جدول المحتويات
«نبض الخليج»
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع جميع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، بعد خمسة أشهر على إسقاط نظام بشار الأسد.
ورأى “المجلس الأطلسي” في سلسلة تحليلات أن هذا القرار قد يفتح الباب أمام إعادة إعمار سوريا، ويعزز فرص الاستقرار، ويقلل من النفوذ الإيراني والروسي، كما يتيح للشركات الأميركية منافسة الصين وروسيا على عقود إعادة الإعمار.
ويرى الخبراء أن رفع العقوبات خطوة ضرورية، لكنها غير كافية، إذ تحتاج سوريا إلى دعم مالي كبير من المجتمع الدولي، وبيئة قانونية مستقرة لجذب الاستثمارات. ويؤكد المجلس أن نجاح الحكومة الجديدة في بناء دولة تعددية وشاملة هو المفتاح لتحول حقيقي في سوريا.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بالواقع السوري، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية المركز ومصادره، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
“لقد رفعناها كلها” هذا ما أعلنه الرئيس الأميركي يوم الثلاثاء حول عزم واشنطن على رفع سائر العقوبات الأميركية المفروضة على الحكومة السورية، وأتى هذا الإعلان بعد مرور خمسة أشهر على إسقاط نظام الديكتاتور بشار الأسد، عبر هجوم خاطف للمعارضة رأسته الجماعة المقاتلة التي قادها الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.
دفعت القيادة السورية الجديدة ومؤيدوها لتخفيف العقوبات وذلك من أجل الإسهام في إعادة بناء البلد الذي أضحى ركاماً بعد مرور أكثر من عقد على الحرب، وقد ترافق ذلك الضغط بوعود تنطوي على إقامة دولة سورية أكثر حرية وتسامحاً، بيد أن الشكوك ما تزال تحيط بماضي الشرع وارتباطه في السابق بتنظيم القاعدة، والمجازر الطائفية التي ارتكبت بحق جماعتين من الأقليات منذ أن وصل إلى السلطة.
إذن، كيف سيؤثر رفع العقوبات الأميركية على الاقتصاد السوري وعلى مستقبل العلاقات السورية-الأميركية؟ وما تبعات ذلك على المنطقة ككل؟ إليكم فيما يلي بعض الآراء التي أدلى بها الخبراء في هذا المجال:
رفع العقوبات فرصة لتحقيق نصر استراتيجي أميركي في المنطقة على المدى البعيد
تقدم بهذا التحليل قتيبة إدلبي وهو عضو رفيع لدى مركز رفيق الحريري التابع لمجلس الأطلسي وكذلك في برامج الشرق الأوسط حيث يرأس كل الأعمال التي تخص سوريا في ذلك المجلس.
يعتبر قرار ترمب القاضي برفع العقوبات الأميركية عن سوريا بمثابة تحول محوري يمكن أن يحدد ما سيتركه هذا الرجل من إرث في الشرق الأوسط، إذ تمثل تلك الخطوة فرصة لتحقيق نصر أميركي في سوريا على المدى البعيد، وذلك عبر نشر الاستقرار في المنطقة، والتصدي للدول المنافسة مثل روسيا والصين، إلى جانب فتح المجال للمشاريع التجارية الأميركية بالاستفادة من الفرص الاقتصادية هناك.
لطالما قدم ترمب نفسه عراباً للصفقات، وتاريخه في سوريا يشهد بذلك، إذ بخلاف إدارتي أوباما وبايدن، رد ترامب بصورة حاسمة على الهجمات التي شنها الأسد بالسلاح الكيماوي في عامي 2017 و2018، وذلك عندما نفذ غارات جوية لردعه عن ارتكاب مزيد من تلك الجرائم، كما تعاون مع تركيا في عام 2020 وذلك لثني نظام الأسد وروسيا عن شن هجوم على إدلب، ثم وقّع على قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، ما خنق نظام الأسد على الصعيد المالي، وأدى إلى سقوطه في شهر كانون الأول الفائت، ولكن الآن، أصبحت تلك العقوبات نفسها تقوض أي أمل لدى الحكومة السورية الجديدة التي تشكلت بعد سقوط الأسد، بالسعي لإعادة إعمار سوريا والنأي بنفسها بعيداً عن النفوذ الإيراني والروسي.
أي أن العقوبات الحالية تضعف أي حكومة جديدة تحرص على تأييد الولايات المتحدة ودول الخليج، ولهذا إن بقيت تلك العقوبات في مكانها، فلا بد للاقتصاد السوري أن يواصل سقوطه الحر، وأن يزيد من اعتماده على روسيا والصين وإيران، وهذا قد يفتح الباب أمام تجدد التطرف وانعدام الاستقرار في المنطقة، إلى جانب عودة تنظيم الدولة إلى الظهور في العراق والشام. في حين أن رفع العقوبات سيتيح للشركات الأميركية أن تنافس الشركات الصينية على عقود إعادة إعمار سوريا والتي من المتوقع أن تصل قيمتها إلى 400 مليار دولار أميركي، كما أن ذلك لا بد أن يمكّن ترمب من الاستفادة من التمويل الخليجي، إلى جانب خلق فرص عمل في كل من سوريا والولايات المتحدة، وإبراز واشنطن لدورها في نشر الاستقرار، ثم إن وجود دولة سورية مزدهرة لا بد أن يحد من تدفق اللاجئين، وأن يضعف حزب الله والحرس الثوري الإيراني، كما أن سوريا في هذه الحالة لن تصبح دولة تمثل أي خطر لإسرائيل، بما أن القيادة السورية الجديدة تحرص على إقامة علاقات سلمية مع تلك الدولة.
بيد أن الحكومة السورية الجديدة ليست خالية من العيوب، على الرغم من أنها أقدمت على خطوات براغماتية، فقد بدأت بتوحيد المناطق الخاضعة لسيطرتها مع تلك التي تخضع لقوات سوريا الديمقراطية، كما شنت حملة صارمة لوقف تهريب المخدرات والاتجار بها، وبذلت جهوداً كبيرة لحماية الأقليات، ونأت بنفسها عن حزب الله والقوات الإيرانية، وتلك الخطوات تعبر عن استعداد للتعاون مع الغرب والانحياز لهدفه المتمثل بنشر الاستقرار في المنطقة، لذا، في حال تنفيذ ترمب لخطته، فإنه بذلك لا بد أن يحقق مكسباً قلما يتحقق لكلا الحزبين، ناهيك عن تفوقه على روسيا في المناورة، إلى جانب إعادة رسم مستقبل سوريا بطريقة تخدم المصالح الأميركية والسلام في المنطقة.
ترمب يراهن بكل ذكاء
تقدم بهذا التحليل دانييل ب. شابيرو، وهو عضو مميز لدى مشروع سكوكروفت الأمني في الشرق الأوسط والتابع للمجلس الأطلسي، وقد شغل خلال الفترة ما بين عامي 2022-2023 منصب مدير مبادرة إن7، كما شغل منصل نائب معاون وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، وكان سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل.
إن إعلان ترمب نيته برفع العقوبات عن سوريا ما هو إلا رهان، بيد أنه رهان في محله، لأن انهيار نظام الأسد الذي دمر سوريا بوحشيته وسوء حكمه وتعاونه مع قوة فاعلة إقليمية خبيثة، قدم للسوريين الذين طالت معاناتهم فرصة لبناء مستقبل مختلف.
غير أن الطريق نحو التعافي سيكون شاقاً، ولهذا من حق كثيرين أن يشككوا في الرئيس السوري المؤقت الجديد، أحمد الشرع، وغيره من التابعين لحركة هيئة تحرير الشام التي تخضع لقيادته، وذلك بسبب ماضيهم الجهادي العنيف، وبما أنه يستحيل لنا أن نطلع على ما في الصدور، لذا لا يمكننا أن نعرف إن كانوا قد تخلوا بالفعل عن عقيدتهم المتطرفة بعد أن غيروا أسماءهم منذ أن وصلوا إلى السلطة في كانون الأول الماضي.
لذا لا يسعنا سوى أن نحكم على الأفعال، إذ حتى الآن، تحدث الشرع ونفذ كثيراً من الأمور التي طالبته الدول الغربية والعربية بها، فقد بذل جهداً كبيراً لتكون لديه حكومة تشمل جميع الأطياف، ولهذا عين امرأة وشخصيات من الأقليات ضمن حكومته، وأعلن بأن قانون الشريعة الإسلامية لن يفرض على البلد، ودخل في مفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية الكردية وذلك حول اندماجهم بشكل سلمي ضمن المؤسسات الوطنية للدولة السورية، وأعلن هذا الرجل بأنه لا يريد لسوريا أن تمثل أي تهديد لأي دولة من دول الجوار، ومن بينها إسرائيل، وبأنه سيمنع إيران من مد نفوذها من جديد في سوريا، كما انحاز الشرع للدول العربية المعتدلة ولشركاء الولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
ولكن لا بد من اختبار تلك الأقوال والأفعال والتحقق من صحتها بمرور الوقت، غير أن الحكومة السورية الجديدة حتى تكون أمامها فرصة لتنجح بنشر الاستقرار في سوريا، تحتاج إلى موارد لتشغيل الاقتصاد، ناهيك عن إعادة الإعمار وإعادة توطين اللاجئين، وكذلك إعادة الخدمات التي انقطعت خلال سنوات الحرب، وتلك الأمور مكلفة جداً. لذا، ومن دون اتخاذ هذا الإجراء المهم المتمثل برفع العقوبات الأميركية، لا يمكن لكل تلك الأمور أن تتحقق، بل إن ذلك سيضمن انحدار سوريا وغرقها في مستنقع الفوضى كما سيوفر بيئة خصبة للمتطرفين.
ولذلك يجب على الكونغرس أن يتعاون مع ترمب على صياغة نص لتخفيف العقوبات يبيح إعادة فرضها عند الضرورة، غير أن ترمب كان على حق عندما اقتنص هذه الفرصة.
تفويض أميركي مطلق للشرع قد يؤدي إلى ظهور تراجع بالنسبة للطوائف
كتبت هذا التحليل سارة زعيمي، وهي عضو رفيع مقيم متخصص بشؤون شمالي إفريقيا لدى مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي، وتركز هذه الباحثة في دراساتها على الأقليات وعلى حالة التهجين الثقافي، وتشغل منصب نائب مدير الإعلام والاتصالات لدى المركز.
تمثل عملية رفع العقوبات فرصة كبيرة لإحياء الاقتصاد السوري كما يعد ذلك فرصة حقيقية منحت لحكومة الشرع حتى تنفذ رؤيتها بالنسبة لتوحيد المجتمع السوري والتي دافعت عنها وتبنتها منذ شهر كانون الأول الماضي، بيد أن الولايات المتحدة يجب أن تكون على ثقة من أنها لم تمنح النظام السوري الجديد تفويضاً مطلقاً قد تخسر من خلاله كل نفوذها على حاكم لم يقم سوى بإصلاح نفسه وإبعادها عن براثن عقيدة متطرفة خطرة منذ فترة قريبة، وخاصة فيما يتعلق بالتعامل مع التنوع العرقي والديني في سوريا.
لطالما أعلن الشرع على الملأ بأنه يتعهد ببناء دولة لكل السوريين، بصرف النظر عن انتماءاتهم، كما أنه عين امرأة مسيحية في حكومته الجديدة، واستقبل وفداً ضم رجال دين يهوداً ورحب بعودتهم إلى سوريا وذلك لأول مرة منذ أن أغلق الكنيس الخاص بهم في تسعينيات القرن الماضي. غير أن أشهره الخمسة الأولى في السلطة تخللتها مواجهات عنيفة مع بعض الأقليات الدينية، إلى جانب صعود مقاتلين أجانب إلى السلطة، على الرغم من ماضيهم الذي تدور حوله إشارات استفهام كثيرة. إذ خلال شهر آذار الماضي، قتل أكثر من ألف علوي في عملية عنيفة استهدفت معقل الطائفة في الساحل السوري، وفي تلك الأثناء، بقي الدروز منقسمين، إذ رفض كثيرون منهم تسليم أسلحتهم، خوفاً من تصاعد التوتر الطائفي.
وعلى المنوال عينه، ما تزال كثير من الطوائف الأخرى قلقة حيال مستقبلها، وعلى رأسها المسيحيون والشيعة الاثنا عشرية، إذ يرى أنصار تلك الطائفة بأن إنزال راية السيدة زينب، في المقام المقدس الذي يحجون إليه والذي يقع على أطراف دمشق، يعتبر مؤشراً على هيمنة لون واحد من الإسلام المتشدد. وثمة مؤشر آخر مثير للقلق وهو السلطات المطلقة التي منحت لمنصب الرئاسة ضمن الإعلان الدستوري الجديد الذي لم يرد فيه أي ذكر لحقوق الأقليات والتنوع داخل المجتمع السوري، وهذا ما جعل شريعة الإسلام القانون الوحيد الذي يسمو على غيره في تلك البقعة من الأرض.
أمام الشرع وحاشيته فرصة تاريخية للبدء من جديد ولبناء دولة سورية تعددية تشمل الجميع، وإلى أن يتم ذلك، ينبغي على واشنطن وحلفائها أن يواصلوا مراقبة وضع الأقليات ضمن هذه الظروف الاجتماعية-الثقافية المعقدة، وأن يوعزوا إلى أمراء البلد الجدد بأن رفع العقوبات ما هو إلا فرصة مشروطة وليس رخصة غير مشروطة يمكنها أن تودي بدمشق نحو دوامة طائفية أخرى.
ترمب أوضح بأنه يصغي للزعماء العرب
كتب هذا التحليل توماس س. واريك، وهو عضو رفيع غير مقيم لدى مبادرة سكوكروفت الأمنية بالنسبة للشرق الأوسط، شغل في السابق منصب نائب معاون وزير سياسة مكافحة الإرهاب لدى وزارة الأمن الداخلي الأميركية.
لا يمكن لأي أحد أن يزعم بأن ترمب لا يستمع للزعماء العرب، لأن ذلك ما يفعله بكل وضوح، ولقد اتحد الزعماء العرب في خطابهم الموجه لترمب ولإدارته بأنه ينبغي على الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على سوريا وذلك للعمل على الدفع بالبلد نحو السلام مع سائر دول الجوار.
انقسمت آراء المسؤولين في إدارة ترمب حول أسلوب الرد على تصريحات الشرع الداعية للسلام مع الدول المجاورة لسوريا والانفتاح على الغرب، إلا أن أحداً لم يتوقع لترامب أن يعلن عن رفع العقوبات خلال جولته هذه، إذ منذ فترة قريبة، وتحديداً في 25 من نيسان الماضي، أعلن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية بأنه ينبغي على الحكومة السورية الجديدة محاربة الإرهاب، ومنع إيران من مد نفوذها في سوريا مرة أخرى، إلى جانب طرد المقاتلين الأجانب من الحكومة السورية وجهاز الأمن السوري، وتدمير سائر الأسلحة الكيماوية، وتبني سياسات بعيدة كل البعد عن الاعتداء على دول الجوار قاطبة، إلى جانب توضيح ما حل بالصحفي الأميركي المفقود أوستن تايس، وأضاف هذا المسؤول: “سوف ندرس مسألة تخفيف العقوبات، شريطة أن تخطو السلطات المؤقتة خطوات واضحة في كل الاتجاهات التي ذكرناها.. إذ إننا نريد أن نقدم فرصة ثانية لسوريا”.
وفي العشرين من آذار، طالب خبراء أميركيون متخصصون بشؤون الشرق الأوسط سوريا بأن تفصح عن مصلحتها في الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية، ولهذا فإن ما عرضه الشرع في 19 من نيسان بالنسبة لمناقشة مسألة الانضمام إلى تلك الاتفاقات تمخض عما يجب له أن يتمخض عنه، لأنه نجح بهذا التصريح في جذب انتباه ترمب.
والآن، بات ترمب على استعداد لمنح سوريا فرصة ثانية، غير أنه من غير المرجح رفع العقوبات المفروضة على الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام التي أتت بالشرع إلى السلطة (بدعم من تركيا). ولهذا يتعين على سوريا تحقيق تقدم ملموس في مجال تهميش المتطرفين الموجودين ضمن صفوف الشرع، والدخول في محادثات جدية مع إسرائيل (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر)، مما قد يؤدي في نهاية الأمر إلى الانضمام للاتفاقات الإبراهيمية. أما بالنسبة لترمب، فيمكنه أن يغير رأيه غداً، ولكن من الواضح الآن أنه يصغي لغيره.
حان الوقت للتحرك بعيداً عن تسييس المساعدات
كتبت هذا التحليل أماني قدور وهي عضو رفيع غير مقيم لدى برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، ومديرة منظمة الإغاثة والتنمية السورية وهي منظمة إنسانية غير حكومية.
يا له من تحول هائل بالنسبة لسوريا! بل إنه أهم تحول حدث لها منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول الماضي.
وبما أنني عدت لتوي من هذا البلد، استطعت أن أرى بوضوح كيف يعاني الوضع الإنساني فيها من حالة جمود، لأن التخفيضات الكبيرة التي طرأت على المساعدات التي فرضتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بإيعاز من إدارة ترمب، في ظل تضاؤل التمويل المخصص لسوريا، كان لها وقع كارثي على البلد. إذ ما يزال بوسع المرء رؤية المشهد الذي يدمي القلب للأبنية المدمرة في مختلف أنحاء سوريا من جراء وحشية نظام الأسد، وذلك ضمن مناطق كثيرة سبق أن خضعت للحصار وعلى رأسها دوما وحرستا والغوطة الشرقية. كما أن الحرمان والظلم والعقاب الجماعي الذي فرضه نظام الأسد على ملايين الناس ترك البلد في حالة تفسخ.
وبرأيي -بما أني متخصص بالشأن الإنساني وطبيب مزاول في مجال الصحة العامة- فإن العقوبات كانت إحدى العقبات الخطيرة التي تقف في وجه التعافي المبكر، فقد تدمر القطاع الصحي في سوريا بعد مرور أكثر من عقد على الخراب الذي طال البنية التحتية المدنية الأساسية مثل المشافي والمستوصفات، ناهيك عن المدارس والأسواق، والذي تسببت به الغارات الجوية التي شنها النظام وحلفاؤه.
وطالما بقيت العقوبات مفروضة على الحكومة السورية الجديدة، فمن المستحيل أن يتعافى هذا البلد، كما سيظل المدنيون يدفعون الثمن، تماماً كما دفعوه أيام نظام الأسد. وبصرف النظر عن حاجة سوريا للتعافي المبكر وإعادة الإعمار وذلك من وجهة نظر تركز على البنية التحتية المادية، فإن هذا البلد يحتاج إلى الشفاء، وتلك هي اللحظة المواتية للاستثمار في هذا التحول، لأن تسييس المساعدات طوال فترة النزاع ترجم إلى معاناة طالت الملايين. لذا فقد حان الوقت للتحرك بعيداً عن تسييس المساعدات وجهود التعافي، وذلك عبر منح السوريين الفرصة للبدء بعملية التشافي، ولهذا فإن رفع العقوبات سيتيح ذلك كما سيعيد سوريا إلى سابق عهدها بعد أن تحولت إلى دولة منبوذة.
رسالة واضحة لإيران
تقدم بهذا التحليل آلان بينو وهو عضو رفيع غير مقيم لدى مبادرة سكوكروفت الأمنية المعنية بالشرق الأوسط لدى برامج الشرق الأوسط التي يقدمها المجلس الأطلسي.
إن قرار ترمب القاضي برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا يمدها بشريان الحياة اللازم بالنسبة للاقتصاد السوري المتهالك، ويقدم سياسة واشنطن تجاه سوريا بصورة تتماشى مع سياسة القوى العربية في المنطقة، ويوجه رسالة واضحة حول عزم الولايات المتحدة على ثني إيران عن إعادة تأسيس وجودها ونفوذها في هذا البلد المهم.
زاد التململ الشعبي في سوريا بسبب ضعف الاقتصاد وسوء الأوضاع المعيشية، وشمل ذلك زيادة في الانتقادات التي طالت الشرع وحكومته الجديدة، في وقت يحاول البلد أن يتعافى بعد مرور أكثر من عقد على الحرب. لذا فإن رفع العقوبات الأميركية يفسح المجال أمام ضخ المساعدات والاستثمارات والخبرات الإقليمية والدولية وذلك لمساعدة حكومة الشرع على البدء بإعادة إعمار البلد، وعلى تجنب خلق حالة عدم استقرار على الصعيد السياسي والتي يمكن أن تظهر في حال غياب تلك الأمور.
كما أن رفع العقوبات يظهر الدعم الأميركي للمساعي التي تقدمها الدول العربية الشريكة لواشنطن سواء في الخليج أو مصر أو الأردن وذلك لإعادة دمج سوريا ضمن الحظيرة العربية المعتدلة بعد عقود من الاصطفاف مع إيران. والجدل الذي قام حول دعوة الشرع للقمة العربية التي ستقام في بغداد وذلك نظراً لارتباطه هو وأعوانه في السابق بتنظيم القاعدة يوضح بأن إعادة دمج سوريا عملية تتطلب المضي قدماً ولكن ببطء، وذلك بناء على ما تبديه الحكومة السورية من التزام بالنأي عن كل ما يربطها بالإرهاب، مع إرساء العدل والمساواة بين كل الأقليات في سوريا.
وفي الختام، فإن قرار ترمب القاضي برفع العقوبات عن سوريا يشير إلى أن واشنطن ليست فقط عازمة على منع إيران من امتلاك سلاح نووي، بل إنها عازمة أيضاً على تقييد المساعي الإيرانية التي تحاول إحياء محور المقاومة الذي ضعف بشكل كبير والذي يهدف لتهديد إسرائيل إلى جانب فرض هيمنة أوسع على المنطقة.
رفع نظام العقوبات المعقد المعني بسوريا يتطلب استراتيجية دقيقة
كتبت هذا التحليل الباحثة كيمبيرلي دونوفان، وهي مديرة مبادرة فن الحكم الاقتصادي لدى مركز GeoEconomics التابع للمجلس الأطلسي، وقد عملت في السابق لدى الحكومة الفيدرالية على مدار خمسة عشر عاماً، ومنذ فترة قريبة أصبحت معاونة بالإنابة لمدير قسم استخبارات شبكة إنفاذ القانون بالنسبة للجرائم المالية، وهذا القسم يتبع لوزارة الخزانة الأميركية.
يعتبر إعلان ترمب من الرياض بأن الولايات المتحدة ستنهي العقوبات المفروضة على سوريا بمثابة تحول هائل في السياسة الخارجية، وذلك لأن رفع العقوبات عن سوريا مسألة معقدة وتحتاج استراتيجية لتقرير نوع العقوبات التي سترفع ومتى سيتم ذلك، إلى جانب تحديد نوع الإجراءات الواجب تطبيقها لتسمح بإعادة فرض العقوبات في حال تدهورت الأوضاع في سوريا.
بقيت سوريا على قائمة الولايات المتحدة التي خصصتها للدول الراعية للإرهاب منذ عام 1979، وتخضع الآن لعقوبات وقيود على الصادرات بموجب أوامر تنفيذية وتشريعات عديدة تشمل سلسلة من القضايا التي تضم انتهاكات لحقوق الإنسان وتهريب النفط الإيراني، ودعم الجماعات الإرهابية. وثمة عامل آخر يعقد الأمور وهو أن هيئة تحرير الشام (هتش) التي أسقطت نظام الأسد هي من يرأس الحكومة السورية المؤقتة، وقبل أن تحمل الهيئة هذا الاسم كانت تعرف بجبهة النصرة وهذه الجبهة كانت خلال فترة من الفترات فرعاً لتنظيم القاعدة في سوريا، ولقد صنفت هيئة تحرير الشام كتنظيم إرهابي على يد الولايات المتحدة وكندا وغيرها من الحكومات. كما صنفت هيئة الأمم المتحدة هيئة تحرير الشام كتنظيم إرهابي، وهذا التصنيف لا بد لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من الالتزام به، وعلى رأسها الولايات المتحدة. كما أن هذا التصنيف الأممي لهيئة تحرير الشام وللشرع يشمل تجميد الأصول ومنع السفر وحظر الأسلحة.
ومع ذلك يعتبر هذا الإعلان الذي تقدم به ترمب بمثابة تحول مرحب به في السياسة الخارجية الأميركية، لأن الحكومة السورية والشعب السوري بحاجة إلى رفع العقوبات حتى تتسنى لهم فرصة إعادة إعمار البلد، وهذه الحالة دقيقة ومعقدة ضمن نظام عقوبات معقد أصلاً، وللمضي قدماً بهذا التحول في السياسة الخارجية، وكخطوة تعقب هذا الإعلان، ينبغي على الولايات المتحدة أن تدرس العقوبات التي باتت على استعداد لرفعها عن سوريا بحيث تحقق من خلال رفعها أهدافاً معينة، كما يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة على دراسة احتمالية وطريقة رفع العقوبات الواجب رفعها عن هيئة تحرير الشام.
لا مفر من محاسبة بشار الأسد
كتبت هذا التحليل الباحثة سيليستي كميوتيك، وهي محامية تعمل لدى مشروع التقاضي الاستراتيجي لدى المجلس الأطلسي.
يعتبر رفع ترمب للعقوبات المفروضة على سوريا بمثابة تطور مرحب به، إذ في الوقت الذي كانت العقوبات أداة استخدمت للتأثير على بشار الأسد ونظامه، تحولت إلى أداة “لمعاقبة الشعب السوري ولمنع عملية إعادة الإعمار ووصول المساعدات الإنسانية وأي أمل بالتعافي الاقتصادي” وذلك بحسب ما أعلنته منظمات وهيئات كثيرة.
ولكن، وبحسب المعلومات المتوفرة، لم تتضح الطريقة التي ستقوم من خلالها الولايات المتحدة باتباع نهج بخصوص العقوبات التي استهدفت أفراداً وكيانات متهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بموجب القوانين التنفيذية المعنية بسوريا (وما يقابلها من عقوبات واسعة استهدفت قطاعات كاملة). وفي الوقت الذي ينبغي رفع تلك التصنيفات أيضاً عندما تسقط عن فرد من هؤلاء الأفراد الشروط التي تندرج ضمن معايير التصنيف، فإن هذا لا يعني أن على واشنطن أن تتبنى مبدأ السماح لتلك الشخصيات بالإفلات من العقاب. والمقصود بذلك أنه لا يجوز للولايات المتحدة أن تسمح للأسد وحلفائه الذين جرى تصنيفهم واتهامهم بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بالابتعاد عن المشهد من دون أن تلحق بهم تبعاته. إذ في الوقت الذي فر الأسد خارج سوريا، ما يزال يترتب عليه جبر الضرر بالنسبة للسلسلة المروعة من الجرائم التي ارتكبها والتي تشتمل على انتهاكات لحقوق الإنسان والتي تسببت بمعاناة إنسانية لا توصف على مستوى واسع.
أي أن رفع العقوبات التي تستهدفت شخصيات وكيانات معينة قد يسمح للأسد مثلاً بالسفر إلى الولايات المتحدة والوصول إلى الأصول التي جمدتها أميركا في السابق، إلى جانب قدرته على إقامة صفقات ومعاملات بالدولار الأميركي. ولهذا وعوضاً عن ذلك، بوسع الولايات المتحدة أن تحافظ على تصنيفها لتلك الشخصيات والكيانات المستهدفة بموجب برامج أخرى معنية بذلك، مثل برنامج عقوبات ماغنيتسكي العالمي المعني بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما يجوز لإدارة ترمب أن تستغل هذه اللحظة وأن تحولها إلى فرصة لتجديد التزام واشنطن بمواصلة المحاسبة الجنائية في الداخل الأميركي بالنسبة للفظائع والجرائم التي ارتكبت في سوريا، وغيرها من سبل المساءلة.
خطوة في سياسة العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا تتماشى مع السياسة الأوروبية والبريطانية
قدمت هذا التحليل الباحثة مايا نيكولازدي وهي معاونة مدير مبادرة فن الحكم الاقتصادي ضمن مركز GeoEconomics التابع للمجلس الأطلسي.
أتى إعلان ترمب بخصوص رفع العقوبات عن سوريا مفاجئاً، ومثل تماشياً مرحب به بين استراتيجية العقوبات التي تنتهجها واشنطن وتلك التي يتبناها الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، إذ لطالما طالب المسؤولون الأوروبيون واشنطن برفع عقوباتها عن سوريا وذلك لأنه لا يجوز للشركات متعددة الجنسيات وللبنوك الكبيرة دخول الأسواق السورية طالما بقيت العقوبات الأميركية الثانوية مفروضة على هذا البلد.
وفي الوقت الذي لم تعرف تفاصيل خطة رفع العقوبات الأميركية حتى الآن، يجب على واشنطن الاستعانة بدليل رفع العقوبات الذي وضعه الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، إذ في شهر شباط الماضي، أعلن المجلس الأوروبي بأن الاتحاد الأوروبي سيرفع العقوبات المفروضة على قطاعي الطاقة والمواصلات في سوريا، وسيخرج أربعة مصارف سورية من قائمته، وسيخفف القيود المفروضة على المصرف المركزي السوري. إلا أن العقوبات الأوروبية المفروضة على نظام الأسد، وعلى قطاع السلاح الكيماوي، وعلى الاتجار غير المشروع بالمخدرات، وكذلك الإجراءات المفروضة على قطاع الإتجار بالسلاح والبضاعة التي تستخدم لأكثر من غرض ستبقى في مكانها. وخلال الشهر الماضي، لحقت المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي فرفعت العقوبات المفروضة على المصرف المركزي السوري وعلى ثلاثة وعشرين كياناً ومؤسسة أخرى. وما تزال المملكة المتحدة تحتفظ بعقوباتها على شخصيات تتبع لنظام الأسد البائد وعلى المتورطين في الاتجار غير المشروع بالمخدرات، شأنها في ذلك شأن الاتحاد الأوروبي.
وهنا يجب على واشنطن أن تقلد الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في اتباع هذا النهج المتدرج في رفع العقوبات، وهذا يعني البدء بقطاعي المال والطاقة، بهدف خلق بيئة مواتية للشركات متعددة الجنسيات بما يشجعها على دخول السوق السورية. وفي الوقت ذاته، يجب على الولايات المتحدة تشجيع الاقتصاد السوري على التعامل بالدولار، مع تقديم مساعدات مالية، بالإضافة إلى مساعدة الحكومة السورية في تأسيس رقابة تنظيمية لمنع صرف التمويل إلا ضمن جهود إعادة الإعمار.
نجاح دبلوماسي للسعودية وتركيا
كتب هذا التحليل الباحث عمر أوزكيزيلجيك وهو باحث غير مقيم لدى مشروع سوريا ضمن برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، وهو محلل مقيم بأنقرة متخصص بالسياسة الخارجية التركية وملف محاربة الإرهاب والشؤون العسكرية.
إن قرار ترمب القاضي برفع كامل العقوبات عن سوريا يحمل بين طياته أهمية كبيرة للشعب السوري، كونه يقدم لهم فرصة حقيقية لإعادة بناء بلدهم وللبدء بعملية التعافي، إذ في الوقت الذي كانت النية في البداية من وراء فرض العقوبات حماية المدنيين ومنع نظام الأسد من ارتكاب مزيد من جرائم الحرب، تحولت تلك العقوبات إلى عثرة كبيرة خاصة بعد سقوط الأسد، كونها أضرت بالشعب السوري بالمقام الأول.
ولكن، وبعيداً عن التبعات الإنسانية المترتبة على هذا القرار، تمثل هذه الخطوة مكسباً جيوسياسياً للولايات المتحدة، إذ عبر رفع العقوبات، ستمكن واشنطن حلفائها من الاستثمار في سوريا، وهذا ما سيمنع اعتماد دمشق على الصين وروسيا، بما أنه بوسع هاتين الدولتين الالتفاف على العقوبات من أجل تحقيق نفوذ لهما في سوريا. بيد أن هذا التصريح الذي أدلى به ترمب لا ينبغي أن ينظر إليه بوصفه رفعاً للإجراءات العقابية، لأنه يمثل الخطوة الأولى نحو الاعتراف بالسلطات السورية المؤقتة بشكل رسمي لتصبح الحكومة الشرعية لسوريا.
أما على الصعيد الإقليمي، فيمثل إنهاء العقوبات نجاحاً دبلوماسياً لكل من السعودية وتركيا، إذ بما أنهما من أهم الداعمين للحكومة السورية الجديدة، لذا تعاونتا على إقناع إدارة ترمب بتغيير موقفها الذي بدا متردداً في البداية، وتوجيهه نحو تعامل أكبر مع القيادة السورية الجديدة، ولقد لعبت الجهود الدبلوماسية القائمة على التنسيق بين البلدين دوراً محورياً في رسم هذا التحول في السياسة الأميركية.
لذا، فإن هذا النجاح المشترك قد يمهد الطريق لخلق تعاون إقليمي أعمق بين الرياض وأنقرة، مع تسليط الضوء على إمكانيات الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة وذلك في حال تعاونها مع بعضها، وبذلك ستتحول سوريا ببطء وبثبات من منطقة نزاع إقليمية إلى منطقة تعاون إقليمي.
يجب أن يتخطى التعامل مع الحكومة السورية حدود تخفيف العقوبات
كتب هذا التحليل الباحث سنان حتاحت وهو عضو رفيع غير مقيم لدى مشروع سوريا ضمن برامج الشرق الأوسط لدى المجلس الأطلسي، ونائب رئيس الهيئة المعنية بالأثر الاستثماري والاجتماعي لدى المنتدى السوري.
أتى قرار واشنطن القاضي برفع عقوباتها المفروضة على سوريا في ظل سياق جيوسياسي اتسم بالتفاف إقليمي غير مسبوق حول الحكومة السورية التي تشكلت حديثاً والتي يرأسها أحمد الشرع، فهذه الحكومة خلقت حالة إجماع فريدة بين القوى الإقليمية المتباينة تاريخياً، والتي اتسمت العلاقات فيما بينها منذ أمد بعيد بالتنافس الاستراتيجي على الهيمنة الإقليمية. ويعزى الفضل لإدارة الشرع في تعزيز هذا الإجماع من خلال رؤيتها الوطنية، وتماشيها بشكل وطيد مع الأهداف الإقليمية الساعية لنشر الاستقرار عموماً، وتحقيق مكاسب للجميع، وخلق حالة تعاون، بدلاً من الاعتماد على الديناميات ذات المحصلة الصفرية التي كان الأسد يفرضها على دول الجوار المباشرة وغير المباشرة.
ولكن ما تزال هناك قوتان فاعلتان إقليميتان تبديان قلقاً واضحاً على الرغم من وجود هذا الإجماع الإقليمي الواسع، أولهما إيران التي كانت حليفاً لنظام الأسد المخلوع، كونها تنظر إلى عملية ترسيخ السلطة بيد الحكومة الحالية في دمشق بمثابة تهديد خطير بما أنها تعتبر تلك الحكومة تحدياً مباشراً لمصالحها الاستراتيجية والأمنية في بلاد الشام. وبالشكل ذاته، ما تزال إسرائيل تشكك بالحكومة السورية الجديدة وذلك بسبب مخاوفها الأمنية المستمرة وبسبب توغلها العسكري المباشر في الأراضي السورية.
ومن وجهة نظر عملية، يجب أن تترافق عملية رفع العقوبات بمرونة بيروقراطية، ويشمل ذلك وجود إجراءات إدارية سريعة تمكن الشعب السوري والمؤسسات الخاصة من الالتزام بالأعمال الإطارية القانونية الدولية بشكل فعال، لأنه لا يجوز أن ينظر إلى عملية رفع العقوبات على أنها مجرد بادرة سياسية بل إنها تمثل أيضاً واقعاً إجرائياً ومؤسساتياً، ولتحقيق ذلك، يجب على حكومات الدول الإقليمية والأوروبية والأميركية أن تسهل وبشكل استباقي عملية نقل المعارف والحد من العوائق الإجرائية، وتسريع الإصلاحات الضرورية، إذ تعتبر تلك الإصلاحات شرطاً مسبقاً وأساسياً لضمان ترجمة عملية رفع العقوبات إلى حالة تقدم ملموسة على المستوى الاقتصادي والسياسي في سوريا.
راحة من الضروري أن يعيشها كل السوريين في كل مكان
ديانا الريس: باحثة غير مقيمة لدى مشروع سوريا ضمن برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، وهي تعمل اليوم باحثة بعد نيلها لشهادة الدكتوراه من كلية السلك الدبلوماسي بجامعة جورج تاون.
حمل هذا التحول في السياسة شيئاً أشبه بتنفس الصعداء بالنسبة للشعب الذي أثقلت كاهله الأزمة الإنسانية ووضع التنمية في البلد، لأن غالبية الشعب السوري اليوم يعيش تحت خط الفقر، وهنالك أكثر من ثلاثة ملايين وسبعمئة ألف طفل سوري خارج المدراس، بينهم أكثر من نصف مليون طفل في سن الدراسة، ولا تتعدى نسبة المشافي السورية التي ما تزال تقدم كامل خدماتها 57% فقط، وتشمل 37% فحسب من مرافق الرعاية الصحية الأساسية، وعلى الرغم من تفشي الفاقة، وعدم توفر المساعدات الإنسانية، فإن ذلك قد أسهم في تفاقم أثر العقوبات التي أسقطتها إدارة ترمب الآن، بعد أن خفضت المساعدات الخارجية المخصصة لسوريا بشكل دائم.
تعتبر عملية رفع العقوبات خطوة أولى مهمة لإرساء الاستقرار بالنسبة للنظم الأساسية، وخاصة بالنسبة للقطاع الصحي الذي تعتبره الحكومة السورية أولوية وطنية. كما أن رفع العقوبات لا بد أن يسهم في استعادة القدرة على الحصول على الأدوية والمستلزمات والمعدات الأساسية، وهذا التحول يفتح أيضاً مجالاً أوسع أمام الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب تشجيع الحكومات والعناصر الفاعلة ضمن القطاع الخاص على العودة للتعامل مع سوريا بوصفها لاعباً مهماً في المنطقة، أي أن الفرصة أصبحت تلوح اليوم أمام شركات البنى التحتية وشركات المستحضرات الدوائية والجهات الشريكة في مجال التنمية والتطوير والتي بقيت في حالة انتظار منذ فترة طويلة، وذلك حتى تدعم عملية التعافي المبكر وتعيد بناء النظم التي توفر الخدمات للحياة اليومية.
ويعتبر هذا التحول في السياسة تحولاً كبيراً بالنسبة للسوريين النازحين منذ عقود في أصقاع العالم، لأن دعم جهود التعافي المبكر من خلال رفع العقوبات لا بد أن يساعد على العودة الآمنة والطوعية إلى جانب المساهمة في نشر استقرار أكبر على المستوى الإقليمي، ولهذا ينبغي على الدول المضيفة للاجئين السوريين أن تسير على هدي ترمب.
آن الأوان الآن لتأسيس صندوق لضحايا سوريا
كتبت هذا التحليل إيليز بيكر وهي محامية بارزة تعمل لدى برنامج التقاضي الاستراتيجي، وتقدم الدعم القانوني للمشروع، وتحرص على إدماج الوسائل القانونية ضمن السياسة الخارجية، مع التركيز على المساعي المعنية بالمحاسبة والجهود الوقائية لمنع وقوع جرائم وحشية، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وجرائم متصلة بالإرهاب، أو بالفساد.
مع سقوط نظام الأسد، لم يعد من المناسب وجود العقوبات التي فرضت “لتحرم النظام من الموارد اللازمة لمواصلة العنف ضد المدنيين وللضغط على النظام السوري حتى يسمح بتحول ديمقراطي كما يريد الشعب السوري”، بل أصبحت تلك العقوبات تعيق عمليات إعادة الإعمار والتعافي الواجب البدء بها في سوريا، غير أن رفع العقوبات لوحدها لا يكفي.
إذ خلال السنوات الأربع عشرة الماضية، استفادت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية من فرض العقوبات على سوريا، لأنه عندما تخرق أي شركة أو فرد العقوبات على سوريا، تتخذ الولايات المتحدة وغيرها من الدول إجراءاً قاسياً لفرض قوانينها، حيث تفرض غرامات وشروطاً جزائية وعمليات مصادرة على كل عملية خرق، وعائدات كل ذلك تخصص لتلبية أغراض داخلية، من دون أن يستفيد الشعب السوري عند مصادرة أو استعادة تلك الحقوق.
ولهذا حان الوقت الآن لتغيير هذه السياسة، بعد أن أصبحت سوريا أخيراً مستعدة لعملية إعادة الإعمار والتعافي، مع عودة اللاجئين إليها، وبدء الضحايا والناجين بالتشافي. لذا، وإلى جانب رفع العقوبات عن سوريا، يجب على الولايات المتحدة وغيرها من الدول توجيه العائدات التي ترتبت على عمليات إنفاذ القانون بالنسبة للعقوبات المفروضة على سوريا، سواء تلك التي حصلت في الماضي أو التي سيتم تحصيلها مستقبلاً، بما يفيد الشعب السوري ويساعد الضحايا والناجين السوريين على التعافي. ويمكن لذلك أن يتم عبر الاستماع لمطالبات المجتمع المدني السوري وتأسيس صندوق لضحايا سوريا لا يتبع للحكومة، يحظى بمصادقة البرلمان الأوروبي.
الولايات المتحدة تخاطر بتخليها عن نفوذها في سوريا في حال لم تقدم دعماً مالياً كبيراً لهذا البلد
قدمت هذا التحليل الباحثة ليز دي كرويف وهي إحدى المساعدين في مبادرة فن الحكم الاقتصادي.
تعتبر عملية رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا خطوة أولى مهمة، لكنها لا تكفي لإفساح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية الكبرى التي تحتاجها سوريا من أجل التعافي وإعادة الإعمار، إذ بعد مرور سنوات من النزاع والعزلة، أضحت سوريا بحاجة لما هو أكبر من الاقتصاد المفتوح، لأن عليها أن تعيد بناء الثقة وأن تظهر مدى نشرها للاستقرار على المدى البعيد. كما أن المستثمرين لن يعودوا إلى سوريا ببساطة لأن العقوبات قد رفعت عنها، بل هم بحاجة لتطمينات تتصل بالاستقرار والحماية القانونية ومؤشرات واضحة من المجتمع الدولي.
غالباً ما يتبع المستثمرون من القطاع الخاص الحكومات والمنظمات متعددة الجنسيات، والدول التي تحصل على مساعدات أجنبية كبيرة بعد النزاعات تستقطب عادة رأسمال أكبر من القطاع الخاص، ولقد بدأت أوروبا والأمم المتحدة بإعداد نهج إيجابي خاص بفن الحكم الاقتصادي، ورصدت مليارات الدولارات ضمن منح وقروض ميسرة لتدعم عملية التعافي في سوريا. إلا أنه ما يزال يترتب على الولايات المتحدة أن تتعهد بتقديم دعم مالي لسوريا خلال هذا العام، وذلك بعد أن أعلنت عن توقعاتها تجاه تحمل جهات أخرى لهذا العبء، وهذا ما يخلق فراغاً في القيادة ويفسح المجال أمام تدخل المنافسين الجيوسياسيين.
بدأت دول على رأسها تركيا والسعودية وقطر وروسيا والصين بفعل ذلك، إذ سارعت لمد نفوذها في سوريا من خلال الاستثمار في مشاريع النفط والغاز والبنية التحتية وإعادة الإعمار، إلى جانب تسديد ديون سوريا للبنك الدولي. ومقابل هذا الدعم المالي، كسبت تلك الدول الوصول إلى القطاعات الاستراتيجية التي سوف ترسم شكل مستقبل سوريا، وكذلك شكل الديناميات التي ستطبق بشكل أوسع في المنطقة. ولهذا في حال غياب الولايات المتحدة عن مشهد تعافي سوريا، فإنها ستخاطر بالتخلي عن نفوذها في سوريا على المدى البعيد، وتقديمه كلقمة سائغة لخصومها.
ثم إن إعادة الإعمار ليست مجرد ضرورة إنسانية، بل إنها فرصة استراتيجية، ولهذا فإن عملية رفع العقوبات تفتح أحد الأبواب، في حين أن تنسيق الجهود للخروج باستجابة إيجابية بالنسبة لفن الحكم الاقتصادي تعتبر ضرورة لضمان تعافي سوريا بما يتماشى مع المصالح الدولية الأوسع، وتتضمن تلك الاستجابة وسائل منها ضمانات يقدمها البنك الدولي للمخاطر إلى جانب التمويل الأميركي لعملية التنمية والتطوير.
المصدر: The Atlantic Council
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية