جدول المحتويات
«نبض الخليج»
مرّت اثني عشر سنة على إقامة أم أدم وعائلتها في مخيمات قرية خربة الجوز بريف إدلب الغربي، بعد تهجيرهم من قرية الكبانة بريف اللاذقية على يد نظام الأسد. ومنذ ذلك الوقت، تحلم بالعودة إلى قريتها التي تركتها تحت وطأة القصف والحصار، لكن هذه العودة لم تتحقق رغم سقوط النظام قبل نحو تسعة أشهر.
تحدثت أم أدم لموقع تلفزيون سوريا عن الأسباب التي تحول دون عودتهم، قائلة: أبرزها عدم امتلاكها لمنزل أو حتى خيمة لتعيش فيها، هناك دمار كامل للقرية، المنازل والبنية التحتية وحتى الأشجار والأراضي الزراعية باتت غير صالحة للعمل، إذ تعرضت للإهمال والقطع على مدى سنوات طويلة. والأمر الأخطر هو انتشار الألغام، الذي يشكل خطرًا حقيقيًا على حياتنا، خصوصاً الأطفال. لدي أربعة أطفال صغار، اثنان منهم في المدرسة، ولا يوجد تعليم في القرية. قد يحمل الأطفال الألغام بين أيديهم معتقدين أنها ألعاب. إضافة إلى ذلك، هناك مشاكل المياه والطرقات والكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى، بينما تركّز الحكومة اهتمامها على المدن الكبرى، متجاهلة احتياجات قريتنا.
يبلغ عدد سكان القرية بحسب آخر إحصائية رسمية عام 2004 نحو ألف نسمة، ولم يُجرَ أي تعداد رسمي منذ ذلك الحين بسبب الظروف الأمنية والسياسية. وحتى الآن، لم تعد إلى القرية سوى نحو 30 عائلة، تعتمد على نفسها في تأمين احتياجاتها اليومية من طعام وشراب. الأسر العائدة تجد صعوبة في تأمين أبسط مقومات الحياة، إذ اضطر بعضهم للعيش في خيام بجانب بيوتهم المهدمة، فيما قام آخرون بإعادة ترميم منازلهم بجهود شخصية بسيطة دون أي دعم يُذكر.
تشهد القرية، كسائر قرى جبل الأكراد، دمارًا واسعًا وغيابًا للخدمات، ما يجعل ظروف الحياة صعبة للغاية. يقول أحد سكانها، أحمد عيسى، لموقع تلفزيون سوريا: “الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والمدارس والمراكز الصحية كلها غائبة، بينما اقتصرت جهود الحكومة على فتح بعض الطرقات وإزالة الألغام من الحقول.
ويضيف أن الأهالي بحاجة عاجلة إلى دعم إنساني ومادي، خصوصًا مع اقتراب فصل الشتاء، إضافة إلى مشاريع إعادة إعمار تضمن عودة آمنة وكريمة لبقية الأسر النازحة، وتأمين أراضيهم من الألغام، بالإضافة إلى مشاريع زراعية لدعم مهنتهم الأساسية، والمساعدة في تربية الحيوانات للأسر الفقيرة لتوفير مصدر دخل وفرص عمل.
الدعم الحكومي
ولم يشهد واقع القرية أي تغيير يُذكر منذ سقوط النظام، واقتصر العمل الحكومي على إزالة بعض حقول الألغام وتحسين الطرقات الرئيسية وتسهيل وصول الأهالي إلى منازلهم وأراضيهم.
في هذا السياق، يوضح يامن الشغري، مدير منطقة الحفة التي تتبع لها القرية، لموقع تلفزيون سوريا أن الكبانة من القرى الجبلية ذات الأراضي الخصبة، وتشتهر بزراعة التفاح وأشجار مماثلة. وأضاف: “نسعى لدعم القرية بترميم المدرسة وإيصال المياه للأهالي في المرحلة الأولى، وننظر إلى طبيعة القرية ومناخها الذي يجعلها وجهة سياحية مهمة. أما تعويض الأهالي، فلا توجد أي مبادرة حالياً، لكننا نسعى لتجهيز دراسات ومشاريع تنهض بالقرية وتكون على سلم الأولويات.
بدوره، قال عبد الكافي كيالي، مدير مديرية الدفاع المدني في الساحل التابعة لوزارة الطوارئ والكوارث في الحكومة السورية للموقع: “نعمل على فتح الطرقات في القرى، ومن بينها الكبانة التي تعرضت للقصف وتهجر أهلها. هناك استمرار في ترحيل الأنقاض، وفرق مختصة تعمل على تفكيك الألغام بالتعاون مع الدفاع المدني الذي يقوم بمسح المناطق الخطرة، وإزالة الأسلحة غير المنفجرة، ووضع لافتات تحذيرية لحماية الأهالي العائدين.” وأضاف أن العمل في هذه القرى معقد بسبب كثرة الألغام، ما يعيق عودة السكان.
الموقع الجغرافي وأهميته
تستمد الكبانة أهميتها من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، فهي قرية جبلية مرتفعة على 1300 متر عن سطح البحر، تطل شرقاً على سهل الغاب وجسر الشغور، وغرباً على ريف اللاذقية وصولاً إلى المدينة، وجنوباً على أرض سهلة للرصد العسكري، وشمالاً على الطريق الدولي M4.
هذا الموقع جعلها قاعدة انطلاق للجيش الحر وخط الدفاع الأول عن مدينة إدلب بعد سقوط مناطق ريف اللاذقية وتقدم قوات النظام بداية عام 2016. كما جعلها هدفًا مركزيًا لقوات النظام وروسيا والميليشيات الحليفة، فتعرضت لقصف لم تشهده مناطق أخرى في الساحل، حتى تحولت إلى أنقاض شبه كاملة بحسب أبو محمد، أحد وجهاء المنطقة. وأضاف أبو محمد للموقع أن الموقع جعلها نقطة صراع حقيقية بين النظام والثوار.
المعارك التي شهدتها
يروي المقدم أبو الهول، مؤسس الجيش الحر في الكبانة وقائد لواء “أحرار الساحل” سابقاً لموقع تلفزيون سوريا أن اختيار القرية للعمل العسكري كان لموقعها المثالي. في 2012، شن النظام حملة ضخمة باستخدام 154 آلية، أوقفها عشرون مقاتلاً بأسلحة خفيفة، وألحقوا خسائر كبيرة بالقوات المهاجمة. في 2013 كرر النظام محاولاته مدعومًا بالمروحيات، لكنه فشل مجددًا. ومع دخول روسيا الحرب في 2015 وخسارة المعارضة بلدة سلمى، بقيت الكبانة عصية رغم القصف الروسي المكثف الذي استمر حتى 2024.”
ويشير أبو الهول إلى أن السيطرة على الكبانة تمنح السيطرة النارية على جسر الشغور وتتيح الوصول إلى القرى المحيطة والطريق الدولي M4، ما يجعلها مفتاح السيطرة على إدلب. صمود الكبانة لأكثر من ثلاثة عشر عامًا يعكس صمود الثورة السورية وأحد أسباب نجاحها.
الزراعة والاقتصاد المحلي
تشتهر القرية بإنتاج التفاح، حيث يعتبر محصولها من أفضل محاصيل سوريا، إضافة إلى زراعة أشجار متنوعة أخرى. قبل الحرب، شكلت الزراعة المصدر الرئيسي لدخل الأهالي، لكن المعارك دمرت الأراضي والبنى التحتية الزراعية، ما أجبر الكثيرين على النزوح. في الوضع الحالي، تحتاج الأسر إلى دعم مادي كبير لإعادة عملهم الزراعي، واستعادة الأراضي والأشجار كما كانت قبل الحرب، مع توفير تقنيات ومعدات حديثة لضمان إنتاجية مستدامة بحسب أبو محمد.
واليوم، تعيش أسر الكبانة العائدة ظروفًا معيشية صعبة للغاية، من نقص مياه الشرب والكهرباء إلى غياب الخدمات الصحية والتعليمية. كما يواجه الأطفال خطر الألغام والرصاص العشوائي. وتبقى الحاجة ملحة لتدخل منظمات دولية وإنسانية لدعم الأسر، ليس فقط لإعادة تأهيل المنازل والمزارع، بل لضمان عودة الحياة الطبيعية للأطفال والنساء وكبار السن، وهذا ما تحلم به أم أدم التي تتطلع لأن تعيد أطفالها إلى قريتهم بعيداً عن العيش في مخيمات النزوح وحياتها الصعبة .
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية