«نبض الخليج»
أثارت صورة نشرها اتحاد كرة القدم الكوسوفي قبيل مباراته مع منتخب إسبانيا ضمن تصفيات كأس أمم أوروبا للشباب، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث احتوت شعار منتخب إسبانيا لكن بجانبه اسم الأندلس “AL-ANDALUS”، حيث اعتبر اتحاد الدولة البلقانية هذه التسمية ردا على تسمية الاتحاد الإسباني لجمهورية كوسوفو باسم “أرض كوسوفو” بسبب عدم اعتراف مدريد السياسي بكوسوفو التي أعلنت نفسها دولة عام 2008 عقب نزاع حاد مع صربيا، وحظيت باعتراف أكثر من 100 دولة واعتراف الأمم المتحدة بها.
النقاش الإسباني الكوسوفي الأخير، أعاد فتح نقاش أوسع عن مدى تداخل الرياضة بالسياسة، أو بالأحرى مدى تأثير السياسة على الرياضة، كون ارتباطهما الوثيق ثبت منذ بداية المنافسات الكروية الدولية قبل نحو قرن من الآن.
قبل أيام وضمن تصفيات كأس العالم 2026 للقارة الأوروبية، خرجت تصريحات مدرب منتخب إيطاليا جينارو غاتوزو خلال المؤتمر الصحفي الخاص قبل مباراة منتخب بلاده ضد الكيان الصهيوني مدوية لوسائل الإعلام، حيث قال مدرب الآزوري “لسنا محظوظين بوجود إسرائيل في مجموعتنا، لكن هذا هو الواقع. ما يحدث يصعب وصفه، ولا أستطيع أن أضيف أكثر من ذلك”، وهذه التصريحات وترت الأجواء خلال المباراة وأوقعت مشادات كلامية وجسدية بعد صافرة الحكم.
اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم وحتى الاتحادات القارية حاولت خلال العقود الماضية فصل الرياضة عن السياسة من خلال وضع قوانين ناظمة أو خلق حلول تبعد الرياضيين عن أي نزاعات عسكرية أو سياسية.
منتخب “إسرائيل” لكرة القدم ذاته، طرد من الاتحاد الآسيوي بعد تصويت عربي داخل الاتحاد عام 1974 وانتقل للعب ضمن المنافسات الأوروبية، التي لا تمر مشاركة له أو لأحد الفرق الإسرائيلية خارج الأراضي المحتلة دون هتافات مناهضة أو هتافات داعمة للشعب الفلسطيني.
خلال تاريخ المنافسات الرياضية الحديثة كان تأثيرها على العلاقات السياسية والدبلوماسية البينية كبيرا وواضحا، فمثلا قرر الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الأولى حرمان دول المركز المنهزمين كألمانيا والنمسا وتركيا “الدولة العثمانية” من دورة الألعاب الأولمبية عام 1920 في بلجيكا، وكرر الأمر مع ألمانيا في الدورة التالية في فرنسا عام 1924، ومنعت أيضا كل من ألمانيا واليابان وإيطاليا من المشاركة في أولمبياد لندن 1948 بعد خسارتهم الحرب العالمية الثانية.
لكن اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم وحتى الاتحادات القارية حاولت خلال العقود الماضية فصل الرياضة عن السياسة من خلال وضع قوانين ناظمة أو خلق حلول تبعد الرياضيين عن أي نزاعات عسكرية أو سياسية، ورغم أن هذه الإجراءات حققت شيئا من النجاح إلا أن ذلك لم يكن كافيا، فتعرض لاعبون سافروا إلى إيران سابقا لمشكلات في الولايات المتحدة وأوروبا، كما لعبت الأندية القطرية في دول محايدة خلال الحصار العربي للدولة قبل سنوات، وأخيرا حرمت الأندية والمنتخبات الروسية من المشاركة في المنافسات الدولية والأوروبية بسبب الحرب على أوكرانيا.
الحديث حول تداخل السياسة والرياضة رغم أنه يظهر سلبيا لكون الهدف الأسمى للرياضة أن تجمع الناس لا أن تفرقهم، لكن جوانب إيجابية عديدة يصنعها أحيانا هذا التدخل، فجماهير ناد كبير وعريق ك سيلتيك الأسكتلندي الذي يشارك باستمرار في البطولات الأوروبية ترفع الأعلام الفلسطينية وتدعم غزة ضد حرب الإبادة الإسرائيلية للمدنيين هناك، كما كان للحصار الدولي على الرياضة في جنوب إفريقيا في أثناء نظام الأبارتايد أثر كبير بعزله وتسليط الضوء على العنصرية ومكافحتها، بينما تبقى مساهمة لاعبي منتخب ساحل العاج بجيله الذهبي منتصف العقد الأول من القرن الحالي المباشرة بإيقاف حرب أهلية داخل البلاد بشكل مؤقت خلال فترة تأهلهم لكأس العالم واحدة من أجمل مواقف تداخل الرياضة والسياسة.
تحاول الرياضة السورية الوقوف على قدميها وتسليم هذا القطاع لأهله من دون تدخلات تحيله من وسيلة ترفيه وتوحيد للوطن إلى وسيلة ترويج لشخص أو أفكار سياسية.
الرياضة السورية في عهد النظام المخلوع
تظهر الرياضة في معظم المجتمعات وسيلة لتوحيد موقفها وتعزيز هويتها الوطنية لكن ذلك لم يكن ممكنا في سوريا التي تجلى تدخل السياسة والعسكرة في رياضتها بشكل لا يوصف على مدى أربعة عقود ونصف وأداة للترويج السياسي لعائلة الأسد، وتحديدا منذ تأسيس الاتحاد الرياضي العام عام 1971 وهو الجهة التي سيطرت على القطاع الرياضي بالكامل تحت إشراف ضباط من النظام المخلوع، حولت كل ما يرتبط بالرياضة السورية إلى ما يشبه المعسكرات، بداية من تسمية المنشآت وشكلها ومضمونها مرورا بسيطرة عائلة الأسد على رياضات بعينها كالفروسية، وانتهاء بقتل واعتقال المئات من الرياضيين السوريين لأسباب سياسية أو حتى رياضية حيث أحصت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 221 رياضيا على يد قوات النظام من بينهم بالطبع بطلة سوريا والعرب في الشطرنج رانيا العباسي مع عائلتها، ويضاف إليها أندية للجيش والشرطة أجبر فيها عديد من الرياضيين على الانضمام تحت لواءها.
ومنذ سقوط نظام الأسد تحاول الرياضة السورية الوقوف على قدميها وتسليم هذا القطاع لأهله دون تدخلات تحيله من وسيلة ترفيه وتوحيد للوطن إلى وسيلة ترويج لشخص أو أفكار سياسية.
شارك هذا المقال
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية