا مرات ومرات، وعلى الرغم من أننا أجبرنا على البقاء قويات في كل الظروف اللا إنسانية، لكن حاشَ لله أن تقسو قلوبنا”.
أما الدكتور راتب غواصة، وهو من الأطباء الذين عملوا خلال سنوات الثورة في المستشفى الميداني في عين ترما “طبية كوين”، وفي حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أوضح بأنّ الأطباء لم يكونوا مستعدين لهذا العدد الكبير من الضحايا في حينها، كما أن عدد الضحايا فاق التوقعات، ولا سيما مع العجز الكبير عن تأمين العلاجات من مشتقات الأتروبين والكورتيزون وعبوات الأوكسجين. يقول: “كانت نكبة حقيقية خلّفت أعداداً كبيرة من الأرامل واليتامى الذين بقيت لديهم أعطاب نفسية حتى الوقت الحالي من هول الصدمة ووقع الفاجعة”.
وعن الأطفال أوضح الدكتور غواصة أن عدداً كبيراً منهم كانوا متفهمين لحالة ذويهم، ولا سيما في أثناء الحصار والاختباء في الملاجئ تحت القصف والبراميل، لكن عدداً كبيراً منهم انهارت عقولهم تحت وطأة الفَقد وخسارة الأب أو الأم أو الإخوة.
بحثاً عن القبور.. النساء وتوثيق الذاكرة الجماعية
ما تزال سيدرا القطان تبحث عن قبر والدها ووالدتها وأخيها الصغير بعد مرور أكثر من 12 عاماً على فاجعة الكيماوي. سيدرا التي خسرت عائلتها مرة واحدة وللأبد في ليلةٍ قاهرة، لا تزال تُطالب بحفنة من تراب قبورهم. تقول: “يصير التراب في حالتي نعمة!”.
والدتها ـ منيرة أحمد بدران ـ أخذت رقم (111) في المقبرة الجماعية، في حين كتب على جبين والدها ـ أحمد فايز قطان ـ الرقم (61)، فيما لم يحمل أخوها الذي لم يتجاوز الثماني سنوات عندما اختنق بالغاز السام أي رقم. وتتضارب الأحاديث حول المقبرة الجماعية التي دفنوا فيها، حينما اختنقت هي أيضاً بالكيماوي لكن شاءت لها الأقدار أن تتلقى العلاج في مستشفى كفر بطنا وتعيش يتيمة منذ كانت في التاسعة من عمرها. تقول: “رأيتهم بعينيّ حينما استشهدوا، لكنني أنكرت.. لم أصدق أنني خسرتهم جميعاً للأبد”.
وحال عدد كبير من أبناء الغوطة الشرقية كحال سيدرا، لا يعرفون مكان قبور ذويهم على الرغم من امتلاك بعضهم لأرقام الجثث وصور الضحايا. إذ كان توثيق حالة الوفاة آنذاك يتم بطريقةٍ شفوية تقوم بها النساء على الأغلب، إذ تعرف إحداهنّ أن العدد الفلاني من هذه العائلة ماتوا بهجمات الكيماوي، في حين قتلت 3 عائلات بأكملها بقصف طال هذا البناء أو ذاك الحي. وهكذا يتم تناقل الخبر وتوثيقه.
تقول فاطمة البدوي: “لن أنسى ما حييت تلك المأساة، لقد كانت أصعب لحظة خلال سنوات الثورة هي مشهد الجثث المكومة في المحلات المفتوحة مقابل المستشفى الميداني”.
وقد قام الأهالي بتوثيق ضحايا الكيماوي بكتابة رقم على الجبين والتقاط صورة للضحية قبل دفنها في المقبرة الجماعية. لكن للأسف، وكما أوضحت سيدرا لموقع تلفزيون سوريا، فإن ذلك لم يكن كافياً، إذ ضاعت أماكن الجثث على الرغم من امتلاكهم الأرقام والصور، لكنهم غير قادرين على تحديد مكان المقبرة أو في أي منطقة بالضبط.
تقول سيدرا: “لقد أنزلوا أخي الثاني (محمد) إلى القبر ظنّاً منهم أنه مات اختناقاً بالغاز، لكنه تحرك فأخرجوه، وقاموا آنذاك بنشر صورته على التنسيقيات وصفحات الفيس بوك بعد أن قدموا له العلاج، أما قبور بقية أفراد عائلتي فكنت أنتظر عودة أهلنا في إدلب إلى الشام حتى يساعدوننا في تحديد مكانها، لكن لم أصل إلى نتيجة حتى الآن”.
وعن إثبات الوفاة في النفوس العامة خلال زمن النظام المخلوع، فأوضحت أن النظام كان يسجل ضحايا الكيماوي على أنهم قُتلوا لأسباب غامضة أو بقذيفة هاون أو حتى بحادث سير، مع المخاوف الكبيرة التي عاناها ذووهم في توثيق الوفاة أو حتى بالسؤال عنهم في بعض الحالات، خوفاً من أن ينتهي بهم الأمر في المعتقلات تحت مسمى “إرهاب”.
في حين وثقت أم يحيى عطايا قرابة 800 حالة بين مقتول بالغاز وخاضع للعلاج والإسعافات، وذلك قبل قيامها بإحضار “تركس” لحفر حفرة كبيرة في وادي عين ترما، تحوّلت إلى مقبرة جماعية لضحايا الكيماوي الذين وصلوا إلى مستشفاها الميداني آنذاك.
عيونٌ شاخصة وأنفاسٌ متقطعة ورائحة كريهة لموت يقطف الأرواح بلا هوادة؛ هذا ما بقي في ذاكرة أبناء الغوطة الشرقية، في حين تُصرّ النساء على رواية القصة مرة ومرتين وألف إن لزم الأمر حتى لا تجفّ الذاكرة ولا تُطوى التضحيات من أجل الحرية. وكما بقية من تحدثن إليهن، تؤكد سيدرا بأنها ستخبر طفليها بالقصة كاملة حينما يكبران، وتعبّر عن امتنانها، فهي المرة الأولى التي يُشارك فيها السوريون جميعاً بإحياء الذكرى وبإطلاق التكبيرات من الجوامع على أرواح الضحايا.
تقول: “سأخبر أبنائي بأننا بقينا رغم الإبادة الممنهجة والفقد والانكسار. إنها المرة الأولى التي يمكنني فيها الشعور بالانتماء، لقد سلبنا الأسد حتى شعورنا بالانتماء، واستعدناه بسقوطه. مشاعر مختلطة في داخلي الآن بين حزني على خسارة عائلتي وبيني فخري بهم، فهم الشهداء، ولا نريد أكثر من العثور على قبورهم الآن”.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية