كتب / جهاد البطاينه
مع اشتداد وتيرة الحرب بين إسرائيل وإيران، ومع توالي الضربات والضربات المضادة، باتت المنطقة بأسرها على فوهة بركان، والأردن ليس بمعزل عنها كما لم يكن بمعزل يوما عن الأحداث العربية والدولية كافة .
الاردن محاط بحدود ملتهبة، ومربوط اقتصاديًا وأمنيًا بشبكات إقليمية حساسة، يجد نفسه اليوم في موقع بالغ الهشاشة، وخاصة في ملف الطاقة، فماذا يعني توقف الغاز الإسرائيلي؟
وكيف سيؤثر ذلك على الاقتصاد الأردني؟ وهل الأردن مجرد متفرج أم أن انعكاسات هذه الحرب قد تنفجر في الداخل؟
الضربات المتبادلة بين تل أبيب وطهران لم تعد مجرد رسائل عسكرية محدودة، بل دخلت طور التصعيد الاستراتيجي، إسرائيل تسعى لإنهاء التهديد النووي الإيراني، بينما ترى طهران في الحرب فرصة لكسر الحصار الأمريكي والدولي المفروض عليها عبر تفجير الساحة الإقليمية وامتداد رقعة الحرب للاقليم كامل .
كلما زادت وتيرة الحرب، زادت احتمالية توسعها نحو لبنان، سوريا، والعراق، وربما البحر الأحمر، ما يجعل الأردن في قلب الخطر، جغرافيًا وأمنيًا واقتصاديًا.
الأردن بات اليوم يعتمد بشكل رئيسي على الغاز الإسرائيلي الذي يعتبر سكينا على رقبة عمان لتشغيل محطات توليد الكهرباء، وذلك بموجب اتفاقية مثيرة للجدل وُقّعت عام 2016، وبدأ تنفيذها فعليًا في 2020، وتغطي نحو 40% من احتياجات الأردن من الطاقة الكهربائية.
لكن، في ظل التوترات الحالية، يُحتمل أن يتوقف ضخ الغاز الإسرائيلي عبر أنابيب شركة “نوبل إنيرجي”، إما بفعل استهداف مباشر أو بقرار سياسي إسرائيلي ضمن استراتيجية الحرب الشاملة،هذا الانقطاع، إن حصل، ستكون له عواقب كارثية على الأردن منها ارتفاع كلفة إنتاج الكهرباء بسبب التحول إلى الديزل والوقود الثقيل و زيادة العجز في الموازنة العامة نتيجة الدعم الحكومي الإضافي للطاقة وارتفاع المديونية، خصوصًا مع التزامات قروض الطاقة واتفاقيات الشراء طويلة الأمد.
تصاعد الغضب الشعبي من فواتير الكهرباء والطاقة المرتفعة، وهو ما قد يشعل احتجاجات داخلية ويشكل تحديا امنيا كبيرا للاردن لاسيما ان الشعب يعاني نتيجة بعض القرارات الحكومية والاجراءات التقشفية المتبعة .
ومع مديونية تتجاوز 60 مليار دولار، يعتبر الأردن من أكثر الدول هشاشة ماليًا في المنطقة وأي ضغط إضافي على فاتورة الطاقة سيترجم مباشرة إلى ارتفاع في الإنفاق الحكومي، ما يعني الاقتراض مجددًا من صندوق النقد والبنوك الدولية بشروط أشد قسوة و رفع الدعم مجددًا عن سلع أساسية، ما يزيد الضغط على الطبقات الفقيرة مع انعدام الطبقة المتوسطة بالبلاد.
الاحتقان الاقتصادي، إذا ترافق مع انقطاعات كهرباء أو موجات غلاء غير محتملة، قد يدفع الشارع إلى الغليان وربما ينتج عنها اضطرابات وهذا قد يستغله المتطرفون أو جهات معارضة لاستهداف الاستقرار السياسي بالمملكة.
الأردن اليوم قد يجد نفسه أمنيًا، عرضة لتسلل عناصر إرهابية من الجنوب السوري أو حتى من الحدود العراقية إذا توسعت رقعة الحرب فعمان خاضت حربا غير معلنة لسنوات طويلة على الحدود الشمالية والشرقية ضد المليشيات الأرهابية وتجار المخدرات قبل الإطاحة بنظام الاسد الذي كان يسهل عمل هذه المنظومة الجرمية .
لكن السؤال اليوم ما الذي يمكن لعمان فعله؟ حلول ممكنة وإن كانت مؤلمة وقاسية
التحرر من الارتهان للطاقة الإسرائيلية عبر تسريع مشاريع الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية والرياح) وتعزيز تخزين الطاقة الكهربائية.
إعادة إحياء العلاقات مع العراق ومصر لزيادة واردات النفط والغاز، وتفعيل مشاريع الربط الكهربائي.
الضغط باتجاه اتفاق إقليمي لوقف التصعيد عبر تحركات دبلوماسية نشطة داخل الجامعة العربية والأمم المتحدة.
إعداد خطة طوارئ اقتصادية وطنية تتضمن ترشيد الإنفاق العام، حماية الطبقات الفقيرة، وتجميد الضرائب مؤقتًا على الوقود وإدماج القطاع الخاص بدعم صناديق الصحة والتعليم والخدمات العامة بجزء من أرباحها .
تحفيز الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات، لتخفيف ضغط فاتورة الاستيراد في ظل ارتفاع الأسعار العالمية.
الحرب الإسرائيلية الإيرانية ليست حدثًا بعيدًا عن الأردن، بل زلزال جيوسياسي قد يهزّ أساساته الاقتصادية والاجتماعية ومع استمرار الاعتماد على الغاز الإسرائيلي هو مخاطرة استراتيجية، وسيناريو انقطاعه لم يعد “افتراضًا”، بل احتمالًا واقعيًا وربما يكون قد وقع اساسًا .
وعلى صانعي القرار في عمان أن يتحركوا بسرعة، وبحزم، لتحصين الجبهة الداخلية، ومواجهة التحديات القادمة قبل أن تنفجر في الشارع بشكل مفاجئ .
الأردن في عين ومرمى الرياح والمتربصين كثر، ومفتاح النجاة اليوم هو الاستقلال الاقتصادي، والدبلوماسية الذكية، والجرأة في اتخاذ القرارات حتى لوكانت مرهقة بعض الشيء فالشعب الأردني بكل أطيافه واعي ويقف خلف جهود الملك بالحفاظ على أمن الوطن والحفاظ عليه من هذه العاصفة التي لربما تمتد لشهور وتكون انعكاساتها اكثر شدة على الأردن .