جدول المحتويات
كتب: هاني كمال الدين
في ظل التوترات التجارية المتصاعدة على الساحة العالمية، حذر صندوق النقد الدولي من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة قد تطال عدداً من مناطق العالم، وعلى رأسها جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، جراء السياسات التجارية الجديدة التي تنتهجها الولايات المتحدة، وعلى رأسها فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات.
وصرّح تانوس أرفانيتيس، نائب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، بأن الرسوم الجمركية الأمريكية سيكون لها تأثير مباشر محدود على هذه المناطق، ولكن الآثار غير المباشرة، التي ستتسرب عبر عدة قنوات اقتصادية، تستوجب التحليل والتخطيط، لتجنب أي تداعيات محتملة قد تضر بنمو اقتصادات هذه الدول واستقرارها المالي.
جاءت تصريحات أرفانيتيس خلال مائدة إعلامية نظّمها صندوق النقد الدولي في مقر البنك المركزي الأوزبكي، حيث أجاب عن تساؤلات منصة “ترند” بشأن مدى تأثر دول المنطقة بالرسوم الجديدة.
التأثير المباشر: محدودية الروابط التجارية مع الولايات المتحدة
بحسب أرفانيتيس، فإن التأثير المباشر للرسوم الجمركية الأمريكية على دول جنوب القوقاز وآسيا الوسطى سيكون محدودًا، نظرًا لأن العلاقات التجارية المباشرة لهذه الدول مع الولايات المتحدة ليست عميقة من حيث حجم الصادرات.
وأوضح المسؤول في صندوق النقد أن صادرات النفط والغاز من هذه الدول لا تخضع لتلك الرسوم الأمريكية، ما يُجنّبها الوقوع في دائرة التأثر المباشر. وأضاف أن حجم الصادرات غير النفطية من هذه البلدان إلى الولايات المتحدة يُعد ضئيلاً نسبيًا، وبالتالي فإن الرسوم الجمركية الجديدة – المقدرة بـ10% – لن تكون ذات أثر كبير على اقتصادات هذه الدول بشكل مباشر.
ومع ذلك، فإن محدودية التأثير المباشر لا تعني انعدام التهديدات، إذ أشار المسؤول الدولي إلى أهمية النظر بجدية إلى القنوات غير المباشرة التي قد تسهم في نقل الأزمة من الدول الكبرى إلى اقتصادات المناطق النامية والناشئة.
التأثير غير المباشر: ثلاثة قنوات اقتصادية رئيسية
1. تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي
أول هذه القنوات – بحسب ما أوضحه أرفانيتيس – يتمثل في تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي نتيجة تصاعد التوترات التجارية. هذا التباطؤ سينعكس سلباً على اقتصادات الدول التي تعتبر شركاء تجاريين رئيسيين لجنوب القوقاز وآسيا الوسطى، ما يعني تراجع الطلب الخارجي على صادرات هذه الدول، وبالتالي انخفاض معدلات النمو فيها.
وأشار إلى أن ضعف النمو في اقتصادات الشركاء التجاريين سينتقل بشكل غير مباشر إلى دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، عبر انخفاض الطلب، وتراجع التدفقات الاستثمارية، وتباطؤ التجارة الثنائية.
2. تقلبات الأسواق المالية
أما القناة الثانية فتتمثل في التقلبات التي تشهدها الأسواق المالية العالمية، حيث لا تزال المؤشرات المالية مضطربة في ظل غياب اليقين الاقتصادي. وأكد أرفانيتيس أن هذه التقلبات تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، خاصة بالنسبة للأسواق الناشئة مثل دول المنطقة المعنية.
وأوضح أن الفجوة بين أسعار الفائدة على الديون السيادية في الدول المتقدمة وتلك الخاصة بالدول النامية قد توسعت، ما يزيد من أعباء الدين على هذه الدول ويقلل من قدرتها على تمويل مشروعات التنمية.
3. تقلب أسعار السلع الأساسية
أما القناة الثالثة فتتعلق بأسعار السلع الأساسية، وعلى رأسها النفط والذهب. وبيّن أرفانيتيس أن أسعار النفط شهدت انخفاضاً بنسبة تقارب 15% منذ بداية العام، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا للدول المصدّرة للنفط في المنطقة مثل كازاخستان وأذربيجان، بينما يُعد خبرًا سارًا للدول المستوردة للنفط.
في المقابل، سجّل الذهب ارتفاعًا لافتًا في أسعاره، حيث بلغ مستويات تاريخية. وهذا يُعد فرصة لدول مثل أوزبكستان وغيرها من الدول المنتجة للذهب لتعزيز عائداتها وتعويض جزء من الخسائر الناتجة عن انخفاض أسعار النفط.
الفرص والتحديات: ضرورة تقييم المخاطر بشمولية
أكّد أرفانيتيس على أن التأثير الحقيقي للرسوم الجمركية الأمريكية لا يتوقف عند الحدود التجارية المباشرة، بل يجب أن يُقاس من خلال تداخل عناصر الاقتصاد العالمي وتفاعل الأسواق. وشدد على ضرورة أن تعتمد دول المنطقة تحليلاً شاملاً لتقييم المخاطر التي قد تطرأ من خلال التغييرات في الطلب العالمي، ومستوى ثقة المستثمرين، وتقلب أسعار السلع، وتكاليف الاقتراض.
كما أشار إلى أن حالة عدم اليقين التي أفرزتها السياسات التجارية الأمريكية تدفع إلى اتخاذ سياسات وقائية أكثر مرونة، وتبني استراتيجيات تنويع الصادرات، وتعزيز القدرات الداخلية لمواجهة الصدمات الخارجية.
المفاوضات مستمرة: أمل في تخفيف التصعيد
ورغم التحذيرات التي ساقها صندوق النقد، إلا أن أرفانيتيس ختم تصريحاته بتفاؤل حذر، مشيرًا إلى أن المفاوضات التجارية لا تزال جارية، وهناك جهود دبلوماسية مستمرة لإيجاد حلول طويلة الأمد تُخفف من حدة التوتر التجاري القائم.
وأكد أن التوصل إلى اتفاقيات تجارية مستقرة من شأنه أن يُسهم في تهدئة الأسواق واستعادة الثقة، ما سينعكس إيجابًا على الدول النامية والناشئة التي لطالما كانت الأكثر عرضة لارتدادات الأزمات الكبرى.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر