جدول المحتويات
«نبض الخليج»
في توثيق لواقع سوريا الجديد بعد سقوط الأسد، كتب الصحفي بين هوبارد مدير مكتب نيويورك تايمز في إسطنبول هذه المادة عن رحلته برفقة زملائه الصحفيين إلى سوريا، وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لما كتبه:
لمدة تجاوزت العقد، عشت في لبنان حيث عملت مراسلاً لصحيفة نيويورك تايمز ومديراً لمكتبها هناك، وركزت في معظم أعمالي على الحرب السورية التي بدأت في عام 2011 فمزقت البلد على مدار 13 عاماً.
وخلال تلك الفترة، زرت مناطق في شمالي وشرقي سوريا حيث فقد النظام البائد السيطرة، لكني لم أستطع أن أصل لمعظم أنحاء البلد، ويشمل ذلك كبرى المدن والمواقع التي شهدت أهم المعارك، وذلك بسبب منع نظام بشار الأسد لي من زيارة المناطق التي كان يسيطر عليها.
لذا، وبعد أن أسقط الثوار الأسد في كانون الأول الماضي، بما أنهى الحرب فعلياً، فُتحت كامل البلد أمامنا فجأة، وبذلك لم يعد بوسعي أنا وأصدقائي دخول سوريا فحسب بل أيضاً التجول بالسيارة في أرجائها، ومعاينة مسارح الأحداث التي غطيناها من بعيد إلى جانب لقاء السوريين الذين كنا نعرفهم في السابق من خلال محادثات عبر الإنترنت بواسطة تطبيقي سكايب وواتساب.
من الصعب استيعاب حجم الخسائر التي تجاوزت النصف مليون إنسان، ولهذا تحدث جميع من التقيتهم تقريباً عن أقربائهم الذين قضوا أو فقدوا خلال الحرب. أما الدمار الذي لحق بمدن سوريا وقراها فيبدو كارثياً وكأن يوم القيامة قد مر عليها. ومن المتوقع أن تستغرق عملية إعادة البناء عقوداً وأن تكلف مليارات الدولارات التي لا يملك السوريون منها شيئاً.
حتى أصور الواقع الجديد في سوريا، انطلقت بصحبة المصور ديفيد غاتنفيلدر وغيره من الزملاء في شهر شباط الماضي، حيث طفنا بالسيارة في مختلف أنحاء البلد، وأجرينا مقابلات مع عشرات السوريين في رحلتنا تلك، فحدثونا عن آمالهم ومخاوفهم تجاه المستقبل، ووثقنا مجريات حياتهم، والنتيجة تجلت في مقالة نشرت الشهر الماضي.
أهم الأساسيات
احتجت حتى أنطلق في تلك الرحلة إلى كثير من البحث والتخطيط، ولكن بمجرد أن أصبحنا على الطريق، أضحت ثلاث أمور في غاية الأهمية، وهي الدفع نقداً والبنزين وتوفر الفريق المناسب.
على مدار سنين، أضرت الحرب بالاقتصاد السوري كما فرضت الولايات المتحدة وغيرها من الدول عقوبات كثيرة على نظام الأسد، مما قطع البلد عن النظام المالي العالمي.
ولذلك لا تعمل بطاقات الإئتمان في سوريا، فلم يكن بوسعي دفع ثمن الطعام أو الوقود أو السكن عبر فتح هاتفي النقال والدفع عبر بطاقة الإئتمان الخاصة بي، أي أن كل عملية شراء بحاجة لتوفر المبلغ بشكل نقدي.
رجل يبيع العقود بالقرب من آثار تدمر
إن وجود عقوبات على سوريا يعني عدم قدرتنا على سحب الأموال من أجهزة الصراف الآلي القليلة المتوفرة بجانب المصارف المحلية في المدن الكبرى، أي أن علينا أن نجلب ما يكفي من الدولارات لتغطية كلفة الرحلة بأكملها، بعد تصريفها إلى العملة السورية.
هبطت قيمة الليرة السورية خلال الحرب كما تهبط قذيفة مدفع في عمق البحر، ولهذا فإن أي عملية شراء تحتاج لأوراق نقدية كثيرة كثيرة.
في بداية رحلتنا، صرّفت مبلغ ألف دولار، فحصلت على عشرة ملايين ليرة سورية مقابله، إذ عمد الصراف إلى وضع أكداس من الأوراق النقدية تشبه قطع القرميد فوق طاولة مكتبه، ثم قدم لي كيساً أسود لأحمل ذلك المبلغ الكبير.
خلال الشهر الماضي، أصدر الرئيس ترامب أمراً يقضي برفع سائر العقوبات الأميركية عن سوريا، إلا أن ذلك حدث بعد انتهاء رحلتنا، كما أن سوريا ستحتاج إلى وقت حتى ترتبط من جديد بالمصارف العالمية.
“سرقوا كل أسقف البيوت”
خلال رحلتنا التي امتدت لستة عشر يوماً، قطعنا مئات الكيلومترات بسيارتين، فكان التزود بالوقود عبارة عن تحد، إذ هنالك شبان يبيعون البنزين بعبوات بلاستيكية منتشرة على الأرصفة، لكن سائقي سيارتينا شكوا بجودة تلك العبوات، وهكذا صرنا نتزود بالوقود من محطات الوقود التي كنا ندفع لها رزماً من الأوراق المالية المربوطة بأحزمة مطاطية.
وإذا تحولت النقود والوقود إلى مشكلة، فإن فريقنا يصبح نعمة علينا، لأن زملائي عملوا على تحويل الرحلة إلى رحلة نجاح.
قاد ديفيد السيارة مع أحمد الخلف، وهو دليل سياحي حلبي يتسم بالهدوء، إذ بقي يتأكد من تناولنا الطعام بشكل جيد عندما كنا في مدينته، كما سرد لنا تاريخ مدينة تدمر الأثرية حيث قمنا برحلة جانبية.
قدت السيارة ومعي محمد حاج قدور، وهو صحفي من محافظة إدلب في الشمال السوري أسهم في تغطية الحرب لصالح صحيفة التايمز، وقد ساعدتنا معرفته بالثوار الذين سيطروا على البلد في تأمين أنفسنا، وكان هو من أخبرني عن المنطقة التي “سرقوا كل أسقف البيوت فيها” وذلك عند توجهنا إلى قرية تلمنس.
الدمار والنهب الذي طال قرية تلمنس
أخبرنا الأهالي هناك أنه بعد سيطرة جيش النظام البائد على المنطقة في عام 2019، سمح لفرق العمل بالقدوم إلى القرية ثم قاموا بنهبها، بل إنهم هدموا أسقف معظم الأبنية المصنوعة من الخرسانة المسلحة وذلك لسرقة الحديد المسلح الموجود فيها. وفي تلك القرية توقفنا للمرة الرابعة خلال رحلتنا.
ضمت سيارتنا هويدا سعد وهي صحفية لبنانية عملت منذ فترة طويلة لدى صحيفة التايمز وغطت أخبار سوريا بشكل معمق وبتعاطف كبير منذ بداية النزاع فيها، وهذا ما جعلها تتمتع بشبكة علاقات واسعة بقيت على تواصل مع معظم أفرادها أثناء تعرضهم للقصف أو الحصار.
التقينا بعدد كبير من الأشخاص الذين يعرفون هويدا، وبعضهم تأثر بشكل واضح عند لقائه بها شخصياً بعد سنوات طويلة من التحدث إليها في ظل الأوقات العصيبة والاتصالات السيئة بشبكة الإنترنت.
التقينا بعشرات من الأشخاص الذين ينتمون لبيئات اجتماعية واقتصادية مختلفة أثناء تجوالنا في سوريا، ولقد صدمني كثيراً ليس فقط حجم المعاناة والدمار الذي ألحقته الحرب بل بتصميم الناس على إعادة بناء حياتهم وتجاوز ما حصل.
ما تزال سوريا محرومة من الاستقرار بعد رحيل الأسد، كما أن مستقبلها مجهول المعالم، لذا إن كتب القدر لي أن أعود لرؤيتها من جديد، فسأفعل بمعونة الثقاة من الزملاء.
المصدر: The New York Times
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية