جدول المحتويات
«نبض الخليج»
قال الباحث وأستاذ السياسة الدولية، مروان قبلان، إن إدارة الدولة تختلف جذرياً عن إدارة فصيل أو جماعة أو حتى مؤسسة، فهي مسؤولية معقدة ترتبط بالمصالح العليا للدولة وبتمثيلها أمام العالم. ولذلك أن العلاقة مع روسيا مسألة بالغة الأهمية، إذ تحتاج سوريا إلى تحسين علاقاتها مع موسكو، وكذلك روسيا لديها مصلحة في تطوير علاقاتها مع دمشق.
ويرى قبلان أن روسيا دولة كبرى في النظام الدولي لا يمكن تجاهلها، وليس من مصلحة سوريا الدخول في عداوة دائمة معها. وإذا كانت موسكو مستعدة لتغيير موقفها من الأوضاع في سوريا بعد التغيرات التي جرت في أواخر العام الماضي، فإن فتح صفحة جديدة معها أمر واقعي وضروري، مؤكداً أن سوريا بحاجة إلى روسيا في مجلس الأمن مثلاً، في ظل العقوبات المفروضة على هيئة تحرير الشام وقياداتها، كما أن روسيا – على عكس الصين – بدأت تُظهر تقارباً عملياً مع سوريا، وهذا قد ينعكس في مواقفها الدولية.
وأكد قبلان خلال لقاء مع تلفزيون سوريا أن روسيا يمكن أن تكون سنداً في ملفات أخرى، مثل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، أو في دورها في جنوب البلاد، وكذلك في شمال شرقي سوريا.
وبناءً على المصالح المشتركة في قضايا تسليح الجيش السوري والقاعدة الروسية في طرطوس واستيراد القمح من روسيا، يجد قبلان أن روسيا مهمة لسوريا كما أن سوريا مهمة لروسيا.، وإن فتح صفحة جديدة في العلاقات السورية – الروسية أمر منطقي ويصب في مصلحة الطرفين.
ويرى قبلان أن توجه الإدارة السورية الجديدة قائم على تصفير المشكلات قدر الإمكان، والاهتمام بالشأن الداخلي، مع محاولة تحقيق نوع من التوازن في العلاقات مع مختلف الأطراف، مشدداً على ضرورة بناء قاعدة راسخة للعلاقات الإقليمية والدولية والانطلاق منها لرسم مسار مختلف لمستقبل البلد.
النفوذ التركي في سوريا
ويعتقد أستاذ السياسة الدولية أن عملية طوفان الأقصى قلبت موازين القوى في المنطقة، وكانت مسبباً في سقوط النظام السوري بعد استهداف حلفائه مثل حزب الله والمليشيات الإيرانية في سوريا حتى، وبالتالي تراجع النفوذ الإيراني في سوريا بشكل كبير، ليحل مكانه نفوذ تركي متزايد.
ويشير إلى أن هذا التحول لم يلقَ ترحيباً لدى الإسرائيليين وحدهم، بل أيضاً لدى أطراف إقليمية ودولية أخرى لا ترغب برؤية تركيا تتوسع بشكل مفرط داخل سوريا، ما فتح الباب أمام حالة تنافس محتدم في الساحة السورية.
ويوضح أن الإسرائيليين يرون في تركيا منافساً أقوى وأخطر عليهم من إيران، ليس بالمعنى العسكري المباشر، وإنما لأن إيران اعتمدت على استراتيجية “الدفاع المتقدم” عبر بناء وكلاء محليين في دول محيطة بإسرائيل مثل لبنان وسوريا واليمن والعراق، لتطويقها ومنعها من شن هجوم مباشر عليها. غير أن هذه الاستراتيجية فشلت مع مرور الوقت، بعد أن تمكنت إسرائيل من توجيه ضربات متتالية قطّعت أوصال النفوذ الإيراني وأضعفت أدواته الإقليمية.
ويتابع بأن تركيا حلّت محل إيران في المشهد السوري، وهو ما يثير قلق إسرائيل لسبب إضافي، يتمثل في أن أنقرة حليف للغرب، تماماً مثل تل أبيب، ما يجعل من الصعب على إسرائيل الاستعانة بالولايات المتحدة لمواجهة الدور التركي. وقد ظهر ذلك بوضوح في تصريح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أبريل الماضي، حيث شدد على ضرورة إيجاد صيغة تفاهم مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول الملف السوري.
الانقسام في سوريا بوابة ابتزاز إسرائيلي
يؤكد قبلان أن التحدي الأكبر في سوريا، لا يقتصر على النفوذ التركي أو الإسرائيلي، بل يتمثل في الاحتقان والانقسام الطائفي الداخلي، الذي يشكل مدخلاً لتدخلات خارجية، وعلى رأسها إسرائيل، إذ استغلت تل أبيب أزمات مثل ما جرى في السويداء خلال الأشهر الماضية لفرض وقائع جديدة في الجنوب السوري.
كما تحدث عن الاستراتيجية الإسرائيلية، كما تروج لها شخصيات مثل وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر وعدد من مراكز الأبحاث الإسرائيلية، والتي تقوم على تقسيم سوريا إلى كانتونات طائفية: سنية، علوية، درزية، كردية وغيرها. وإذا فشلت هذه الخطة، فإن البديل المطروح هو فرض اتفاق على أي نظام قائم في دمشق، يقوم على إنشاء منطقة منزوعة السلاح والسيادة تمتد من حدود دمشق حتى الجنوب بعمق يصل إلى 80 أو 90 كيلومتراً، بما يشبه الاتفاق الروسي–الأمريكي حول الجنوب عام 2018.
ويعتقد الإسرائيليون أن الحكومة السورية الجديدة قد تقبل باتفاق من هذا النوع، انطلاقاً من هشاشة الوضع ورغبتها في وقف الاعتداءات الإسرائيلية وتعزيز سيادتها.
تشكيل الأحزاب يعالج الانقسام الطائفي
يرى المتحدث أن المزاج الدولي لم يعد يتجه نحو تقسيم المنطقة بعد تجربة العقدين الماضيين منذ غزو العراق، حيث أدت محاولات إضعاف الدولة الوطنية إلى فراغ ملأته ميليشيات وتنظيمات مسلحة، أغلبها برعاية إيرانية، وهو ما جعل ضبط الأوضاع أصعب بكثير.
الاتجاه الدولي الحالي، بحسب تقديره، يسعى إلى تعزيز الدولة الوطنية والقضاء على الميليشيات، لكن نجاح هذا المشروع مرتبط بالداخل السوري أكثر من كونه مرهوناً بإرادة الخارج. ورغم بعض الخطوات لتخفيف الاحتقان الطائفي، إلا أن النوايا وحدها غير كافية، والحل يكمن في إيجاد آليات عملية.
ويؤكد أن السبيل الأمثل لمعالجة الانقسام الطائفي هو السماح بقيام أحزاب سياسية حقيقية، بحيث تتحول انتماءات الناس من الطوائف والعصبيات التقليدية إلى برامج ورؤى سياسية لا طائفية وعرقية.
ويرى قبلان أن مواجهة التحديات الخارجية، وفي مقدمتها التحدي الإسرائيلي، لا يمكن أن تتحقق إلا عبر جبهة وطنية داخلية متماسكة. فكلما تعمقت الانقسامات الداخلية، زادت قدرة القوى الخارجية على التدخل في الشأن السوري وفرض شروطها، بل وحتى السعي لفرض وصاية دولية من جديد، كما عكسه عودة الحديث مؤخراً عن القرار الأممي 2254.
ويؤكد أن الأولوية ليست في عقد اتفاقيات سلام أو تفاهمات مع الخارج، بل في تحقيق سلام داخلي بين السوريين أنفسهم، خاصة في ظل الانقسام الحاد وتمزق النسيج الاجتماعي. فالتفاوض من موقع داخلي ضعيف يجعل سوريا عرضة للابتزاز، وهو ما تقوم به إسرائيل بالفعل، سواء عبر ضغوط مباشرة أو من خلال فرض نفسها طرفاً في معادلات حساسة مثل اتفاق الجنوب وأحداث السويداء.
ويخلص إلى أن السلام الداخلي شرط أساسي لامتلاك موقف قوي في أي تفاوض خارجي، ولمنع ابتزاز سوريا واستغلال هشاشتها.
سيادة القانون
يشدد الباحث على أن توحيد البلاد لا يتحقق عبر سحب السلاح فقط، بل من خلال مقاربة سياسية حقيقية. فالمطلوب إقناع الناس بأن السلاح ليس ضمانة لحمايتهم، وأن الحماية الحقيقية تأتي عبر وجود دولة قائمة على سيادة القانون والمساواة، تعامل جميع المواطنين على اختلاف طوائفهم وأعراقهم ومذاهبهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.
ويؤكد أن مسؤولية الدولة هي حماية جميع السوريين دون تمييز، وأن حياة كل مواطن ثمينة بالنسبة للمجتمع والدولة. لكن تحقيق ذلك يبقى مجرد طموح ما لم يُشرك السوريون فعلياً في بناء وحكم الدولة.
“مسار شكلي”
يرى المتحدث أن المسار الحالي في سوريا شكلي، حيث تُدار العملية السياسية بطريقة أحادية عبر مؤتمرات وإعلانات دستورية وحكومة وانتخابات أشبه بالتعيين منها بالاقتراع، وفق نصوص تمنح الرئيس سلطة اختيار أعضاء البرلمان بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويعتبر أن المرحلة الانتقالية التي حُددت بخمس سنوات طويلة وغير مبررة، مقترحاً بدلاً من ذلك تنظيم انتخابات حرة خلال عامين على الأكثر، أسوة بتجربة العراق بعد عام 2003، بحيث يتم انتخاب جمعية تأسيسية تتولى كتابة دستور جديد بالتوافق بين القوى السياسية، ثم صياغته بلغة قانونية دقيقة على يد خبراء.
ويؤكد أن هذا النهج هو الطريق الأمثل لضمان مشاركة جميع السوريين في بناء الدولة الجديدة، وتحويل الصراع من عسكري إلى سياسي، بما يسمح بتجاوز الانقسامات وفتح أفق لحل ديمقراطي شامل.
يشدد المتحدث على أن فتح الفضاء السياسي هو الشرط الأساسي لبناء دولة حديثة، معتبراً أن تضحيات 14 عاماً من الثورة لا يمكن أن تنتهي من دون تحقيق الحد الأدنى من المطالب، وعلى رأسها حرية تشكيل الأحزاب وإجراء انتخابات ديمقراطية. ويرى أن السلاح لن يُسحب من أيدي القوى المختلفة ما لم يُفتح المجال أمام مشاركة سياسية حقيقية تضمن الحقوق عبر الحوار والمؤسسات، لا عبر العنف أو الشارع.
كما ينتقد قبلان اختيار أعضاء المجلس التشريعي الحالي، ويرى أنه يفتقر إلى الشرعية والتمثيل الحقيقي للسوريين، مؤكداً أن الحل يكمن في انتخابات حقيقية تُعد لها بشكل جيد، بحيث تفرز هيئة منتخبة قادرة على صياغة دستور جديد وتحديد شكل الدولة والنظام السياسي بمشاركة وطنية واسعة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية