جدول المحتويات
«نبض الخليج»
في سوريا الخارجة تدريجياً من أتون حرب مدمرة استمرت نحو 14 عاماً، يعمل ناشطون ومواطنون سوريون على مبادرات غير مسبوقة لحفظ الذاكرة الجمعية لانتفاضتهم ضد النظام المخلوع.
وتتمحور هذه الجهود حول توثيق الرموز المادية والمعنوية للثورة، بما في ذلك الملصقات واللافتات وأدوات القمع، بل وحتى أقسام كاملة من سجون استخدمها النظام لقمع معارضيه، بحسب ما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير موسّع نُشر اليوم الجمعة.
من الألم إلى الأثر.. صيدنايا نموذجاً
معتصم عبد الستار، المعتقل السابق في سجن صيدنايا سيئ السمعة، يقود إحدى أبرز هذه المبادرات ضمن “رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا”.
عبد الستار، الذي قضى سنوات في الزنازين المظلمة، يسعى الآن إلى توثيق أدق تفاصيل ما جرى خلف القضبان، من أسماء الضحايا، إلى الرسائل التي خُطّت على الجدران، إلى الأدوات التي استخدمها السجّانون في التعذيب.
وقال للصحيفة: “قد يقول البعض إن علينا نسيان هذه المشاهد. لكنني لا أريد أن أنسى. يجب أن تتحول هذه الأشياء إلى ذكرى للأيام القادمة حتى لا تتكرر، لا في سوريا، ولا في أي بلد في العالم”.
وأضاف أنه يحتفظ حتى بالمشانق التي استُخدمت في تنفيذ الإعدامات، ويرى فيها “وثائق لا تقدّر بثمن”.
الفن كشاهد على الكرامة
لا تقتصر جهود التوثيق على ما جرى في السجون، بل تشمل أيضاً ما ظهر في الشوارع خلال السنوات الأولى للثورة من شعارات ورسومات وكتابات على الجدران، والتي كانت تُعد في بدايتها سلاحاً سلمياً لمواجهة نظام قمعي.
منظمة “الذاكرة الإبداعية”، التي أسستها المصممة الغرافيكية سنا يازجي بعد فرارها من دمشق إلى بيروت في عام 2013، تُعنى بجمع الملصقات والأغاني والرسومات التي نشأت خلال الانتفاضة، والتي رأت فيها “ذاكرة شعب محرومة من حق التذكر”. تقول يازجي في تصريحها للصحيفة: “كسوريين تحت حكم عائلة الأسد، كنا ممنوعين من التذكّر”.
وتعرض العديد من هذه الأعمال الفنية للحذف والتشويه من قبل قوات النظام، لكن الناشطين تمكنوا من إنقاذ الآلاف منها وتحويلها إلى أرشيف رقمي ومعارض فنية.
اللافتات التي لم تُقصف
واحدة من أكثر القصص إثارة جاءت من مدينة كفرنبل، التي اشتهرت بلافتاتها الساخرة والذكية التي كانت تُرفع كل جمعة في مظاهرات المدينة. مع بدء هجوم قوات النظام على إدلب في أيار/مايو 2019، اضطر السكان إلى الفرار، وتركوا خلفهم مئات اللافتات التي وثّقت مرحلة مفصلية من الثورة.
عبد الله السلوم، أحد أعضاء مركز كفرنبل الإعلامي، أخبر “نيويورك تايمز” كيف عاد تحت وابل القصف فجراً لإنقاذ اللافتات المحفوظة، قائلاً: “النظام كان يتهمنا بفبركة المظاهرات، هذه اللافتات كانت الدليل على حقيقتها”. ورغم القصف الذي طال المركز الإعلامي، نجت اللافتات لأنها كانت مخزّنة تحت لفافات من العشب الصناعي.
من التوثيق إلى المحاسبة
ربط التقرير بين هذه الجهود التوثيقية وبين إمكانية استخدامها مستقبلاً في محاكمات جنائية أو عمليات تحقيق دولية لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، في حين تم جمع آلاف الوثائق والأجهزة الإلكترونية من مقار حكومية بعد سقوط النظام، في مسعى لتوثيق هيكلية القمع من الداخل.
كما ترى الصحيفة أن ما يُبذل اليوم يعكس إدراكاً سورياً متنامياً لأهمية الذاكرة كأداة للمساءلة والمصالحة، بدلاً من دفن الماضي كما حدث في مجازر سابقة مثل مجزرة حماة عام 1982، التي تم طمسها لعقود تحت دعاوى “محاربة الإرهاب”.
رسالة الثورة السورية لم تُمحَ
معارض فنية، مثل “البداية” الذي نُظم في دمشق مؤخراً، أعادت تسليط الضوء على البدايات السلمية للثورة السورية، بعيدًا عن مشهد السلاح والخراب.
تقول منظمة المعرض صفانة بقلَه: “الناس يتذكرون فقط أن التحرر حصل بالسلاح، وهذا مهم، لكننا نسينا كيف بدأ كل شيء”.
التقرير ينتهي برسالة مفادها أن السوريين، رغم ما خسروا، لم يسمحوا للتاريخ أن يُكتب من طرف واحد، بل يسعون، بلا كلل، لحفظ الحقيقة، بكل أبعادها المؤلمة والملهمة، كي لا تتحول ثورتهم إلى مجرد هامش في كتب التاريخ.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية