«نبض الخليج»
بدت زيارة وزير العدل السوري مظهر الويس إلى العاصمة اللبنانية بيروت هذا الأسبوع تكريساً للمرحلة الجديدة في العلاقات بين البلدين التي بدأت نظرياً مع سقوط نظام بشار الأسد الاستبدادي وبالتالي تصدع وانهيار الوصاية الإيرانية في لبنان.
وعملياً مع زيارة وزير الخارجية أسعد الشيباني الأسبوع الماضي، والتمهيد لها بقرار دمشق إلغاء المجلس الأعلى السوري اللبناني باعتباره من مظاهر حقبة الاستبداد والوصاية، وتجاهله أي الشيباني زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري الصوت النشاز عن المنظومة الشابة للرئيسين جوزيف عون ونواف سلام باعتباره رمزاً من رموز حقبة الاستبداد الأسدي والوصاية الإيرانية المتصدعة، بينما بات رحيله عن الحياة السياسية حتمياً وقصة وقت، وسؤال “متى لا هل” بظل السيرورة الجديدة في سوريا ولبنان والمنطقة على حد سواء.
إذن، دشّنت زيارة الوزير أسعد الشيباني لبيروت مرحلة جديدة في العلاقات بين سوريا ولبنان كانت قد بدأت نظرياً مع سقوط نظام آل الأسد الذي تعاطى مع لبنان والقضية الفلسطينية وملفات وقضايا المنطقة من منظور مصالح النظام الفئوية والضيّقة، واعتبار بقائه مقدماً على أي مصالح وطنية سورية وقومية عربية بالرغم من تشدقه بالعكس.
ثمة قضايا عالقة من زمن الوصاية واستبداد آل الأسد لا بد من التعاطي معها بشفافية ونزاهة وإزالتها لفتح وتعبيد الطريق أمام علاقات صحية بالمرحلة الجديدة.
في لبنان تحديداً، أدار نظام آل الأسد سياساته وفق ما يعرف بحلف الأقليات الذى كان أساساً من بنات أفكار رئيس الوزراء المؤسس دافيد بن غوريون لتفتيت الدول العربية واحكام قبضة الدولة العبرية على المنطقة كلها، وسعى النظام الساقط لتطبيق الفكرة لبنانياً أولاً مع المسيحيين بحجة حمايتهم من الجبهة الوطنية والثورة الفلسطينية ثم مع الثنائي الشيعي الذى لزمه المقاومة بعد القضاء على المقاومة الوطنية واغتيال العشرات من قادتها بالتوازي مع تسهيل الوصاية الإيرانية على لبنان ثم على نظام الأسد الابن نفسه في سوريا.
في السياق اللبناني لابد من الإشارة الى موقف تاريخي للموحدين العرب المسلمين الدروز الذين تصرفوا بعقلهم الجمعي التاريخي كجزء من الأمة العربية الإسلامية كما عبر عنه قادتهم من شكيب أرسلان وكمال جنبلاط ووحيد البلعوس إلى وليد جنبلاط وليث البلعوس .
بالعموم انتهت سطوة نظام آل الأسد المباشرة نظرياً مع ثورة 14 آذار 2005 الشعبية التي أجبرت جيشه وأجهزته الأمنية على الاندحار من لبنان ولكن مع تلزيم البلد عملياً إلى حزب الله والوصاية الإيرانية وبشراكة ما بينهما حتى اندلاع الثورة السورية على الأقل، وتحت شعارات برّاقة وخادعة منها امتلاك السلطة والهيمنة الطائفية الكاملة على البلاد تحت شعارات الدفاع عن المقاومة والقضية الفلسطينية.
أنهى سقوط نظام الأسد عملياً ورسمياً الحسابات الفئوية والضيقة في سوريا الجديدة لصالح الحسابات والمصالح الوطنية والقومية وبالسياق أنهى كذلك الوصاية الإيرانية في دمشق وبيروت على حد سواء حتى مع زيارة آخر رئيس وزراء في زمن الوصاية نجيب ميقاتي وأول رئيس وزراء سيادي نواف سلام إلى دمشق، إلا أن المرحلة الجديدة في العلاقات بين البلدين انطلقت فعلياً مع زيارة الوزير أسعد الشيباني إلى بيروت في ظل معطيين أساسيين حل ما يسمى المجلس السوري اللبناني الأعلى، لإزالة اثار النظام المستبد الساقط وعدم لقاء نبيه بري باعتباره الذراع والقناع السياسي المركزي للاستبداد والوصاية الايرانية.
وضع الوزير الشيباني جدول أعمال للعلاقات قائم على قواعد الأخوة والجوار والمصالح المشتركة واعتبار سوريا بوابة لبنان إلى العالم العربي والخارجي مع اطلاق عملية إعادة بناء ضخمة بمئات المليارات من الدولارات – 600 إلى 900 مليار دولار – كما قال الرئيس أحمد الشرع منذ أيام ولا بد أن يستفيد منها الأشقاء خاصة الجار لبنان كما قال الرئيس نفسه صراحة في لقائه مع إعلاميين عرب بدمشق نهاية اب أغسطس الماضي.
لكن ثمة قضايا عالقة من زمن الوصاية واستبداد آل الأسد لا بد من التعاطي معها بشفافية ونزاهة وإزالتها لفتح وتعبيد الطريق أمام علاقات صحية بالمرحلة الجديدة وهي التي عمل عليها وزير العدل مظهر الويس في زيارته الحالية علماً أنه رافق الوزير الشيباني بزيارته التأسيسية الأسبوع الماضي.
أول القضايا الحساسة والضاغطة تتمثل بالمعتقلين السوريين في السجون اللبنانية وجلّهم من الثوار المعارض لنظام الأسد واعتقالهم كان نتاجاً لهيمنة حزب الله بدعم قوي من نبيه بري على البلد والقضاء ومرتبط بها ضمان حقوق وودائع المواطنين السوريين في المصارف اللبنانية.
كانت المصالح المشتركة بين البلدين ولا تزال راسخة وسوريا الجديدة ستكون عوناً وسنداً للبنان الجديد بدعم عربي واسلامي ودولي قوى وهو أي لبنان لن يعود أبدا إلى الوراء مع طي صفحة الاستبداد والوصاية حيث لا استخدام ولا هيمنة بقوة السلاح على مفاصل السلطة.
على صلة هناك ملف المعتقلين اللبنانيين المخفيين قسرياً في سجون نظام الأسد كما ملف الاغتيالات لقادة وزعماء ومثقفين معارضين للنظام والوصاية بلبنان والتي تورط فيها حزب الله بشكل مباشر أيضاً باعتباره الذراع الأمني للاستبداد والوصاية منذ عقدين تقريباً ويجري العمل علي اتفاقية للتعاون القضائي تتعاطى مع هذه الملفات وفق أسس العدالة وسيادة البلدين كما قال الوزير الويس حرفياً.
إلى ما سبق يحضر ملف النازحين واللاجئين السوريين في لبنان ضحايا القمع والاستبداد والتهجير المتعمد من نظام الأسد ويجري الترتيب لعودة طوعية وآمنة وكريمة وتدريجية لهم-عاد أكثر من ربع مليون حتى الآن – بعدما زال أساساً سبب تهجيرهم ونزوحهم إثر سقوط النظام غير إن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت والعمل الثنائي والجماعي والأممي بالطبع.
الملف الثالث يتعلق بترسيم الحدود ومكافحة تهريب السلاح والمخدرات الذى كان دوماً بتنسيق كامل بين أجهزة النظام وأذرعه وأدواته في لبنان وهنا أيضا تم قطع مسافة طويلة نحو ضبط الحدود ومنع التهريب بانتظار العمل الهادىء و القانوني والمؤسساتي على ترسيم نهائي للحدود.
في النهاية كانت المصالح المشتركة بين البلدين وما تزال راسخة وسوريا الجديدة ستكون عوناً وسنداً للبنان الجديد بدعم عربي واسلامي ودولي قوى وهو أي لبنان لن يعود أبدا إلى الوراء مع طي صفحة الاستبداد والوصاية حيث لا استخدام ولا هيمنة بقوة السلاح على مفاصل السلطة وتمثل زيارة الوزير الشيباني بكافة حيثياتها ودلالاتها وتداعياتها -كما زيارة زميله الويس- تكريساً أو تطبيقاً عملياً للمرحلة الجديدة والمدخل بل المداخل المناسبة لتصحيح العلاقات والعودة إلى سياقها التاريخي والطبيعي ما قبل الاستبداد والوصاية وسوريا الجديدة حسمت أمرها وقطعت مسافة بل مسافات طويلة وفي شهور قليلة عبر إنجازات هائلة رغم الأجندة المثقلة بظل الدمار والخراب الذى تركه النظام ولا يمكن أن يتخلف لبنان الجديد عن الركب وإذا لم يستفد هذا الأخير من سيرورة بناء ونهوض سوريا على كافة المستويات فسيخسر كثيراً كما قال الرئيس الشرع حرفياً بعدما تسامي عن انخراط حزب الله المؤذي إلى جانب نظام الأسد في جرائمه ضد الثوار والبلد ولكي يستفيد لبنان لا بد من مواكبة جارته وشقيقته والمضي قدماً بسيرورة التحرر من الاستبداد والوصاية وإدارة العلاقات والمصالح الثنائية وفق قواعد الأخوة وحسن الجوار.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية