جدول المحتويات
«نبض الخليج»
في تقرير صدر عن “المجلس الأطلسي” (The Atlantic Council)، تناول المركز الأميركي تطورات المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، مسلطًا الضوء على الفرص الاستراتيجية التي أفرزها هذا التحول الدراماتيكي، وكذلك على التحديات البنيوية والسياسية التي تعترض المرحلة الانتقالية في البلاد.
ويقدّم التقرير قراءة للواقع السوري الجديد، ويستعرض مواقف اللاعبين الإقليميين والدوليين، وخاصة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، من السلطة الجديدة في دمشق.
ويشير المجلس الأطلسي إلى أن المجتمع الدولي يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما الانخراط المشروط مع السلطات الانتقالية من أجل ضمان الاستقرار وإعادة الإعمار، أو التمسك بسياسات العزل التي قد تعيد إشعال دوامة النزاع والانهيار الاقتصادي.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذه المادة في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع الأمن في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية المركز الأميركي، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الملف السوري عالميا، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته أو للمصطلحات الواردة فيه.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
طوال ردح طويل من الخمسين سنة الماضية، بقيت سوريا جرحاً مفتوحاً في قلب الشرق الأوسط، وهذا ما أثار حالة من انعدام الاستقرار، وغذى النزاعات، وساعد القائمين على ذلك البلد في قمع شعبهم بكل وحشية. وخلال الحرب السورية التي امتدت لأربعة عشر عاماً تقريباً، توسعت ارتداداتها المتتالية التي عملت على زعزعة الاستقرار فوصلت إلى دول الجوار كما أثرت على العالم بأسره. وعليه، فإن العبارة القديمة القائلة: “ما يحدث في سوريا لن يبق في سوريا” تلخص تماماً الأزمة التي بقيت مستعصية خلال فترة طويلة من السنوات العشر الماضية.
تغير كل ذلك في الثامن من كانون الأول 2024، وذلك عندما فر بشار الأسد من قصره بدمشق وسارع إلى طلب اللجوء في روسيا بخلاف كل التوقعات، إذ بعد هجوم مباغت وسريع، أسقط تحالف لجماعات المعارضة المسلحة نظام الأسد كمن يسقط بيتاً من ورق، لأن الأمر لم يستغرق أكثر من أحد عشر يوماً. وفجأة، أضحى المجتمع الدولي أمام فرصة استراتيجية تاريخية بوسعه أن يستغلها ليعيد رسم قلب الشرق الأوسط فيجعل من تلك البقعة المنطقة الأكثر استقراراً والأعلى اندماجاً والأشد إيجابية في المنطقة.
بيد أن العملية الانتقالية التي تجري في سوريا حالياً غاية في الهشاشة، إذ تعترضها تحديات جسيمة، كما أنها تضع المجتمع الدولي أمام معضلة أخرى، إذ منذ اليوم الأول للعملية الانتقالية، هيمنت عليها هيئة تحرير الشام، وسيطرت على قيادتها، وهي فرع سابق من فروع تنظيم القاعدة، وقد انبثقت بالأصل عن الحركة التي سبقت تنظيم الدولة الإسلامية، ألا وهي تنظيم الدولة في العراق والشام. وكل هذا الإرث التاريخي يعتبر سبباً وجيهاً للتريث فيما يتصل بالتعامل مع السلطات الانتقالية في سوريا.
عقد من التغيير
غير أن الهيئة اليوم هي حصيلة عقد من التغيير، إذ بعد أن انشقت عن تنظيم الدولة في العراق والشام في عام 2013، حاربت ذلك التنظيم الإرهابي، كما فكت ارتباطها بتنظيم القاعدة في عام 2016، وسارعت لتسهيل دخول آلاف العساكر إلى مناطقها عبر تركيا وهي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، ووافقت كما التزمت بهدنة لوقف إطلاق النار امتدت لسنوات، جرى التوقيع عليها بوساطة تركية وروسية، كما شكلت “حكومة الإنقاذ” التي تتسم بأنها حكومة تكنوقراط في شمال غربي سوريا، حيث عملت هذه الحكومة على توفير مستوى أعلى من الخدمات مقارنة ببقية مناطق سوريا، كما شنت الهيئة حملات قوية ضد تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، وبدأت بالتعامل مع المجتمع الدولي خلف الأبواب الموصدة. وخلال فترة الإصلاحات التي بدأت بعد عام 2016، تغيرت عقيدة هيئة تحرير الشام من نواح يراها كثيرون غير مسبوقة في تاريخ الحركة الجهادية، إذ لم تنصرف عن الجهاد العالمي فحسب، بل انقلبت ضده، وذلك بعد أن اعتنقت “الثورة” وعلمها الأخضر.
وعلى الرغم من ترؤس الهيئة وزعيمها، أحمد الشرع، لدمشق، فإن معظم دول المجتمع الدولي سارعت للتعامل معها، إذ ارتأت بأن التواصل والتعامل مع تلك القيادة يقدم فرصة أكبر لتحديد شكل نتائج العملية الانتقالية الهشة مقارنة بتلك التي تقدمها سياسة العزل. في بداية الأمر، خفف كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وسويسرا معظم العقوبات المرتبطة بالاقتصاد السوري، على أمل إنعاش البلد بعد طول سبات. ومن جانبها، قدمت إدارة بايدن التي كانت ولايتها منتهية وقتئذ “رخصة عامة” مدتها ستة أشهر وذلك في شهر كانون الثاني من العام 2025، وهذا ما أسقط وبشكل مؤقت بعض الإجراءات التقييدية المفروضة على سوريا، إلا أن كل ذلك لم يؤثر على مسألة تسهيل الصفقات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا.
فرصة تاريخية تكتنفها عقوبات وتحديات
بعد سنوات من النزاع الاستثنائي، انهار الاقتصاد السوري وأصبحت الأزمة الإنسانية في البلد أسوأ من أي وقت مضى، إذ أضحى 90% من أبناء وبنات الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر، كما أصبح 70% منهم يعيشون على المساعدات، وخسرت الليرة السورية 99% من قيمتها، وتدمرت 50% من البنى التحتية الأساسية في البلد، وهبط مستوى توفر الوقود إلى الصفر تقريباً. وبصرف النظر عمن يقود العملية الانتقالية بسوريا، فإن احتمال نجاح البلد بتجاوز تلك الظروف الكارثية مستحيل من دون تخفيف العقوبات. أما دول المنطقة، وخاصة السعودية وتركيا وقطر، فعلى استعداد لإغراق سوريا بالاستثمارات والنفط والكهرباء والأموال، إلا أن ذلك لن يتحقق ما دامت العقوبات الأميركية تمنع تلك الدول من الإقدام على ذلك.
إن استغلال الفرصة التاريخية التي خلقها سقوط الأسد يتطلب التخلي عن المقاربات التكتيكية قصيرة الأمد، وتبني رؤية طويلة الأمد تركز على استقرار سوريا والمنطقة. إذ في الثامن من كانون الأول الماضي، كانت السلطات الانتقالية بدمشق تقتصر على هيئة تحرير الشام فحسب، وبعد مرور ثلاثة أشهر على ذلك، تغيرت بعض الأمور، إذ أقيم مؤتمر للحوار الوطني، وتشكلت لجان موسعة لصياغة الإعلان الدستوري، كما تشكلت حكومة انتقالية زادت وبشكل كبير من تمثيل الشعب السوري ومن حكم التكنوقراط داخل الوزارات السورية، واعتبر ذلك توسعاً مهماً في تمثيل الشعب ضمن الحكومة، إذ لم تحتفظ هيئة تحرير الشام سوى بأربع وزارات من أصل ثلاث وعشرين وزارة. كما أن أكثر من نصف أعضاء الحكومة الجديدة متعلمون ولديهم خبرة عمل احترافية داخل أوروبا أو الولايات المتحدة. وهذا عموماً يعتبر تحولاً نحو حكومة تكنوقراط حقيقية.
ومع ذلك ما تزال جوانب حالة انعدام الاستقرار موجودة، إذ ما برحت الانقسامات السياسية-الاجتماعية والطائفية المتجذرة في المجتمع السوري تشكل مصدر قلق بالغ، غير أن العنف الذي وصل إلى ذروته في السابع والثامن من آذار 2025، لم يستمر طويلاً. إذ كلفت لجنة تحقيق عينتها الحكومة بالكشف عن المسؤولين عن ارتكاب الجرائم. وفي تلك الأثناء، بقيت قضايا بنيوية مثل نزع السلاح وتسريح العسكر وإعادة الاندماج، والمقاتلين الأجانب، والتحديات التي يمثلها تنظيم الدولة والمقاومة العلوية المسلحة موجودة، ولكن في نهاية المطاف، ما تزال العملية الانتقالية الهشة تمثل الأمل بنشر الاستقرار بصورة تدريجية.
مسار جديد لتعافي سوريا
وهنا أصبحت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أمام خيارين: إما أن تتعامل مع القائمين على العملية الانتقالية في سوريا وأن تدعمها بشكل مشروط وذلك على أمل أن تستمر بترسيخ سيطرتها وتوسيع تمثيل الشعب في حكومتها، أو النأي عنها وعزلها لصالح بدائل أخرى، وكلا الخيارين محفوفٌ بالمخاطر، غير أن الخيار الثاني كفيل بخلق حالة انعدام استقرار شديدة، في حين يهدف الخيار الأول لتجنب هذا السيناريو. ولهذا يعتبر إعلان الرئيس ترمب من السعودية في أيار 2025 عن رغبته بإنهاء كامل العقوبات المفروضة على سوريا دليلاً على عودة الحسابات الاستراتيجية إلى واجهة صناعة السياسة الأميركية المعنية بسوريا. ومما يؤكد هذا التحول التصريحات التي ظهرت بعد ذلك على لسان وزير الخارجية ماركو روبيو أمام الكونغرس، وذلك عندما ذكر بأنه في حال عدم رفع الولايات المتحدة العقوبات عن سوريا، فمن المحتمل لهذا البلد أن ينهار وأن يعود إلى مرحلة النزاع، والعامل المهم هنا هو الوقت، ولكن ما مدى سرعة إصدار الإعفاءات التنفيذية وتأثير ذلك على رفع العقوبات والقيود المفروضة بحكم الأمر الواقع على الاقتصاد السوري؟ إن قرار الاتحاد الأوروبي الذي صدر في 20 من أيار الماضي والقاضي برفع كامل العقوبات يشير إلى أن الأمور يجب أن تتم بسرعة. وإذا عاد الدبلوماسيون الأميركيون إلى دمشق، فيمكن لسوريا وبكل ثقة أن توضع على مسار جديد للتعافي.
وفي هذه الأثناء، واصلت القيادة الوسطى الأميركية لعب دورها المهم في تسهيل المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ودمشق، وفي الضغط على قسد لقبول الاتفاقية الإطارية التي وقعت في 11 آذار بينهما، إذ شملت عمليات التواصل التي قامت بها القيادة الوسطى، والتي بدأت في أواسط كانون الأول 2024، لقاءات مع الشرع، وتخصيص خط للتواصل مع وزارتي الدفاع والداخلية اللتين تم من خلالهما التخطيط لعمليات محاربة تنظيم الدولة وتنسيقها إلى جانب عمليات خفض النزاع. فمنذ كانون الثاني 2025، أحبطت الحكومة المؤقتة ما لا يقل عن ثماني عمليات لتنظيم الدولة ويعود الفضل في ذلك للمعلومات الاستخباراتية التي زودتها بها الولايات المتحدة. كما أن الزيادة الكبيرة في غارات المسيرات الأميركية التي استهدفت عناصر تنظيم القاعدة في شمال غربي سوريا خلال شهر شباط من عام 2025 كانت نتيجة لتبادل معلومات استخباراتية بين الطرفين بصورة مؤكدة.
وبما أن الولايات المتحدة عزمت على تقليص استثماراتها العسكرية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، وأصبح حلف شمال الأطلسي مشغولاً بما يقلقه داخل أوروبا، فإن مسألة نشر الاستقرار في واحدة من ساحات النزاع الأشد ضراوة وزعزعة للاستقرار في التاريخ الحديث باتت من البديهيات. وعلى الرغم من المخاطر والأمور الكثيرة التي ماتزال مجهولة، فإن إبداء الاهتمام باستراتيجية تخص سوريا وتركز على تشكيل حكومة مركزية مستقرة تتمتع بالقدرات والإمكانيات ومندمجة ضمن محيطها وقادرة على حل مشكلاتها بنفسها ينبغي أن يكون الخيار الأوحد المطروح على الطاولة اليوم، وهذا ما اختارته أوروبا ولهذا لابد للشرق الأوسط وللولايات المتحدة أن يلحقا بها، إذ في حال انضمام إدارة ترمب لهذا المسار القائم على المشاركة والتعاون بلا أدنى تردد، فإن فرص سوريا في رسم مسار للاستقرار لابد أن ترتفع بشكل كبير.
المصدر: The Atlantic Council
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية