جدول المحتويات
«نبض الخليج»
كان الهدف من هذا التقرير تسليط الضوء على قالب الكيك الشهير بمجسم “الطيارة”، الذي انتشر مؤخراً في سوريا وأصبح رمزاً لعودة الغائبين. لكن في أثناء تتبعنا لفكرته وطريقة صنعه، اكتشفنا ما هو أهم: “من يصنعه؟”.
هناك في سوريا.. فتيات غيّرن وجه الحياة، كسرن المألوف وحققن أحلامهن، وأبدعن في إطلاق مشاريعهن في عمر مبكر، اليوم سوريا الجديدة بكل ما فيها، فيها أيضاً شابات جُدد، مبدعات وقادرات على الإنتاج.
في هذا التقرير قصتان لغنى من حلب، وتالا من جبلة، يربط بينهما الشغف وتحقيق الحلم في عمر مبكر.
لم يخطر في بال غنى السيد أحمد ذات الخمس سنوات عندما كانت تلحق بأمها إلى المطبخ، لتراقب حركاتها وتحلم بتجريب ما حفظته، أن شغفها سيقودها لتصبح شيف يوماً ما، أو أنها ستدرس الحقوق، لتقع اليوم في حيرة بين الشغف والاختصاص، بعد أن تربع تفكيرها على كفتي ميزان عدل، تميل إحداهما نحو الحقوق تارةً، والأخرى نحو شغف الطهي تارةً أخرى.
في عمر العاشرة بدأت بتجريب وصفات بسيطة بعد متابعة بعض قنوات اليوتيوب، خصوصاً تلك التي تعنى بصناعة الكيك. تقول غنى “لاحظت منذ ذلك الوقت ميلي لفن صناعة الكيك والحلويات بشكل عام”.
وبعمر الرابعة عشرة، انتقلت لتجريب وصفات باردة مثل التشيز كيك والتيراميسو، وكانت دائماً تخرج بنتائج متقنة، لاقت تشجيعاً من محيطها.
“كبكبت كبة” في سن الرابعة
تقول والدتها على سبيل التندّر “حين كانت غنى في سن الرابعة، أصرّت على مساعدتي في تحضير الكبة قبل العيد، أدهشني إتقانها رغم صغر سنها، لكن حرارتها ارتفعت فجأة، وحين سألها الطبيب عن السبب، أجابت: والله ما عملت شي، بس كبكبت كبة مع ماما”.
مع الوقت، واصلت غنى التجربة والمغامرة مستفيدة من العطل وأوقات الفراغ، حتى أنهت الثانوية وقررت أن تطوّر نفسها في هذا المجال. تقول “كان أهلي يرسلون لي روابط لوصفات أجربها، وكنت أدهشهم دائماً بالنتائج”.
ذلك الدعم شجّعها على خطوة أكبر: إطلاق مشروعها الخاص، فعرضت منتجاتها على وسائل التواصل من دون إعلان رسمي، تقول غنى “اقتنيت معدات الكيك بدافع الحب والشغف، لم أكن أعرف حتى أسماءها أو طرق استخدامها”.
وتضيف “كنت أنشر صور الكيك فقط، لكن التفاعل الكبير شجّعني على إطلاق مشروعي الخاص”.
“غنى بون بون”
اختارت غنى دراسة الحقوق بتشجيع من أهلها، على أن تطور موهبتها بالتزامن مع ذلك من خلال الخضوع لبعض الكورسات الخاصة والمتخصصة في المجال، لتدخل منذ ذلك الحين، عالم الحقوق أكاديمياً وعالم الكيك مهنياً في آنٍ معاً.
تقول غنى “كنت آمل أن يكون في بلدنا تخصصاً أكاديمياً في صناعة الحلويات، فما كنت ترددت أبداً في دراسته”.
اجتازت أول دورة في صناعة الكيك بنجاح، لتفتح أمامها طريقاً جديداً في التدريب وتطوير المهارة، تعمّقت في أصناف الحلويات الغربية وأتقنتها، وبدأت تحلم بمشروع احترافي يوازي طموحها.
عند بلوغها الثامنة عشرة، التحقت غنى بدورة تصميم الكيكات المجسّمة، واضعة أولى خطواتها على طريق الإنجاز الحقيقي.
قبل نهاية عامها الجامعي الأول، كانت قد أنهت جميع الكورسات المتخصصة في الحلويات الغربية، وأطلقت مشروعها تحت اسم “غنى بون بون”، متلقية طلبات متزايدة فاقت توقعاتها.
تقول غنى إنها لم تتخيل أن يتحول شغف الطفولة إلى مصدر دخل بهذه السرعة، لاحقاً.. وسّعت مهاراتها بإتمام دورة متخصصة في الحلويات الشرقية أيضاً.
تحب غنى مشروعها وتجد فيه متنفساً من ضغوط الحياة، رغم صعوبته، إذ يتطلب دقة وتركيزاً وعناية بجميع التفاصيل. لكنها ترى أن “حلاوة الإنجاز تُذلل تلك الصعوبات”.
الطلب، كما تقول، لا يتوقف على مدار العام، ويتركّز في مناسبات كالنجاح والخطوبة وأعياد الميلاد، في حين يبلغ ذروته في الأعياد، وعلى رأسها عيد الأم، عيد المعلم، عيد الحب، ورأس السنة.
انطلاقة جديدة مع التحرير
تستعيد غنى فترة ما قبل تحرير سوريا، عندما ارتفعت أسعار المواد بشكل كبير، ودخل عدد كبير من النساء مجال صناعة الحلويات المنزلية.
تقول “لجأ البعض للأسف إلى استخدام مواد تجارية أقل سعراً وبجودة ضعيفة، لكنني تمسكت بالحفاظ على جودة المنتج ونكهته المميزة، ما تسبب في تراجع الطلب على منتجاتي آنذاك”.
وتضيف أنه “بعد التحرير، مع عودة توفر المواد عالية الجودة بأسعار أقل بكثير قياساً بالسابق، وازدياد الطلب، شعرت أن حلمي بات أقرب للتحقق”.
وتشير إلى أن عودة المغتربين عززت الطلب على الحلويات الشرقية والغربية، وخاصة “كيكة التحرير” و”كيكة عودة المغترب” ذات مجسم الطيارة، التي أصبحت رمزاً لعودة الغائب ولاقت رواجاً واسعاً مؤخراً.
الحلوى أم ميزان العدل
عهدت غنى على نفسها أن توازن بين شغفها ودراستها، ما يجعلها تتوقف عن استلام الطلبات في أثناء فترة الامتحانات.
تقول إن “الفضل الأول والأخير لأمي، التي تساعدني في التنظيم وتحضير الأدوات، وأختي التي تساندني في تصميم الكيك”.
تقف غنى اليوم على أعتاب التخرج، غير حاسمة بعد إلى أي كفة سيميل ميزانها: الشغف الذي تحب، أم الحقوق التي تمثل واجباً. تقول “أرسم هدفي وأحلم بتحقيقه، في مخيلتي ميزان العدل، أجلس على إحدى كفتيه بلباس الشيف، وعلى الأخرى طالبة بثوب المحاماة، أشعر أن كفة الشغف سترجح”.
وتضيف غنى أنه “بعد التحرير والسكينة التي نعيشها، أشعر أن لكل منا فرصة لتحقيق حلمه في سوريا الجديدة، فأنا مثلاً أحلم بمشروع مدروس يبدأ بمحلي الصغير لبيع الحلويات، ويقصدني فيه زبائني الذين أحبهم واعتدت عليهم”.
“مطبخ تالا”
أطلقت تالا الدرويش، البالغة من العمر 17 عاماً، مشروعها “مطبخ تالا” منذ حوالي الشهر، أي قبل شهرين من امتحانات الثانوية العامة. لم يكن الشغف وحده دافعها، بل رغبتها في دعم أسرتها والمساهمة في تغطية مصاريف دراستها الجامعية القادمة.
تقول تالا إن “هدفي دخول الجامعة، وأطمح لمساعدة والدي في مصاريفها من خلال عملي في هذا المشروع الذي أحبّه، خاصة أنني أنوي دراسة الفندقية لتطوير مهاراتي”.
تعود أصولها إلى مدينة الرقة، لكنها نزحت مع عائلتها إلى جبلة في سن الخامسة. اعتادت منذ طفولتها مراقبة والدتها في المطبخ، وبدأت تجربة وصفات متنوعة منذ سن الرابعة عشرة، لاقت استحساناً من محيطها.
توضح تالا أن “أمي كانت معلمتي الأولى، إلى جانب متابعتي للسوشال ميديا التي عرّفتني على أطباق من ثقافات مختلفة”.
اشتهرت تالا بين أقاربها وأصدقائها بتحضير طبق اليالنجي (ورق العنب المطهو بزيت الزيتون)، حيث تحضّره دائماً في مناسباتهم، وفي إحدى المرات، اقترحت صديقتها بيعه بدلاً من تقديمه هدية.
تقول إن الفكرة “لمعت وبدأت تتبلور، فقررت إطلاق مشروعي، ليكون الأول من نوعه لفتاة شابة في جبلة”. ولم تقتصر على اليالنجي فقط، بل أضافت المعجنات والحلويات والسلطات إلى قائمة منتجاتها.
حماس يكلّل بالدعم
تحظى تالا بدعم كبير من محيطها، خصوصاً صديقاتها اللاتي يشاركنها حماس تطوير المشروع. تقول رند، إحدى صديقاتها “نحن مع تالا يداً بيد، ونقترح دائماً أفكاراً جديدة تدعم نجاح المشروع، ونحن أول الزبائن”.
تعبر تالا عن رضاها المبدئي بالعائد المادي، مع إدراكها لصعوبة البداية، قائلة “أقدّر التحديات التي تواجهني، لكنني واثقة أن الإصرار والاستمرار سيحققان الأفضل”.
سوريا المليئة بالمفاجآت
يرى محمد، صاحب مكتب “يلا دليفري” لتوصيل الطلبات في جبلة، أن نجاح هذه المشاريع الصغيرة يعتمد بشكل كبير على دعم المجتمع المحيط والإعلام معاً، لتحفيز الشابات على إثبات قدراتهن في سوريا جديدة مليئة بالمفاجآت.
كما يؤكد محمد أن كسب ثقة الزبائن هو الأساس، مشيراً إلى أن الاستمرارية والعمل الجاد هما السبيل لتحقيق النجاح الحقيقي.
ويشير محمد إلى أنه “بدعمنا كبيئة حاضنة، إلى جانب دور الإعلام في تسليط الضوء على هذه المشاريع، ستلقى صدى واسعاً في سوريا القادمة، نأمل أن يكون القادم دائماً أجمل”.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية