المثل الشعبي يقول: “لا ينفع العليق عند الغارة”، وهو مثل بسيط في ألفاظه، عميق في معناه، يلخص حكمة الأجداد الذين خبروا صعاب الحياة وأدركوا أن الاستعداد قبل الشدّة ضرورة لا يمكن التفريط بها. فالذي ينتظر وقوع الخطر حتى يتأهب، يكون كمن يهيئ زاده بعد أن حلّ الجوع، أو يملأ دلوه بعد أن جفّت أرضه.
وهنا يبرز سؤال وطني ملحّ:
لماذا نحتاج إلى الجيش الشعبي؟
ولماذا نريد تدريب المواطنين على التعامل مع مختلف الأزمات والكوارث؟
ولماذا نحرص على أن يتعلم أبناؤنا من خبرات المتقاعدين العسكريين في الانضباط، واستخدام السلاح، وفنون التعامل مع الطوارئ؟
الإجابة في حقيقتها واحدة: حتى لا نُفاجأ ونحن في وضعية المصدومين، عاجزين عن المبادرة عند وقوع أي طارئ — لا قدّر الله.
الأمن مسؤولية الجميع فالقوات المسلحة الأردنية، وأجهزتنا الأمنية، تبذل الغالي والنفيس لحماية الوطن. لكن الوطن ليس جيشاً فقط، بل هو شعب أيضًا. وحين يكون الشعب متماسكاً مدرباً ومهيأً، يصبح جزءًا من منظومة الردع والدفاع، ويشكّل سدّاً منيعاً أمام أي خطر داخلي أو خارجي.
إن الجيش الشعبي لا يعني عسكرة المجتمع، بل يعني أن يكون المواطن شريكاً واعياً، يعرف كيف يتصرف عند الأزمات، سواء كانت أمنيّة، أو طبيعية، أو حتى اجتماعية واقتصادية. فالمعركة قد تكون مع عدو على الحدود، وقد تكون مع كارثة طبيعية، أو أزمة طاقة وغذاء، أو حتى وباء عالمي، كما شهدنا في السنوات الأخيرة.
نقل الخبرة من جيل إلى جيل فلدينا ثروة بشرية عظيمة من “المتقاعدين العسكريين” الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الجيش والأمن. هؤلاء الرجال يملكون خبرات لا تُقدّر بثمن، ونقلها إلى الأجيال الجديدة هو استثمار في الأمن الوطني، ووسيلة لتحويل المواطن إلى عنصر قوة لا عبء في زمن الأزمات.
علينا الاستعداد لأن أخطر ما قد يصيب أي مجتمع هو ثقافة اللامبالاة، والركون إلى الطمأنينة المزيّفة، وكأن الخطر لا يُطرق أبوابنا. والحقيقة أن التاريخ والجغرافيا والواقع السياسي والإقليمي كلها تقول: لا أحد في مأمن إذا غفل عن الاستعداد.
ولذلك فإن نشر ثقافة الاستعداد، والتدريب، وتعزيز روح الانتماء، لا يقل أهمية عن السلاح في الميدان. فالمجتمع الواعي هو الدرع الأولى للوطن.
إن “العليق” الذي نحتاجه هو في الوعي، وفي التدريب، وفي بثّ روح المسؤولية. فإن حضر قبل “الغارة” كان وقاية، وإن تأخر فلن يغني عنّا شيئاً.
فلنأخذ من هذا المثل الشعبي قاعدة وطنية:
جاهزيتنا اليوم هي أمننا غداً.
فالوطن لا يحميه الجيش وحده، بل يحميه الشعب كلّه، صفاً واحداً خلف قيادته وأجهزته الأمنية.