جدول المحتويات
«نبض الخليج»
مع انتهاء عملية اختيار أعضاء مجلس الشعب عن محافظة دير الزور، أظهرت النتائج خللاً في التمثيل السياسي للمدينة، نتيجة لقراءة خاطئة لديمغرافية وطبيعة مجتمع ديرالزور السكانية وتركيبتها الاجتماعية المعقدة، التي تُعد نموذجاً فريداً مقارنة بباقي مراكز المحافظات السورية، فمدينة دير الزور تمثل نسيجاً متنوعاً تشكّل عبر تفاعل طويل بين الأصول العشائرية والتحولات المدنية، إذ أسهمت العشائر المهاجرة في بناء هويتها وتشكيل عصب الحياة فيها.
يقول الباحث إبراهيم القاضي، لموقع تلفزيون سوريا، إنّ هذه القراءة الخاطئة انعكست في تحديات كبيرة، خصوصاً مع التغيرات السياسية والإدارية التي أعادت رسم موازين النفوذ داخل المحافظة، كما أن آلية الترشّح الحالية عن الدوائر الانتخابية لم تراعِ هذا الواقع، ما أدى إلى فقدان المدينة تمثيلها الحقيقي داخل المجلس وغياب العدالة في توزيع المقاعد.
انعكاس على التمثيل
يرى القاضي أنّه لطالما كانت مدينة دير الزور بوتقة انصهرت فيها عوائل متعددة الأصول العشائريّة، تمتد جذورها إلى خارج الحدود السورية، نحو الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية وحتى تركيا، قدمت واستقرّت فيها لتسهم في تأسيس وبناء المدينة، هذه العوائل، التي وُصفت بأنها “منقولة” أو “منتقلة” أو “مهاجرة”، لم تكن مجرد تجمعات ذات أصول قبليّة، بل شكّلت الركيزة الأساسية للحياة المدنية والاجتماعية في دير الزور.
ويضيف أنّه من أبرز هذه العشائر الظفير والخرشان، وهي الأوسع نفوذاً، إلى جانب عشائر أخرى مثل الجويشنة والبوعلي الحسين وغيرها، وجميعها لا تمتلك امتداداً في الريف المحيط بالمدينة، أما العشائر التي تجمع بين الحضور في المدينة والامتداد الريفي، فهي تلك التي استقرّت في دير الزور بدافع التمدّن أو العمل أو الدراسة أو المصاهرة، لتصبح جزءاً من نسيجها الاجتماعي.
ويلفت إلى أنّ هذا التداخل كان يحتاج إلى آليّة دقيقة في قبول الترشّح، لينتج تمثيلا حقيقيّا يستند إلى فهم لهذا الواقع المعقّد.
نتائج متضاربة
تمتدّ مدينة دير الزور كحاضرة عمرانية على ضفاف نهر الفرات لمسافة تتراوح بين 10 و11 كيلومتراً، من منطقة الجفرة شرقاً حتى البغيلية غرباً، وبعرض لا يتجاوز 4 كيلومترات بين شارع بورسعيد وضفة النهر.
أما من الناحية الإدارية، فإن نطاق مدينة دير الزور أوسع بكثير، إذ تمتد منطقتها ونواحيها التابعة لها لأكثر من 100 كيلومتر على طول الفرات، من الحدود الإدارية مع محافظة الرقة وصولاً إلى الحدود الإداريّة مع محافظة الحسكة، وتضم تجمعات سكانية كبيرة تتسم بكثافة عالية.
يلفت إبراهيم القاضي أنّه تاريخياً، كانت دير الزور تُقسم إدارياً، ولا سيما في فترات الاستحقاقات الانتخابية، إلى مناطق محددة، منها الغرب الذي يضم عشائر متحالفة مع الخرشان مثل البعاجين، والشرق الذي تسكنه عشائر مثل البو شلهوم والظفير، إلى جانب تخصيص جزء خاص لعشيرة الخرشان ذات النفوذ البارز.
غير أن تحولات سياسية واقتصادية كبرى شهدتها المدينة، خصوصاً بعد الوحدة السورية المصرية، وسياسات التأميم والإصلاح الزراعي، أضعفت نفوذ العائلات التي كانت تمتلك الأراضي، ما انعكس على قوتها ومكانتها السياسية، وقد وصف أحد المحللين حال المدينة اليوم بأنها “منتهية الصلاحية” كقوة مؤثرة في المنطقة.
هذه التحولات، وما تبعها من تهميش متعمّد من قبل النظام السابق، أسفرت عن حرمان مدينة دير الزور لأكثر من خمسين عاماً من تمثيل برلماني حقيقي، إذ كان من شبه المستحيل وصول أي مرشح من المدينة إلى مجلس الشعب في ظل تفوق المرشحين ذوي النفوذ العشائري الممتد إلى الريف، حيث تجاوز هذا التمثيل حدود المدينة ليشمل ما يُعرف بـ”الخطوط” مثل خط البكارة، وخط البوسراية، وخط العقيدات، وخط الخابور، التي أصبحت تمثل الثقل الانتخابي الفعلي في المحافظة.
تمثيل على حساب المدينة
تكشف نتائج انتخابات مجلس الشعب الأخيرة عن تمثيل غير مدروس لمحافظة دير الزور، إذ يرجع عدد من أبنائها السبب إلى جملة من العوامل، أبرزها اعتماد الترشّح على أساس المناطق بدلاً من النواحي، وعدم فصل المدينة كمركز انتخابي عن ريفها الذي يمتد لأكثر من 100 كيلومتر.
وبموجب ذلك، سمح بفوز أكثر من مرشح مقيّدين في السجل المدني في ناحية واحدة، على حساب نواحٍ أخرى استُبعدت كلياً من التمثيل داخل المجلس، وهو ما حدث فعلاً في نتائج هذه الدورة، كالفائزين أكرم العساف وفجر الأحمد المقيّدان على ناحية موحسن، في حين لم يحالف الحظ أي مرشح من نواحٍ أخرى، ما يعكس إشكالية في التقسيمات الإداريّة.
يقول الصحفي المهتم بشؤون محافظة دير الزور، معاذ الطلب، لموقع تلفزيون سوريا، إنّه من الطبيعي أن يتداخل البعد العشائري في العملية الانتخابية بمحافظة دير الزور، بحكم طبيعة المجتمع العشائرية، غير أن هذا التداخل غالباً ما يكون على حساب المدن الرئيسية مثل دير الزور والميادين والبوكمال.
ويضيف أنّه “صحيح أن غالبية المرشحين الذين فازوا عن منطقة دير الزور هم من أبنائها، إلا أن نجاحهم جاء نتيجة مفاعيل عشائرية وفئوية بالدرجة الأولى، إضافة إلى المعيار غير المنصف الذي يتيح الترشح في منطقة الإقامة لمن أقام فيها خمس سنوات قبل عام 2011، حتى وإن لم يكن مسجلاً قيده فيها”.
ويرى أنّه ورغم أن النزعة الثورية لدى بعض الممثلين الجدد كانت حاضرة بوضوح، وهو ما يُحسب لاجتهاد اللجان الفرعية، إلا أن ذلك جاء على حساب الكفاءات والنساء، نتيجة لتأثير المصالح الفئوية والعشائرية.
ويلفت إلى ملاحظة الغياب شبه الكامل لهيئة تحرير الشام عن الهيئة الناخبة بمجملها، مضيفا “لا أعلم إن كان ذلك مقصوداً ومتروكاً لحصة الرئيس، التي يُنتظر منها أن تُعوض النقص الحاصل في الكفاءات والتمثيل النسائي”.
ويشير إلى أنّه في محافظة ذات تركيبة عشائرية كدير الزور، يبدو من الصعب استبعاد فكرة المحاصصة العشائرية حتى في ظروف قريبة من المثالية قياساً بالانتخابات العامة، لكن تعديل النظام الانتخابي وتقسيم المحافظة إلى دوائر انتخابية أصغر يمكن أن يسهم في الحد من هذه الظاهرة، ويعزز تمثيل الأصوات الأخرى، فالديمقراطية الحقيقية يجب أن تضمن تمثيل جميع الأصوات، لا أن تُختزل في مجرد نتائج صناديق الاقتراع.
من جهته يقول الباحث السياسي غزوان الغدير، لموقع تلفزيون سوريا إنّ انتخابات البرلمان الأخيرة شكّلت نقطة تحوّل فارقة في عملية الانتقالي السياسي حيث أفضت إلى وجود سلطة تشريعية وبذلك اكتملت السلطات الثلاث، لكن وإن كانت التجربة معقولة بالحد الأدنى، إلا أنّ التجربة لم تكن مثاليّة كما تمنّى وحَلُم كثير من السوريين لا سيما حاضنة الثورة.
ويضيف أنّ سلطات البلاد قدمت حُجّتها بتنظيمها بتلك الطريقة، ولسنا بصدد التفصيل بذلك، لكن تقاطعت تلك التجربة في كل المحافظات في كثير من النقاط وظلَّ لكل محافظة خصوصية، ففي دير الزور، اشتكى كثير من أبناء المدينة، ضعف تمثيلهم، إذ ضمّت دائرة المدينة الانتخابية، ريف المحافظة الغربي، وريفها الشمالي، وجزءاً من ريفها الشرقي، وكانوا يمّنون النفس أن تكون الدوائر الانتخابية للمحافظة أربع بدلاً من ثلاث، بحيث تكون دائرة انتخابية خاصة للمدينة.
ويلفت الغدير إلى أنّ ذلك يحتاج لتعديل في كثير من القوانين الإدارية والتنظيمية وخاصة بما يتعلق بأحياء المدينة وما يتبع لها إدراياً حتى تصبح دائرة انتخابية مستقلة في الاستحقاقات القادمة.
في السياق ذاته، قال أحد أعضاء الهيئة الناخبة، لموقع تلفزيون سوريا، إنّ حل هذا التعقيد بسيط جدّا، وهو فصل دائرة المدينة عن دوائر الريف، وجعل محافظة دير الزور أربع دوائر انتخابيّة بدلا من ثلاث.
عقبات وحلول
تظل دير الزور مدينة ذات تاريخ عريق ونسيج اجتماعي فريد، لكنها تواجه تحديات تتطلب حلولاً مبتكرة لضمان تمثيل عادل وفعال لجميع مكوناتها، وإن فهم التركيبة العشائرية والجغرافية والتاريخ السياسي للمدينة هو الخطوة الأولى نحو بناء مستقبل يعكس تطلعات سكانها ويحافظ على هويتها المتفردة.
ويقترح عدد من المهتمين إعادة النظر في التقسيمات الإدارية، بحيث تكون مبنية على “النواحي” بدلاً من المناطق، فمنطقة دير الزور تضم ست نواحي فضلا عن مركز المدينة، وكل ناحية مقسمة عشائرياً، مما يستدعي ضمان تمثيل عادل لكل منها، كما يُطرح حل آخر يتمثل في تطبيق نظام “الكوتا” أو القوائم الانتخابية، لضمان تمثيل النساء والمدينة والريف بعدد معين، بهدف تعويض ضعف التمثيل الحالي.
وفي هذا السياق، تقول عضو الهيئة الناخبة في دير الزور، الناشطة كنانة الكردي، لموقع تلفزيون سوريا، أن تحقيق مبدأ الكوتا لا يتوقف على النصوص القانونية فحسب، بل يتطلب إرادة سياسية ومجتمعية مشتركة تضمن للمرأة بيئة انتخابية عادلة وداعمة، تمكّنها من تمثيل فعلي وفاعل في مجلس الشعب.
وتضيف أنّه لكي يتقبل المجتمع ظهور المرأة وتمثيلها السياسي بشكل طبيعي وإيجابي، لا بد من تكثيف الجهود التوعوية والتربوية والإعلامية التي تغيّر المفاهيم السائدة وتكرّس مبدأ المساواة في الفرص والمسؤوليات بين الجنسين، كما أنّ المأمول من القيادة السياسية أن يكون لها الدور الأكبر في هذا المسار، وخاصة في محافظة دير الزور، من خلال دعم المبادرات الهادفة إلى تمكين المرأة سياسيًا واجتماعيًا، وإبراز دورها الحقيقي في التنمية وصنع القرار، حتى يصل المجتمع إلى مرحلة المساواة والوعي الكامل بحقوق المرأة ومكانتها في الحياة العامة
بالإضافة إلى ذلك، يقترح ناشطون أن يُفصل مركز المدينة عن ريفها ويصبح دائرتين انتخابيتين، وبذلك تحصل المدينة على تمثيل عادل يراعي تنوّعها المعقّد
ومع أنّ هذا الطرح يؤسّس للقانون يسري في المرحلة المقبلة بعد ثلاثين شهرا، هي مدّة المجلس الحالي بحسب ما نصّ عليه الإعلان الدستوري، إلا أنّ أبناء دير الزور يأملون تصحيح التمثيل الحالي من خلال دراسة دقيقة لأعضاء الثلث الذي سيعيّنه رئيس الجمهوريّة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية