«نبض الخليج»
أعاد انهيار سقف “دار السرايا” في ساحة المرجة، الحجارة القديمة إلى واجهة الذاكرة الدمشقية. المبنى الذي ظلّ شاخصًا لأكثر من قرن، انحنى فجأة تحت وطأة الإهمال، ليكشف هشاشة الحاضر أمام ثقل التاريخ.
محافظة دمشق أعلنت في بيان عبر قناتها على تطبيق “تليغرام” أن المبنى، الذي كان مقرًا سابقًا لوزارة الداخلية، شهد يوم الأربعاء انهيارًا جزئيًا خلال أعمال الترميم، ما أدى إلى إصابة عدد من العمال واحتجاز آخرين، قبل أن تُنهي فرق الإنقاذ عملياتها.
وأكدت المحافظة أن المبنى يعاني من أضرار إنشائية متراكمة، نتيجة سنوات من الإهمال في عهد النظام المخلوع، مشيرة إلى أن أعمال الترميم مستمرة وفق معايير السلامة، بهدف الحفاظ على التراث المعماري لمدينة دمشق. ولكن ما قصة الدار الذي يحتفظ بذاكرة إدارية وعسكرية؟
دار السرايا بدمشق..مقر للحكم والإدارة العسكرية العثمانية
شيد العثمانيون “دار السرايا” في قلب دمشق عام 1900، وجعلوها مقرًا رسميًا للحكم والإدارة العسكرية، فأصبحت واحدة من أبرز المعالم المعمارية في نظام ولايات الدولة العثمانية، حين كانت تدار شؤون الحكم من مركز الولاية.
أمر الوالي العثماني ناظم باشا ببناء السرايا بتمويل مباشر من دار الخلافة السلطانية، وشكّل قرار الإنشاء نقلة إدارية أساسية في حينه، إذ تحولت إلى المقر الرسمي للوالي ومركز اتخاذ القرار التنفيذي في الولاية، وفق ما ذكره موقع “التاريخ السوري المعاصر”.
وذكر موقع “Born in Damascus” أن البناء أنجز بين عامي 1900 و1901، بدلالة الكتابة المنقوشة على العمود التذكاري. وفي عام 1901، صدر أمر من القسطنطينية بإضافة طابق جديد، ما يفسر توثيق أعمال البناء مرة أخرى عام 1904، وهو العام الذي انتقل فيه الوالي والدفتردار من مقرّهما المؤقت في دار البلدية إلى المبنى الجديد.
حلّت السرايا الجديدة محل السرايا الثانية، واستُخدم الطابق الثالث فيها لفترة قصيرة عام 1909 من قبل إدارة الشرطة، ثم تحوّلت لاحقًا إلى مقر لرئاسة الوزراء عام 1946، وبعدها إلى مقر لوزارة الداخلية عام 1973، ولا تزال تُعرف حتى اليوم باسم “دار الحكومة” أو “السرايا” وسط دمشق.
اعتمد العثمانيون في بنائهم على نمط معماري فخم، فشُيّدت دار السرايا من ثلاثة طوابق، واستند البناء إلى تصميم مر بمراحل ثلاث، بأُسس حجرية صلبة في عمق التربة الرطبة والمالحة في ساحة المرجة. وتُعدّ السرايا أول مقر حكومي استُحدثت فيه وظيفة “القائم مقام” لدمشق الكبرى، لتكون مركزًا إداريًا وعسكريًا، واستمرت بهذا الدور في عهد الانتداب الفرنسي كمقر لمحافظة دمشق.
تصميم دار السرايا
خلال قرن من الزمن، شهد المبنى سلسلة تعديلات داخلية وتأهيلًا للبنية التحتية، كي يتناسب مع تطورات العمل الإداري والوظيفي الحديث، بينما بقي شكله الخارجي محافظًا على روحه المعمارية الأصلية.
اختير موقع السرايا بعناية هندسية. فقد أُقيمت في ساحة المرجة الكبرى التي شُيدت منتصف القرن التاسع عشر، واعتُبرت الساحة العامة لمدينة دمشق، وأصبحت معروفة عند السوريين مطلع القرن العشرين. وجاء اختيار المكان لقربه من الثكنة العسكرية العثمانية المعروفة بـ”ثكنة القلعة”، ومن مقر المشيرية العثمانية، وهو ما يُعرف اليوم بمبنى القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة. كما أن قرب البناء من النهر ساعد في تأمين المياه وتوفير البنية الخدمية اللازمة للموقع.
من الداخل، تميزت السرايا بزخارف عثمانية تعتمد على الحجر المصقول المحلي، والجص المزخرف ذي القوالب المفرّغة والكتابات الإسلامية، بينما تميزت الواجهة ببروز معماري رئيسي يُشبه القصور العثمانية، ويضم سلمًا داخليًا فخمًا يربط الطوابق الثلاثة.
خُصصت دار السرايا في البداية للوظائف العامة والإدارية، ثم أصبحت مقرًا للوالي العثماني، واستُخدمت أيضًا لإقامة الضيوف الرسميين، مما عزز مكانتها كرمز سياسي ومعماري وسط العاصمة دمشق.
ولا تزال دار السرايا، رغم تغيّر الحقب والوظائف، تحافظ على مكانتها بوصفها أحد أبرز الشواهد الحية على مرحلة مفصلية من تاريخ دمشق، حين كانت مركزًا للحكم في ولاية الشام، وتُعد اليوم من أبرز المعالم المتبقية من الحقبة العثمانية في المدينة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية