«نبض الخليج»
في أول عيد أضحى له سيحضره في مدينته السويداء منذ ثماني سنوات، يتحدث فراس وقد اختلطت عليه المشاعر بفرح طال انتظاره وحيرة قرار العودة النهائي إلى والدته التي تنتظر وحيدها بفارغ الصبر.
بعد سنوات من الغياب قضاها في ألمانيا هربًا من نظام الأسد، سيعود هذا العام ليشهد عيد الأضحى بين أهله في مدينة يشعر أنها وُلِدت من جديد بعد التحرير، واصفًا المناسبة بأنها “رمزية كبرى تعني لي أن الوطن لا يموت”.
وإلى دمشق، كانت سماح أيضا تستعد لأول عيد أضحى لها بين عائلتها بعد أن نالت الجنسية الألمانية. تقول سماح لموقع تلفزيون سوريا، إنها لم تتمكن من حضور عيد الفطر السابق، لكن هذه المرة “العيد له طعم آخر.. طعم الوطن”، وتدرس سماح الهندسة الميكانيكية في الجامعة التقنية في برلين، وتحلم بالتخرج سريعا والعودة للعيش بشكل دائم مع أهلها في سوريا.
شارع العرب ينبض بالحياة
وفي برلين، ارتفعت مبيعات محال الحلويات السورية، خصوصًا في شارع العرب بمنطقة نويكولن. بحسب أبو عبدو، صاحب أحد المحال، فإن مبيعات العيد هذا العام كانت الأعلى منذ سنوات. ويضيف لموقع تلفزيون سوريا: “الناس يشعرون بالفرح وكأنه كل يوم هو يوم نصر وتحرير.. السوريون يوزعون الحلويات على جيرانهم من باقي الجنسيات العربية وحتى الألمان، وكأنهم لا يكفيهم أن يعيشوا النصر بمفردهم بل يشاركونه مع الجميع”.
طقوس الأضحية باقية رغم الغربة
من جهة أخرى، يحافظ السوريون في ألمانيا على طقوسهم الدينية والاجتماعية. أحمد، شاب سوري يعيش في برلين، يقول إنه مع أصدقائه يؤدون صلاة العيد في مسجد السلام وسط برلين، ثم يذهبون إلى إحدى الحدائق العامة حيث يتهادون لحوم الأضاحي ويقيمون حفلات الشواء في الحدائق المخصصة لهذا الغرض “نحن نضحي هنا أيضًا.. نحافظ على شعائرنا بكل حب واحترام”.
العيد في عيون الجيل الجديد
لارا، تلميذة سورية في الصف الخامس، تستعد للاحتفال بعيد الأضحى مع عائلتها في برلين. ورغم أن العيد يصادف يوم الجمعة أي يوم دراسي، فإن المدرسة منحتها الحق في التغيب احترامًا للمناسبة الدينية. تقول والدتها: “هنا في ألمانيا يُحترم التنوع الديني، والمدارس تعترف بحق الطلاب المسلمين بالاحتفال بأعيادهم”. هذا التقدير يمنح العيد طابعًا أكثر دفئًا لدى العائلات السورية التي تسعى للحفاظ على تقاليدها رغم الغربة.
وتُقام صلاة عيد الأضحى في عشرات المصليات والمساجد المنتشرة في برلين، وتفتح أبوابها منذ ساعات الصباح الأولى لاستقبال المصلين من مختلف الجنسيات الإسلامية، حيث تتحول شوارع كاملة في بعض الأحياء، كـ”نويكولن” و”كرويتسبيرغ”، إلى فضاءات احتفالية وروحانية. وتشير بعض التقديرات غير الرسمية إلى أن عدد المصليات التي تستضيف صلاة العيد في برلين يتجاوز 50 مصلى، ما يعكس حجم الجالية الإسلامية وخصوصًا السورية فيها.
ولطالما ارتبط عيد الأضحى في سوريا بالعائلة، والصلاة، وصوت تكبيرات العيد التي تملأ المساجد والشوارع. كانت الأسواق تزدحم بالمواطنين في الأيام الأخيرة قبيل العيد، فيما تنتشر محال الحلاقة والحلويات، ويشترى الأطفال الملابس الجديدة، وتُذبح الأضاحي قرب المنازل أو في المسالخ المحلية.
اليوم، يحاول السوريون في المهجر أن يعيدوا خلق هذه الأجواء، رغم بعد المسافات. بين برلين ودمشق، وبين السويداء وحلب، تتنقل مشاعر الفرح والحنين والاحتفال، وتحمل معها صورة وطنٍ لا يموت في قلوب أبنائه.
يشار إلى أنه ومنذ وصول أول موجات اللاجئين السوريين إلى ألمانيا عام 2014، بدأ السوريون يشقّون طريقهم في المجتمع الألماني بخطى ثابتة. وفق إحصاءات الحكومة الألمانية، تجاوز عدد السوريين المقيمين في البلاد 900 ألف شخص، أغلبهم في سن الدراسة والعمل -مع الأخذ بالاعتبار أن كل من تجنس من السوريين بات يعامل إحصائيا كمواطن ألماني- ونسبة اندماجهم مرتفعة مقارنة بجاليات أخرى.
كما حقق كثير من السوريين نجاحات ملحوظة، خاصة في قطاعي التعليم والعمل، وتشير بيانات وزارة التعليم الألمانية إلى ارتفاع كبير في أعداد الطلاب السوريين في الجامعات والمعاهد التقنية، كما أن آلاف السوريين حصلوا على مؤهلات مهنية وتمكنوا من دخول سوق العمل في مجالات متنوعة مثل الصحة، والهندسة، والميكانيك، وتكنولوجيا المعلومات، والتجارة.
ويُنظر إلى الجالية السورية اليوم كواحدة من أكثر الجاليات ديناميكية وتأثيرًا في ألمانيا، حيث جمعت بين المحافظة على الهوية الثقافية والاندماج البنّاء في المجتمع المضيف.
شارك هذا المقال
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية