جدول المحتويات
«نبض الخليج»
بعد تفجير دموي استهدف كنيسة مار إلياس على أطراف العاصمة السورية، بدأت مخاوف السوريين المسيحيين في البلاد تتزايد من موجة نزوح جديدة.
وبحسب تقرير لوكالة “أسوشيتد برس”، فقد خرج مئات المسيحيين في دمشق بمظاهرات غاضبة تندد بوجود المقاتلين الأجانب، بعد يوم واحد من التفجير “الانتحاري” الذي أودى بحياة 25 شخصاً على الأقل في 22 حزيران الماضي.
وتشير الوكالة إلى أن هذا الهجوم، الذي لم تُحسم الجهة المسؤولة عنه بعد، يعكس واقعاً مقلقاً تعيشه الأقليات الدينية في سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة فصائل مسلحة ذات توجهات إسلامية متشددة، على حد تعبيرها. وفي ظل تغاضي السلطات الجديدة عن بعض الانتهاكات، بل وترقية مقاتلين أجانب إلى مناصب عليا، يبدو أن التساؤلات حول مستقبل المسيحيين، بل ومستقبل التنوع الديني في سوريا، باتت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وفق الوكالة.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع الأمن في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الصحيفة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
بعد يوم على التفجير الانتحاري المدمر الذي وقع خلال الشهر الماضي في كنيسة تقع على تخوم العاصمة السورية، خرج مئات المسيحيين بدمشق في مظاهرات منددة بوجود المقاتلين الأجانب في بلدهم، مطالبين برحيلهم عن سوريا.
أسفر الهجوم على كنيسة مار إلياس الذي نفذ في 22 حزيران عن مقتل 25 شخصاً على الأقل، فضلاً عن جرح العشرات، ليكون أحدث واقعة دقت ناقوس الخطر بالنسبة للأقليات الدينية التي أعلنت أنها تحملت الضربة تلو الأخرى عقب إزاحة بشار الأسد عن السلطة في كانون الأول الماضي.
واليوم تسيطر على البلد فصائل مقاتلة إسلامية تقودها هيئة تحرير الشام التي ترأسها الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، وفي الوقت الذي تدين فيه الحكومة السورية الجديدة كل الهجمات التي تستهدف الأقليات، يتهمها كثيرون بأنها تغض الطرف عن تلك الهجمات أو بالعجز عن السيطرة على الفصائل المسلحة التي تحاول استيعابها ضمن صفوفها.
وهنالك آلاف المقاتلين الأجانب في صفوف تلك الجماعات، يحمل معظمهم عقيدة دينية متشددة للغاية مقارنة بنظرائهم من السوريين، وفي خطوة غير مسبوقة، عمد الشرع منذ وصوله إلى السلطة إلى ترقية ستة من المقاتلين الأجانب، فوصل بعضهم إلى رتبة عميد في الجيش.
غير أن طريقة تعاطي حكام سوريا الجدد مع الأقليات إلى جانب قضية وجود المقاتلين الأجانب في سوريا يخضعان لمراقبة عن كثب من الولايات المتحدة وغيرها من الدول والجهات الساعية لرفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ أمد بعيد.
تخوف من نزوح مسيحي جماعي
وصفت أعلى سلطة لطائفة الروم الأرثوذوكس في سوريا تفجير الكنيسة بأسوأ جريمة ارتكبت بحق المسيحيين في دمشق منذ عام 1860، وذلك عندما تعرض الآلاف منهم لمجازر ارتكبها مسلمون نفذوا هجمات على مدار أيام بحق المسيحيين.
وبعد أسبوعين على هجوم الكنيسة، لم يتضح بعد من كان وراء هذا التفجير، فقد أنحت الحكومة باللائمة على جماعة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرفة، بيد أن هذه الأخيرة لم تعلن مسؤوليتها عن الحادث كما تفعل عادة، بل إن جماعة صغيرة تعرف باسم سرايا أنصار السنة أعلنت أن فرداً من أفرادها نفذ هذا الهجوم، غير أن الحكومة وصفت تلك الجماعة بأنها ليست أكثر من واجهة لتنظيم الدولة.
ثم تعهد الشرع بمحاسبة من كان خلف التفجير ودعا إلى الوحدة الوطنية في مواجهة “الظلم والإجرام”.
غير أن الغضب عصف بمعظم المسيحيين السوريين بعد أن شهدوا رد فعل غير كاف من الحكومة، وخاصة بعد إحجام المسؤولين عن وصف القتلى بالشهداء، ما يعني حرمانهم من هذا اللقب التشريفي فقط لأنهم غير مسلمين.
كما أثار هذا الهجوم مخاوف من حدوث نزوح جماعي للمسيحيين فيما يشبه ما حدث في العراق بعد سقوط صدام حسين في 2003 وتصاعد العنف الطائفي في ذلك البلد.
يعلق على ذلك كميل صباغ الذي بقي في سوريا طوال فترة النزاع الذي بدأ في عام 2011، وذلك عندما قمع الأسد المظاهرات المناهضة للنظام فتطورت الأمور إلى حرب، فيقول: “أحب سوريا وأحب أن أبقى هنا، ولهذا نأمل ألا يجبرونا على الرحيل”، إذ شهدت سوريا خلال سنوات الفوضى التي عمت البلد صعود تنظيم الدولة الذي ما تزال خلاياه النائمة تنفذ هجمات عنيفة في سوريا.
يذكر أن آلاف المسيحيين رحلوا عن سوريا خلال فترة الحرب وذلك بعد استهداف المسيحيين بهجمات نفذها مقاتلون، وكان من بين تلك الأحداث حوادث خطف طالت راهبات وقساوسة إلى جانب تدمير كنائس، ولهذا يعتقد بعض القساوسة بأن ثلث مسيحيي سوريا رحلوا عن البلد، إذ قال بطريرك أنطاكية للروم الأرثوذوكس، يوحنا العاشر يازجي: “إننا مكون أساسي في هذا البلد وسنبقى” وذلك خلال الجناز الذي أقيم للضحايا الذين قضوا في تفجير الكنيسة، وفي كلامه إشارة واضحة إلى تخوف المسيحيين من اضطرارهم إلى الرحيل.
أسلمة سوريا
يشكل المسيحيون 10% من سكان سوريا الذين وصل تعدادهم إلى 23 مليوناً قبل الحرب، وكانوا يتمتعون بحرية العبادة في ظل حكم الأسد، بل إن بعضهم وصلوا إلى مناصب رفيعة لدى حكومته.
وفي بداية الأمر، أبدى معظم المسيحيين رغبة في إعطاء السلطات الجديدة فرصة، ففي مسح شمل البلد أجرته مؤسسة إيتانا البحثية المحلية في شهر أيار الماضي، تبين بأن 85% من السنة أعلنوا بأنهم يشعرون بالأمان في ظل حكم السلطات الحالية، مقارنة بـ21% من العلويين و18% من الدروز، وذلك بعد أن نسبت للجماعات المقاتلة مسؤولية عمليات القتل الانتقامية التي نفذت بحق الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد والتي وقعت في شهر آذار الماضي، فضلاً عن مسؤوليتها عن الاشتباكات التي وقعت مع المقاتلين الدروز بعد مرور أسابيع على تلك الأحداث.
في حين أن المسيحيين حققوا نسبة تعتبر وسطاً في تلك الاستبانة، وذلك بعد أن أعرب 45% منهم بأنهم يحسون بالأمان في ظل حكم السلطات الجديدة.
بعد لقاء جمعه منذ فترة قريبة بالزعماء الروحيين، أعلن السياسي أيمن عبد النور أن: “حجم المخاوف بين المسيحيين قد زاد” الآن، وذكر بأنهم أخبروه بأن معظم المسيحيين قد يجدون في الرحيل الحل الوحيد.
يذكر أن هذا التفجير وقع في وقت بدأ المسيحيون يلاحظون تزايد المؤشرات التي تدل على أسلمة البلد.
إذ في بعض الأحياء المسيحية، أخذ مبشرون إسلاميون يسيرون في الشوارع ترافقهم مكبرات للصوت وصاروا يطالبون الناس باعتناق الإسلام، وخلال الشهر الماضي، أعلنت السلطات السورية فرض ارتداء البوركيني على النساء في أثناء السباحة إلا في المنتجعات الراقية. كما تعرض رجال ونساء للضرب على يد مسلحين ملتحين في أثناء استمتاعهم في الحفلات المقامة في نوادي دمشق الليلية.
واليوم، لا يوجد سوى امرأة واحدة، ومسيحية واحدة ضمن تشكيلة الحكومة المؤلفة من 23 وزارة، وهي هند قبوات التي تشغل منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل.
يخبرنا أحد المسيحيين، وهو شخص تحدث بشرط عدم الكشف عن اسمه خوفاً من تعرضه لعواقب أمنية، بأنه قدم طلباً للهجرة إلى كندا أو أستراليا.
البقاء متاح أمام كثير من المقاتلين الأجانب
أعلنت وزارة الداخلية أن منفذ الهجوم على الكنيسة ليس بسوري، وأنه كان يقيم في مخيم الهول شمال شرقي سوريا، حيث تحتجز آلاف العائلات التي تتبع لمقاتلي تنظيم الدولة، منذ هزيمة المتطرفين في عام 2019.
بيد أن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً والتي تسيطر على هذا المخيم أعلنت أن التحقيقات كشفت أن الشخص الذي نفذ الهجوم لم يأت من مخيم الهول على الإطلاق.
وبعد مرور أيام على ذلك، خرج العشرات من المسيحيين السوريين في مظاهرة بالقرب من موقع التفجير وأخذوا يهتفون: “سوريا حرة حرة، الإرهابي يطلع برا”.
خلال الحرب السورية، وصل الآلاف من المقاتلين الأجانب القادمين من أكثر من 80 دولة للمشاركة في المعارك ضد الأسد الذي دعمته إيران والتي تعتبر من القوى الشيعية في المنطقة، فضلاً عن دعم أذرعها له، وروسيا التي وقفت بجانبه. وقد لعب هؤلاء المقاتلين دوراً مهماً في القضاء على حكم آل الأسد الذي امتد لأربعة وخمسين عاماً، بعد أن اعتبروا حربهم عليه بمنزلة حرب مقدسة.
وبعد أيام من سقوط الأسد، توجه الشرع بالشكر لستة مقاتلين أجانب وذلك عبر ترقيتهم لمناصب عمداء وعقداء في الجيش، وبينهم مصري وأردني، فضلاً عن الألباني عبد السمريز الجشاري الذي صنفته الولايات المتحدة كإرهابي في عام 2016 نظراً لانتمائه إلى فرع تنظيم القاعدة في سوريا.
ومن بين الجماعات التي تتمتع بنفوذ واسع في سوريا بعد سقوط الأسد هنالك الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا ومعظمه من المسلمين الصينيين، وجماعة جند الشام، ومعظمها من المسلحين الشيشانيين، وجماعة أجناد القوقاز ومعظم مقاتليها الإسلاميين أتوا من الدول التي كانت في السابق تتبع للاتحاد السوفييتي.
غير أن الشرع ذكر أن معظم المقاتلين الأجانب قد تزوجوا من سوريات ولهذا بوسعهم أن يحصلوا على الجنسية السورية في نهاية المطاف، من دون أن يلمح إلى أي احتمال يفيد بمطالبتهم بالرحيل عن البلد.
ولهذا، وخلال الشهر الفائت، ومن خلال دراسة أجراها عن المقاتلين الأجانب في سوريا، حذر مركز ريكون جيوبوليتيكس البحثي الكائن في بيروت من احتمال تطور الأمور إلى الأسوأ، وأعلن مؤسس هذا المركز، واسمه فراس الشوفي، بأن: “الوقت ليس لصالح السوريين”.
المصدر: The Associated Press
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية