«نبض الخليج»
في كل موجة تصعيد تقوم بها إسرائيل ضد سوريا منذ سقوط بشار الأسد تعمل تل أبيب على تسويق مسوغات لهذا التصعيد، حيث بررت الهجمات التي نفذتها على مستودعات أسلحة وقواعد عسكرية عقب هروب بشار الأسد في شهر كانون الأول 2024 بأنها لا تريد انتقال الأسلحة إلى المتشددين، ثم بررت هجمات شهر شباط عام 2025 برفضها وصول المتشددين إلى حدودها، ولاحقاً تذرعت بالخوف من النفوذ التركي لتسوغ هجماتها على قواعد جوية وسط سوريا مطلع شهر نيسان الماضي.
مؤخراً تستخدم إسرائيل ذريعة حماية الطائفة الدرزية لتنفيذ هجمات جوية وصلت إلى درجة استهداف محيط قصر الشعب الرئاسي السوري.
ومن الواضح أن إسرائيل لديها أهداف استراتيجية كبيرة في سوريا تعمل على تنفيذها، بغض النظر عن التبريرات المرحلية التي تقدمها مع كل هجوم.
منع إعادة هيكلة الدولة السورية
عاشت إسرائيل لعقود طويلة مرتاحة لسلوك النظام السوري المخلوع سواء في زمن حافظ الأسد أو ابنه بشار، ولم يقلق هذه الراحة سوى تنامي النفوذ الإيراني في سوريا ووصوله إلى حدود هضبة الجولان المحتلة بعد عام 2011، ورغم هذا حافظت إسرائيل على نهج استهداف المواقع الإيرانية دون تعريض المواقع العسكرية التابعة لنظام الأسد للخطر، على الرغم من أن الهجمات طالت أحياناً وحدات عسكرية سورية، لكن بسبب تغلغل النفوذ الإيراني فيها على غرار الفرقة الرابعة.
يمكن القول إن إسرائيل استفادت كثيرا من الحرب السورية التي امتدت على مدار 14 عاماً، والتي أدت إلى تمزق الدولة السورية وتآكل المؤسسة العسكرية، وقبيل سقوط الأسد انتقلت تل أبيب لمحاولة تكريس نموذج الدولة الفاشلة، حيث أفادت تقارير غربية تسربت إلى وسائل الإعلام آواخر عام 2024 أن تل أبيب كانت تعمل مع بعض الدول الإقليمية على حل في سوريا يقوم على احتفاظ الأسد بسلطة هشة وضعيفة في دمشق، وتقوية مكونات فرعية شمال شرقي سوريا وجنوبها، إلا أن العملية التي شنتها المعارضة السورية بشكل مباغت وسقوط الأسد غير المتوقع أربك الحسابات الإسرائيلية.
من خلال تتبع الهجمات الجوية التي نفذها الطيران الإسرائيلي منذ سقوط الأسد آواخر عام 2024 إلى نهاية الربع الأول من عام 2025، نلاحظ أنها تركز على منع إعادة هيكلة الدولة السورية، وفي هذا السياق يندرج استهداف مستودعات الأسلحة والأصول العسكرية للجيش السوري لمنع الحكومة الجديدة من الاستفادة منها وهي في طور إعادة هيكلة الجيش السوري.
شنت إسرائيل موجة هجوم جديدة على سوريا شهر شباط الماضي، وأتى الهجوم بعد ساعات فقط من إعلان مخرجات مؤتمر الحوار السوري الذي شكل الأرضية لتولي الحكومة السورية إدارة البلاد في الفترة الانتقالية، وركزت مخرجات المؤتمر على وحدة الأراضي السورية، واحتكار الدولة للسلاح، مما أوحى بأن إسرائيل لا ترغب بتشكل سلطة مركزية جديدة غير قادرة على التحكم بها.
مع إعلان الإدارة السورية للتشكيلة الوزارية آواخر آذار الماضي، وتتالي الترحيب الدولي بالحكومة التي راعت التمثيل العرقي والإثني، والتأكيدات التركية الاستعداد لتقديم التدريبات لتأسيس الجيش السوري الجديد ودعمه بالمعدات، شنت إسرائيل هجمات واسعة شهر نيسان الماضي على قواعد عسكرية وسط سوريا، كان من المفترض أن تكون مراكز مشتركة بين الجيشين التركي والسوري، مما يعكس الاستياء الإسرائيلي لأي خطوات من شأنها أن تمنح الشرعية للحكومة السورية الحالية، بالإضافة إلى الرفض القاطع لهيكلة الجيش السوري دون تدخل إسرائيلي مباشر فيه.
مؤخراً، تمكنت الحكومة السورية من استكمال فرض سيطرتها في محيط العاصمة عندما دخلت القوات الأمنية إلى أشرفية صحنايا، وجرمانا، اللتين يقطن فيهما المكون الدرزي، و كانتا خارج سلطة الدولة، وساد شعور في الأوساط الشعبية أن الحكومة السورية ماضية في توحيد البلاد، فردت إسرائيل بتحليق مكثف فوق العاصمة دمشق، قبل أن توجه ضربة جوية إلى محيط القصر الرئاسي، ثم ضربات متتالية في محافظات سورية عديدة، وهذه الضربات لم يكن لها أثر عسكري يذكر، لكنها أكدت مجدداً على قدرة إسرائيل على استباحة الأجواء السورية في أي وقت، ورفض وجود حكومة غير موثوقة تسيطر على كامل البلاد.
القلق من الانسحاب الأميركي
يوحي السلوك الإسرائيلي بوجود قلق من الانسحاب الأميركي من سوريا، وقد أقرت وسائل إعلام إسرائيلية في وقت سابق أن تل أبيب حاولت إقناع إدارة ترامب بتغيير قرارها المتضمن الانسحاب التدريجي من سوريا، لأن هذا الانسحاب يؤثر على الإستراتيجية الإسرائيلية في سوريا المتضمنة منع عودة الدولة الموحدة والتركيز على تقوية الأقليات.
في الفترة الممتدة من آذار إلى مطلع أيار من العام الحالي ازدادت وتيرة الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سوريا، حيث تم إفراغ قواعد عسكرية كاملة في محافظة دير الزور، ومن الواضح أن إسرائيل تعمل على استنزاف الحكومة السورية في الهجمات، وتستنزفها في ملف السويداء لحرمانها الاستفادة من الانسحاب الأميركي لتعزيز سلطتها شمال شرقي سوريا حيث تسيطر قسد وتوجد الموارد التي ستتيح للحكومة السورية حال السيطرة عليها تحسين الخدمات للمواطنين، بل إن إسرائيل لم تعد تخف اتصالاتها مع قسد منذ سقوط الأسد، والنهج الإسرائيلي شجع قسد على التراجع عن التفاهمات التي أبرمتها مع الحكومة السورية شهر آذار الماضي، حيث نصت مخرجات مؤتمر الحوار الكردي الذي انعقد آواخر نيسان الفائت على مطالب أقرب للفيدرالية وإدارة ذاتية تستند إلى توحيد مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”.
إذا، يوجد أهداف إسرائيلية متعددة لتصعيدها المستمر على سوريا، يمكن تلخيصها برفض إعادة هيكلة المؤسسات السورية على أساس البعد الوطني السوري دون تدخل خارجي يحدد من هي الأطراف التي ستحتكر قرار هذه المؤسسات، بالإضافة إلى رفض عودة سوريا لتكون دولة قوية موحدة القرار، والخوف من التموضع الإقليمي الجديد لسوريا بعد سقوط الأسد، حيث تتحالف مع تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية ، وهذه الدول تقف بدرجات متفاوتة في وجه الأطماع الإسرائيلية الإقليمية، وتشتركان في دعم وحدة الأراضي السورية واستعادة سوريا لدورها، كما أن ملئ هذه الدول للفراغ في سوريا سيكون على حساب المشروع الإسرائيلي.
شارك هذا المقال
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية