جدول المحتويات
«نبض الخليج»
نشرت مجلة The New Lines Magazine تقريراً تناولت فيه واقع تجارة المخدرات في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مسلطة الضوء على دور الكبتاغون في الاقتصاد غير المشروع وتأثيره على المجتمع، والجهود المبذولة حالياً لمكافحته.
فيما يلي، يورد موقع تلفزيون سوريا ترجمة كاملة للتقرير كما ورد في المجلة، دون أن يتحمّل مسؤولية ما ورد فيه من معلومات أو مواقف:
في قبو معتم بأحد فنادق دمشق، يجلجل صوت موسيقا التيكنو في الأرجاء، ويتمايل العشرات من الشبان السوريين على أنغامها، بعيداً عن الاضطرابات السياسية التي تعصف في الخارج. وفي خضم صوت القرع العالي، توزع وبكل أريحية حبات بيضاء صغيرة من الكبتاغون، وهو ذلك المنشط الرخيص الذي أصبح مرادفاً لتجارة المخدرات غير المشروعة في سوريا، وهذا ما يذكرنا وبشكل صارخ بالتركة التي خلفها الرئيس المخلوع بشار الأسد، والتي تتمثل بدولة المخدرات، حتى بعد مرور أربعة أشهر على سقوط نظامه.
وصل الكبتاغون إلى كل طبقات المجتمع، فأصبح سلعة رائجة بين مرتادي الحفلات من ذوي النعمة في دمشق، على الرغم من أن الكبتاغون سمي في السابق بمخدر الجهاديين، وذلك بعد أن ارتبط تعاطيه بالمقاتلين خلال الحرب السورية.
يقول حسان البالغ من العمر 32 عاماً: “الجميع هنا يتعاطونه”، ويبرز لنا علبة بلاستيكية صغيرة ملئت بتلك الحبات، ويتابع قوله: “لم ينقطع الكبتاغون منذ سقوط النظام، لأن التاجر الذي أتعامل معه قد خزن كل شيء، كما لم يتغير السعر الذي يعادل خمسين سنتاً للحبة الواحدة”.
خلال حكم الأسد، كانت العلاقة مع السلطة في معظم الأحيان تحمي الحفلات التي يجري خلالها تعاطي المخدرات، فقد كانت الحفلات الصاخبة التي أقامها باسل شوكت، ابن أخت بشار، تحرس على يد موالين للنظام في النوادي الليلية، وهذا ما أوجد ملاذات آمنة أمام عمليتي التعاطي والتوزيع.
إلا أن حكام سوريا الجدد، أعلنوا حربهم على تجارة المخدرات التي ازدهرت أيام نظام الأسد.
ويعلق حسان على ذلك بقوله: “ما نزال نتعاطى المخدرات، إلا أن الأمر أصبح أشد خطورة الآن، لأن السلطات الجديدة أكثر تشدداً، إذ لم يعد من السهل أن تفلت منهم كما كنت تفعل في السابق إن قبضوا عليك متلبساً”.
وعن ذلك يخبرنا أبو أمين وهو أحد أعضاء هيئة تحرير الشام التي قادت الهجوم الذي أسقط الأسد، فيقول: “قبل بضع سنوات، كان هنالك كبتاغون وكانت هنالك تجارة له في إدلب، إلا أن سياستنا في محاربة المخدرات صارمة، إذ يعاقب من يتاجر بها بالحبس المؤبد”، وهيئة تحرير الشام تعهدت بتفكيك شبكات المخدرات.
في الشام الجديدة، وهي ضاحية تقع في شمال غربي دمشق وتسكنها الطبقة الراقية، أصبح مركز مكافحة المخدرات الذي أعيد تأهيله يحمل العلم السوري الجديد، في إشارة إلى ولادة جديدة لهذا المقر الذي استخدمته خلال فترة من الفترات عصابات تخالف القانون تابعة للنظام البائد. وضمن ذلك المبنى تجد حارساً عمره أربعون عاماً، وقد أنيطت بهذا الرجل مهمة تفكيك ما تبقى من المنظومة التي حولت سوريا إلى دولة مخدرات أصبحت لها شهرتها العالمية أيام الأسد.
يحدثنا أبو أمين الذي أصبح اليوم عضواً في فرقة مكافحة المخدرات الجديدة، فيقول: “عندما وصلنا، وجدنا المخدرات في كل مكان، فقد كان الكبتاغون مكدساً بالأكوام التي وصلت إلى السقف، غير أن هذا المكان وهمي، لأن النظام كان يعتقل تجار المخدرات فقط ليصادر ما خزنوه وليبيع تلك البضاعة لغيرهم، فيربح بذلك مرتين”.
“كل الأكشاك تبيع مخدرات”
على مدار سنين، أصبحت سوريا محوراً لتجارة الكبتاغون عالمياً، إذ بإشراف ماهر شقيق الأسد، وفرقته الرابعة سيئة الصيت، أصبحت صناعة الكبتاغون تدر مليارات الدولارات بعد أن ارتبط اسمها بالدائرة المقربة من النظام البائد.
يبعد أحد المقار العسكرية التابعة لماهر مسافة 300 متر فقط عن مركز مكافحة المخدرات، وقد تحول هذا المقر إلى مركز سري لإنتاج وتصنيع الكبتاغون.
توسعت قبضة النظام على تلك التجارة لتشمل الأكشاك المجاورة، حيث كان صغار الباعة يبيعون المخدرات تحت مرأى العين الساهرة لأجهزة المخابرات، ويعلق أحد سكان المنطقة على ذلك، واسمه منصور، فيقول: “إن كل كشك في الشام الجديدة كان يبيع المخدرات، وكلها كانت تتعاون مع النظام، ولهذا عندما سقط النظام القديم، فر معظم أصحاب تلك الأكشاك”.
ويضيف منصور: “كان النظام يشجع على تعاطي الكبتاغون، لأن الشباب المدمنين على المخدرات لا يمثلون أي تهديد، فكلهم بعيدون عن السياسة ولا يعارض أي منهم الحكومة”، ويخبرنا منصور بأن بعض أصدقائه وقعوا في فخ المخدرات، وعن ذلك يحدثنا أبو شادي، وهو بائع خضراوات في منطقة ركن الدين، فيقول: “لقد أغرت فكرة بيع المخدرات الشباب وذلك حتى يتمكنوا من شراء دراجات نارية أو حتى يمضوا سهرات مع حبيباتهم، فكان ذلك أسلوباً للسيطرة على الشعب”.
في هذه المنطقة المعلقة بمنحدرات جبل قاسيون في شمال شرقي دمشق، يتذكر أهاليها كيف استغل النظام ضعفها كسلاح ضدهم فأغرق هذا الحي رغماً عن أهاليه بكوكايين الفقراء كما يسمونه.
يتذكر أحد شبان المنطقة، واسمه حمزة ما جرى معه في هذا السياق، فيقول: “استوقفني رجال الشرطة في الشارع، وفتشوني ثم دسوا المخدرات في جيبي، ولهذا صار علي أن أدفع لهم حتى يتركوني، أما من لم يكن لديه المال فكان يجبر على التعامل معهم”، وقد كانت تلك الممارسة رائجة بحسب ما ذكره شبان أجريت معهم مقابلات من أجل هذه المقالة.
يقول يحيى ضاهر وهو صاحب متجر: “تحول الحي إلى غابة بالنسبة للأهالي، لكنه كان حديقة غناء بالنسبة لإمبراطورية المخدرات التي تتبع لآل الأسد”، ويخبرنا بأنه يحس الآن بأمان أكبر مع السلطات الجديدة.
حزب الله والكبتاغون السوري
ذكر أبو شادي أنه رأى بأم عينه كيف سهل حزب الله ومتطوعون من جيش النظام البائد عمليات الاتجار غير المشروعة خلال فترة الحرب، فقال: “لقد وزعوا أكياساً تحتوي على ما يتراوح ما بين 50-70 حبة على المقاتلين الشباب الموجودين على الجبهات، فبعضهم أخذ تلك الحبوب، وبعضهم باعها في بلده، كما ارتكب كثيرون جرائم حرب عندما كانوا تحت تأثير تلك المواد”.
غير أن عواقب هذه الاستراتيجية القائمة على المخدرات ما تزال موجودة اليوم، إذ يرى غاندي فرح وهو مدير مشفى ابن رشد الحكومي بدمشق بأن البلد يفتقر إلى البنية التحتية المخصصة لمعالجة الإدمان، ويقول: “لدينا 40 سريراً فقط مخصصة للمدمنين الذين باتوا بحاجة للعلاج، ويعتبر الكبتاغون نقطة الانطلاق بالنسبة لبقية أنواع المخدرات، والتي تعتبر أقوى وأخطر وتسبب الإدمان بنسبة أعلى”، وبالنسبة لكثير من الشباب السوري، أصبح السجن بديلاً عن مركز إعادة التأهيل.
يعلق على ذلك اللواء بسام، رئيس مجلس المصالحة بركن الدين، فيقول: “يتعاطى الناس المخدرات ويبيعونها لأسباب اقتصادية، لأن البطالة مرتفعة، ولهذا فإننا نحاول أن نجد عملاً لمن يتاجرون بالمخدرات، كما أننا نستهدف الشباب على وجه الخصوص، وعلى الرغم من قلة الموارد بين أيدينا، نحاول أن نقدم أنشطة رياضية إلى جانب إقامة مركز طبي واجتماعي”. وهذه اللجنة الجديدة المؤلفة من ثوار سابقين شكلت لمحاربة الإدمان على المخدرات، ولهذا يضيف بسام متفائلاً: “شهدنا نسبة هبوط تتراوح ما بين 60-70% في تعاطي المخدرات هنا منذ سقوط الأسد، ما يعني أن الأمل تجدد بالنسبة لمعظم الشبان”.
ولكن، ومن أعلى النقاط في تلك المنطقة، يخبرنا حمزة ورفاقه بشكوكهم حيال ذلك، إذ يقول: “لم يتغير أي شيء، لأن تجار المخدرات ما يزالون يسرحون في الشوارع بعد الساعة الثامنة ليلاً، ليبيعوا الكبتاغون أو الحشيش من دون أي تدخل من قوات الأمن”.
في المناطق الحدودية الغربية بسوريا والقريبة من لبنان، تحدثنا إلى محمود عبد القادر وهو رئيس للفرقة التي تسير دوريات على الحدود، فأشار إلى المباني المنتشرة في الوادي وقال: “إن كل بناء ترونه هو مصنع لإنتاج الكبتاغون”، وقد بنيت بعض المباني التي تشبه المستودعات منذ فترة قريبة، وجميعها لا تبعد أكثر من كيلومتر واحد تقريباً عن الحدود اللبنانية.
كانت المنطقة التي سيطر عليها حزب الله خلال فترة من الفترات محوراً مهماً بالنسبة لاقتصاد المخدرات أيام الأسد، والطريق المؤدي إلى جبال لبنان ما يزال يحمل آثار هذه التركة، إذ ما يزال العلم الأصفر المهترئ الذي يمثل حزب الله مرفوعاً على أحد الأشجار بالقرب من حاجز تفتيش سابق.
يخبرنا عبد القادر وهو يشير إلى التلال المنحدرة من وادي حنا بأنه: “من هنا إلى الحدود، خضعت هذه المنطقة بكاملها لسيطرة حزب الله”.
شهد هذا الممر الاستراتيجي صراعاً ضارياً، إذ في مطلع شهر شباط، شنت قوات هيئة تحرير الشام التي أصبحت جزءاً من التحالف الذي يحكم سوريا الآن، هجوماً لاستعادة هذه المنطقة الواقعة غربي حمص، ولهذا فإن ما خلفته تلك المعركة ظهر واضحاً وضوح الشمس، إذ كانت هنالك دبابة سورية متفحمة تركت على قارعة الطريق، بعد أن دمرها صاروخ مضاد للدبابات أطلقه حزب الله.
يروي لنا أحد الجنود ما جرى بعد أن أخفى وجهه بوشاح فيقول: “استمر القتال لأكثر من عشرة أيام، فانسحبت الميليشيات إلى قمم الجبال، وقصفتنا بصواريخ الهاون وبراجمات الصواريخ”.
في أحد حقول المخدرات التي تركها أصحابها عقب هجوم هيئة تحرير الشام، ما تزال بقايا تلك التجارة غير المشروعة متناثرة على الأرض، وهي عبارة عن أكياس تحتوي على حبوب الكبتاغون طبعت عليها شعارات ورموز تشير إلى جودتها، وأحد تلك الرموز هو عبارة عن هلالين ويعبر عن أعلى جودة، إلى جانب رمز سيارة ليكزس بالنسبة للأكياس متوسطة الحجم، وبالقرب من ذلك نرى علباً تفوح منها رائحة الأسيتون، وهي مادة أساسية لصناعة الكبتاغون، وقد بقيت تلك العلب مفتوحة وسط أكوام من الموازين ودفاتر الحسابات.
تحديات جسيمة
تعهدت السلطات الجديدة في دمشق بتفكيك تلك العمليات وذلك ضمن حملتها الموسعة لاجتثاث الفساد والجريمة اللذين خلفهما نظام الأسد البائد، إلا أن حجم التحدي هنا كبير بالفعل، لأن اقتصاد المخدرات الذي ازدهر أيام الأسد وحزب الله ما يزال متجذراً في المناطق الحدودية بسوريا، بما أن عقوداً من الحرب خلقت بيئة خصبة أمام ازدهار الصناعات المخالفة للقانون.
تشرف بلدة أكوم على وادي حنا وتقع بالقرب من الحدود مع لبنان، لكنها تحملت خلال فترة طويلة تبعات دولة المخدرات في سوريا، إذ تقول سعاد سعد من أهالي تلك البلدة: “عشنا بصورة يومية مع الرائحة السامة التي تبثها مصانع الوادي”.
وعلى مدار سنين، راقب الأهالي سيارات الجيب والشاحنات التي كانت تغطى بالمشمع في معظم الأحيان، وهي تصل إلى مصانع المخدرات السرية الموجودة في المنطقة، ولهذا تقول سعاد: “هناك في الأعلى أقيمت مصانع أخرى كانت الفرقة الرابعة تديرها، ولم يكن بوسعنا أن ننبس بأي شيء عن ذلك، بل كان يجب علينا أن ننأى بأنفسنا عن تلك الممارسات”.
حمل سقوط الأسد الأمل لأهالي أكوم، ولكن سرعان ما تبع ذلك خوف كبير، لأن تجار المخدرات والميليشيات اللبنانية ما يزالون نشطين في هذه المنطقة، وهذا ما دفع الأهالي للمطالبة بحماية عسكرية أكبر من السلطات السورية الجديدة، إذ يقول زهر الدين سعد، 27 عاماً، والذي وصلت إليه تهديدات بعد نشره صورة لأحد زعماء الميليشيات على فيس بوك: “إننا محاطون بتجار المخدرات في هذه الجبال على الدوام”، كما وصلت إليه عبر هاتفه تسجيلات صوتية تتعهد بالانتقام من كل من يقف ضد عودة تجار المخدرات إلى المنطقة.
ما تزال الجهود الساعية لتأمين الحدود تجري على قدم وساق، ولهذا يقول عبد القادر: “أغلقت معظم المعابر الحدودية لقطع طرق التهريب”.
حلقت فوق الرؤوس مسيرة شاهين التي صممها الثوار في إدلب، وذلك لتجري مسحاً للمهربين في تلك المنطقة الوعرة، كما عبرت القوات السورية إلى لبنان لتلاحق الفارين من عناصر الميليشيات قبل أن يختبئوا، وهذا ما سمح للجيش اللبناني باستعادة مناطق لم يتمكن من السيطرة عليها خلال أربعة عشر عاماً.
وعلى الرغم من تلك الجهود، ما تزال التحديات كبيرة، ويعترف بذلك عبد القادر إذ يقول: “هنالك مئات المسارات الآتية من لبنان، ومن الصعب السيطرة على كل شيء”، كما أن قطعته الصغيرة ينقصها العدد اللازم لتسيير دوريات على الحدود التي يبلغ طولها 370 كيلومتراً، وقبل أيام قليلة، فككت القوات السورية مصنعاً للكبتاغون في سرغايا الواقعة جنوباً.
بالنسبة لحزب الله كان سقوط الأسد ضربة موجعة، ليس فقط على الصعيد السياسي، بل أيضاً على الصعيد الاقتصادي، وذلك لأن حزب الله اعتمد على طرق التهريب التي تمر بحمص وتدمر والتي تربطه بحلفائه في العراق وإيران، ومعظم تلك المخدرات كانت ترسل إلى الأسواق الخليجية، وعلى رأسها السعودية، بعد أن تخبأ في مواد مختلفة.
وكانت تلك الطرقات توفر للحزب أموراً أخرى غير المخدرات، إذ عبرها كانت الأسلحة والصواريخ تنقل إلى لبنان، ويحدثنا عن ذلك أبو جعفر وهو فلاح من قرية العقربية السورية ذات الغالبية الشيعية والتي تقع بالقرب من الحدود مع لبنان، حيث كان ملوك المخدرات اللبنانيين، من أمثال نوح زعيتر، يعملون بكل حرية في ظل حكم الأسد، فيقول هذا الرجل: “كان هذا الطريق الذي يمر بوادي حنا مهماً بالنسبة لحزب الله”.
كانت صناعة الكبتاغون أحد أركان اقتصاد سوريا في ظل حكم الأسد، فقد كانت تدر ما قدر بنحو ستة مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2024، أي ما يعادل 80% تقريباً من إنتاج الكبتاغون عالمياً، وذلك بحسب تقديرات الأمم المتحدة. والآن، ما تزال السلطات الجديدة في دمشق تخضع لعقوبات اقتصادية دولية، ولهذا يتعين عليها أن تبحث عن طريقة تساعدها في التعويض عن الخسائر المالية الهائلة التي تحملتها بعد أن تراجعت صناعة الكبتاغون وإنتاجه.
المصدر: The New Lines Magazine
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية