جدول المحتويات
«نبض الخليج»
فتح اتساع هامش الحريات في سوريا عقب سقوط نظام الأسد، الباب واسعاً أمام العديد من المؤسسات الثقافية والسياسية والإعلامية لنقل نشاطها إلى داخل البلاد، بعد سنوات قضتها في بلاد التهجير واللجوء.
“مؤسسة دمشق للثقافة والفكر والفنون والتنمية” واحدة من بين المؤسسات العائدة حديثاً إلى أرض الوطن، وتعدّ أول كيان مستقل في سوريا الجديدة مكرّس لتعزيز المواطنة ودور المجتمع عبر الثقافة والفكر.
أُشهرَت المؤسسة مؤخراً بقرار من وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية هند قبوات، كمؤسسة غير ربحية مستقلّة، تهدف إلى دعم ورعاية المبدعين والاهتمام بالتراث السوري المادي واللامادي، إضافة إلى تنمية المجتمعات المحلية وتعزيز المعرفة بالحريات العامة والفردية إلى جانب إقامة برامج لنشر مبادئ المواطنة، وتنمية ورعاية الفنون بمختلف أنواعها.
ولادة مؤسسة “دمشق”
ولدت مؤسسة “دمشق” خلال انعقاد المؤتمر الفكري التشاوري في القاهرة صيف العام 2012، حين أُعلن عن صدور العدد الأول من مجلتها الفكرية الثقافية التي ترأس تحريرها الشاعر السوري نوري الجراح وأدارها الروائي والإعلامي السوري إبراهيم الجبين، وشارك في هيئتها الاستشارية المفكر الراحل صادق جلال العظم والأب باولو دالوليو والعلامة هاني فحص ومفيد نجم وسلامة كيلة وسلمى الخضراء الجيوسي وكارين فون روخوس، وكتب فيها العديد من الكتاب والمثقفين والحقوقيين العرب والسوريين والأجانب.
وورد في تقرير خاص لوكالة رويترز، أن المثقفين السوريين “جعلوا من مشروع مجلة دمشق وطنا بديلًا وأرضاً للحرية”، وبأنها تلبي أشواق السوريين عموما والمثقفين خصوصاً إلى الحرية، كما تقدّم ما يشبه الفرز لوجوه ثقافية اختفت، أو كان عليها أن تختفي ولأصوات جديدة تعبر عن سوريا الحرة.
شكّلت المجلة بأعدادها المطبوعة، والتي صدرت بشكل فصلي، ظاهرة نوعية حاولت حشد أكبر قسط من التنوع الفكري لتقديم تصورات عن الثورة السورية ومستقبل البلاد، كما نظّمت حملات دعم ومناصرة لقضايا المعتقلين وخصّصت عدداً ممتازاً للمشاركة الفلسطينية في ثورة السوريين وتلازم القضيتين السورية والفلسطينية، مع التركيز على المنظور النقدي لمواكبة مسار التحولات السورية آنذاك.
تمدّن دمشق ودورها الحضاري
يقول رئيس تحرير المجلة ومؤسّسها نوري الجراح: “إن مجلة دمشق حين تأسست بدايات الثورة السورية، كانت تطمح إلى تقديم صورة سوريا من خلال ما يعنيه اسم دمشق وقوة تمدّنها ودورها الحضاري”. ويضيف الجراح “لطالما مثّلت دمشق أرض الحضارة وسماء الخيال، كما وصفناها في شعار المجلة، وهي إذ تتحول إلى مؤسسة اليوم تؤكد على حضور هذه المعاني في سوريا الجديدة وعلى مشاركتها في مواجهة التحديات القائمة أمام المجتمع والثقافة السوريين”.
بدوره، يوضح رئيس مجلس أمناء المؤسسة إبراهيم الجبين، أن “إشهار مؤسسة دمشق هو خطوة جادّة لترسيخ فكرةً في الوعي العام وهي ضرورة مأسسة وتعزيز الحراك المدني الذي ينطلق من العمل المستقل عن الحكومة ومؤسسات الدولة، في ظل الحاجة الماسة للمجتمع السوري إلى تأطير دوره وابتكار أدوار جديدة يمكنه من خلالها المشاركة في التغيير واتخاذ القرار فيما يتعلق بمستقبل سوريا انطلاقاً من دمشق”.
ويضيف الجبين: “الأهداف المعلنة لمؤسسة دمشق تنص صراحة على استرداد الأحقية المجتمعية في تشكيل رؤى وتصورات تبدأ من الإسهام في الشؤون العامة والبسيطة لحياة الناس، كالتعليم والمياه والنظافة والترميم ودراسة الاحتياجات السكانية، ولا تنتهي عن نشر الوعي والحوار الوطني الخلاق وغير المؤدلج الذي ينشّط الفضاء العام ويقدّم نموذجاً يمكن تكراره للجمع ما بين الفكر والثقافة من جهة، وبين التنمية والنهوض بسوريا المنهكة وشعبها من جهة أخرى”.
رئيس مجلس إدارة مؤسسة دمشق في سوريا، الأكاديمي والاقتصادي هشام الذهبي، يشير بدوره إلى “أهمية العناية بما تمتاز به دمشق ومجتمعها، بل سوريا كلها، وذلك بالتركيز على حماية الهوية المدنية بقيمها وعمارتها وآثارها وحرفها التي تخطط مؤسسة دمشق لطرح مشاريع أكاديمية تحميها من الاندثار”.
ويبيّن الذهبي أن العمل الشفاف وواضح الأهداف سيكون جاذباً لكل من يشترك مع مؤسسة “دمشق” في أهدافها والتي ستصبّ على كافة مناحي الحياة وقال إن مثل هذه المسؤولية لا يجب أن تترك على عاتق الحكومة وحدها فيما يشبه الدولة الرعائية، خاصة في مثل الظروف التي نمر بها، أو أن يترك العنان لآلية السوق الحرة التي تتصف في حالات معينة بالمتوحشة، بل يجب أن يتم اللجوء إلى المؤسسات غير الحكومية NGO والمؤسسات غير الربحية NPO التي يبدع بطرحها المجتمع الأهلي بهيئاته وتشكيلاته وممثليه لتلعب دوراً محورياً في سد الثغرات وإرشاد وتقويم مسار اتخاذ القرار، حين يتقاطع ذلك القرار مع جوانب أساسية من حياة الناس.
تعاون بين وزارة الثقافة السورية ومؤسسة “دمشق”
وفي خطوة تهدف إلى تعزيز دور المؤسسة في سوريا الجديدة، استقبل وزير الثقافة السوري محمد ياسين الصالح وفداً من مؤسسة دمشق للثقافة والفكر والفنون والتنمية لمناقشة سبل التعاون ما بين الوزارة والمؤسسة في مجال حماية الهوية الوطنية السورية والتراث المادي واللامادي السوري، وتعزيز العمل المشترك ما بين مؤسسات الدولة والمجتمع.
وفد المؤسسة ضمّ كلاً من السياسي جورج صبرة والاقتصادي هشام الذهبي، ومدير عام مؤسسة السينما الفنان جهاد عبده، والحقوقية فاديا عفاش. وخلال اللقاء، تطرّق الوفد إلى ضرورة توحيد الجهود في مواجهة التهديدات التي تحيط بسوريا ومجتمعها، وفي مقدمتها الطائفية والتطرّف والمشاريع الانفصالية.
بدوره، عبّر وزير الثقافة عن حرصه على دعم كل المشاريع الإنسانية والثقافية التي من شأنها تقديم صورة مشرّفة عن سورية إلى العالم، كما يليق بشعبها الذي قدّم تضحيات عظيمة من أجل حريته، مشيداً بنشاط مؤسسات المجتمع المدني السورية التي يمكن أن تضع يدها بيد الدولة لتحقيق الأهداف الوطنية وفي مقدمتها النهوض بالثقافة التي وصفها بأنها بالفعل “أمن سورية القومي”.
وأضاف الصالح: “لدينا توجّه في وزارة الثقافة وفي مجمل برامج الحكومة على إعادة الاعتبار والحفاظ على هوية دمشق وحرفها العريقة وجمالياتها وأصالتها، وهذا لا يمكن تحقيقه دون تعاون من الجميع”.
من جانبه، قال جورج صبرة: “وجدنا في سوريا الجديدة الأفق الذي يمكننا العمل فيه على لم شمل جميع الأطياف السورية للوصول إلى مستقبل آمن، ومن قال إننا، نحن السوريين، لا يمكن أن نحقّق ذلك؟ بوسعنا إنجاز الكثير إذا اعتمدنا على قوة الثقافة السورية المتجسدة في كل جوانب الحياة، ما من شأنه تمكين الوحدة الوطنية في وجه الأزمات التي تواجه بلادنا اليوم، ولاستكمال الاستحقاقات الواجبة على المستوى العام”.
وتقدّم مؤسسة دمشق نفسها كمجتمع متعدّد الأطياف والاتجاهات والتخصصات، تضم مفكرين وفنانين وأدباء واقتصاديين وحقوقيين وآثاريين وخبراء في التنمية السكانية، وهي منظمة غير ربحية مرخّصة في ألمانيا والاتحاد الأوروبي، تنشط عبر مشاريع الترجمة والدعم النفسي والثقافي وصناعة الفيلم الوثائقي، ومن خلال موقعها الإخباري باللغات الثلاث العربية والإنكليزية والألمانية، وبعد إسقاط نظام الأسد في كانون الأول من العام الماضي، اتجه مؤسسوها إلى نقل أعمالها إلى داخل سوريا في انطلاقة جديدة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية