جدول المحتويات
«نبض الخليج»
لم يتغير مشهد المخيمات وقرى النازحين شمال غربي سوريا كثيراً عمّا كان عليه قبل سقوط النظام المخلوع، حيث ما تزال أعداد كبيرة من الأهالي، من مختلف المناطق، تقطن المخيمات التي تحولت من مكان إقامة مؤقت إلى مسكن شبه دائم، وذلك بالنسبة لشريحة واسعة من النازحين الذين لم يعودوا يملكون شيئاً يمكنهم العودة من أجله إلى مناطقهم الأصلية.
ويطول الحديث هنا حول الأسباب التي تؤخر عودتهم أو تجعل معظمهم يستبعد فكرة العودة أساساً، فغالبيتهم، هم وعائلاتهم، استوطنوا المكان الذي عاشوا فيه ما يزيد على عقد من الزمن، وألفوه هم وأبناؤهم بكل تفاصيله ومتاعبه.
قرى النازحين
كان السؤال الأكثر تداولاً بين الأوساط الشعبية في مناطق الشمال بعد سقوط النظام بأشهر قليلة: ماذا ستفعل المجالس المحلية أو الجهات الرسمية التي تدير قرى النازحين بالشقق السكنية ولمن ستسلمها؟ وهل ستتركها فارغة؟ وكان متوقعاً أن تُفرغ عن بكرة أبيها في وقت قياسي، لكن ما حصل كان عكس المتوقع. ما تزال القرى السكنية التي بنتها منظمات عدة في الشمال مليئة بالنازحين، فيما جرى تسليم الشقق التي أفرغها سكانها العائدون إلى مناطقهم الأصلية لعائلات نازحة أخرى استُقدمت من المخيمات العشوائية. لا بل شهدت بعض القرى السكنية عودة عائلات نازحة بعدما اصطدمت بواقع مناطقها الأصلية التي تفتقر لأدنى مقومات العيش والخدمات الأساسية، ناهيك عن دمار المنازل وصعوبة ترميمها.
وما يعكس استمرار الحاجة إلى قرى الإيواء هو افتتاح قرية سكنية جديدة مؤخراً في المنطقة الواقعة بين مدينتي الراعي والباب بريف حلب الشمالي الشرقي، والتي تتسع لأكثر من 350 عائلة. وقد جرى بالفعل تسليم نصف الشقق منتصف العام الحالي للعائلات النازحة التي كانت تقطن الخيام في محيط القرية السكنية، في حين ما تزال أعداد أخرى من النازحين تنتظر انتهاء أعمال الإكساء في النصف الآخر من شقق القرية.
جال موقع تلفزيون سوريا في قرية التحرير السكنية التي جرى افتتاحها مؤخراً بريف حلب، وبدا أن النازحين المقيمين في الشقق التي تم تسليمها ينحدر معظمهم من ريفي حلب الشرقي وحماة الشرقي، وهي مناطق نائية، ومعظمهم لا يفكر بالعودة إلى مناطقهم الأصلية. القسم الأكبر من شبان تلك العائلات يعمل في المهن الحرة، وبعضهم موظفون، وآخرون في صفوف الأمن والجيش. كما حصلوا خلال السنوات الماضية على بطاقات تعريف في المنطقة، وباتوا يشعرون بأن انتماءهم أصبح للشمال السوري لا للمناطق التي نزحوا منها قبل نحو عشر سنوات.
قرية التحرير
أقيمت القرية السكنية على مساحة 23 هكتاراً، وتضم 340 شقة سكنية مجهزة. وبحسب أحمد عادل الأحمد، مدير القرية، تم اختيار موقع القرية السكنية للنازحين بناء على دراسة متأنية لمساحة الأرض، مع الأخذ بعين الاعتبار موقعها الجغرافي القريب من مدينة الباب التي تبعد نحو 11 كيلومتراً، وكذلك قربها من بلدة الراعي على مسافة تقارب 15 كيلومتراً، إضافة إلى عوامل جغرافية وتوفر أرض الوقف المناسبة التي تسمح باستيعاب أكبر عدد ممكن من العائلات.
أضاف الأحمد لموقع تلفزيون سوريا أن “المستفيدين من المشروع هم جزء من 525 عائلة كانت تقيم في المخيم القديم في قرية الحدث، تم اختيارهم بناءً على معايير الضعف المتوفرة في الأسرة، وذلك من حيث عدد أفرادها والحالة الصحية لكل فرد فيها”، مشيراً إلى أن “عقوداً رسمية تم توقيعها مع أرباب الأسر المستفيدة مع مديرية الإغاثة في مدينة الباب لضمان حقوق المستفيدين”، كما لفت إلى وجود حاجة لبناء قرية سكنية أخرى لاستيعاب العدد المتبقي من النازحين الذين ما يزالون يعيشون في الخيام قرب القرية السكنية.
وحول الخدمات الأساسية، قال الأحمد إن “المياه والصرف الصحي متوفران بشكل مقبول نسبياً، ويتم تقديم خدمات طبية دورية كل يوم خميس من خلال كادر طبي في سيارة متنقلة”. وأوضح أن قرية التحرير السكنية من المفترض أن تستوعب نحو 750 عائلة، إلا أن المشروع توقف عند حد بناء 340 وحدة سكنية فقط في المرحلة الحالية، وهو ما أثر على القدرة الاستيعابية للمخيم مقارنة بالخطة الأصلية.
وبحسب الأحمد، توجد بعض التحديات، ولا سيما عدم القدرة على استيعاب جميع العائلات التي كانت تسكن المخيم القديم، وقال: “كان علينا اختيار العائلات الأكثر حاجة وفق معايير دقيقة، الأمر الذي شكل ضغطاً وتحدياً كبيراً أمامنا”.
وأشار إلى أن السكن في هذه الشقق يمثل تحسناً واضحاً مقارنةً بالخيام، لكنه لا يزال بحاجة إلى تطويرات إضافية، خاصة في تجميل الساحة العامة وفتح محال تجارية فيها، بالإضافة إلى ضرورة تعبيد الطرق، وهي “خدمات نعمل على متابعتها مع مسؤول مكتب المنظمات التابع للمجلس المحلي في مدينة الباب”.
إقامة شبه دائمة
يسكن في قرية التحرير السكنية حالياً نحو 190 عائلة، توزعت على قطاعين من قطاعات القرية الأربعة، في حين لا تزال باقي الكتل السكنية قيد التجهيز تمهيداً لاستقبال المزيد من العائلات. ومعظم المستفيدين هم من مهجري ريف حماة الشرقي وريف حلب الشرقي، ممن اضطروا للنزوح قسراً بسبب تدمير قراهم ومنازلهم بفعل قصف قوات النظام المخلوع.
التقى موقع تلفزيون سوريا، هلال العجيل، وهو نازح من منطقة عقيربات في ريف حماة الشرقي، الذي قال إن الانتقال إلى القرية السكنية شكّل تحولاً في حياته، موضحاً: “كنت أعيش في خيمة مع زوجتي وأطفالي الستة في مخيم الحدث، ثم نُقلنا مؤقتاً إلى موقع قريب بانتظار تجهيز الشقق السكنية، وعندما تم الانتهاء منها في حزيران 2025، أبلغونا بالانتقال إلى قرية التحرير”. ويرى هلال أن الشقق رغم صغرها بالنسبة للعائلات الكبيرة، إلا أنها تمثل نقلة نوعية في مسيرة النزوح، موضحاً أن “الشقة تتألف من غرفتين ومنافع، ومجهزة بأبواب ونوافذ، وهذا كافٍ ليمنحنا خصوصية واستقراراً لم نكن نحلم به داخل الخيام”.
وأكد أنه لا يفكر هو وعائلته بالعودة إلى منطقتهم الأصلية قائلاً: “يمكن أن نبقى حتى بشكل دائم، مناطقنا نائية بالأصل، فما بالك اليوم في ظل الدمار والألغام التي تنتشر في منطقتنا شرق حماة”.
أما فوزة الدياب، وهي نازحة أيضاً من ريف حماة الشرقي، فقالت: “في الخيمة كنا نعيش وسط الغبار والبرد والحر، وكنا نكافح يومياً لتأمين أبسط مقومات الحياة. اليوم، رغم بساطة الشقة، أشعر أن لي منزلاً أستطيع إغلاق بابه والشعور بالأمان، وهذا الشعور يصعب تحقيقه في قريتنا الأصلية بريف حماة، فبيت العائلة هناك مدمر والقرية تحولت إلى مكان مهجور”.
وأضافت الدياب لموقع تلفزيون سوريا: “أطفالي ينامون في مكان نظيف وآمن، وهذا وحده كافٍ لنقول إن هذه بداية جديدة برغم المتاعب. لدينا خزان مياه بسعة 1000 لتر نملؤه بواسطة صهريج تابع للمجلس المحلي بمدينة الباب مرة كل أسبوع، لكنه لا يغطي احتياجنا، فنضطر لنقل المياه من منهل قريب. أما الكهرباء فمحدودة جداً، ونعتمد على ألواح طاقة شمسية لا تكفي إلا لأبسط الاستخدامات، في المقابل، الصرف الصحي متوفر، وهناك سيارة طبية تزور القرية يوماً واحداً في الأسبوع، ونأمل أن يصبح لدينا مدرسة ومسجد في القرية قريباً”. وأوضحت أن هذه الخدمات غير متوفرة في قريتها الأصلية، لذا فإن الناس في القرية لا يفكرون بالعودة، وقسم كبير منهم استقر في المكان وبات يشعر بالانتماء إليه فعلياً.
وقال أحمد الجاسم، أحد المقيمين في قرية التحرير وهو نازح من قرية اعبد في ريف حلب الشرقي: “الحنين لقريتي لا يفارقني، لكن العودة مستحيلة، فبيتي مدمر وأنا عاجز عن ترميمه، ولهذا لا بد من التفكير، بدلاً من توسعة المخيمات، باستبدالها بمشاريع إسكان قريبة من أراضينا، حتى نعود لا للمسكن فقط، بل للعمل في أراضينا ورعاية مواشينا”.
وأشار تقرير سابق صادر عن “منسقو استجابة سوريا” إلى أن عدد قاطني مخيمات الشمال السوري تجاوز مليونين و27 ألف شخص بحلول منتصف عام 2024، موزعين على 1904 مخيمات في شمال غرب سوريا. إلا أن هذه الأرقام تغيرت مع الربع الأول من 2025، حيث شهدت المنطقة حركة عودة محدودة، ووفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 344,733 نازحاً عادوا إلى مناطقهم الأصلية. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في توفير بيئة مستدامة تضمن عودة آمنة وكريمة لجميع العائلات، وهو ما يجعل مشاريع السكن الجديدة في مناطق الإقامة الأصلية خطوة أساسية على طريق تحقيق هذا الهدف الإنساني.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية