«نبض الخليج»
إن الطريقة التقليدية لإنجاب الأطفال ليست سراً، فالأب يقدم النطفة، وهذه النطفة عند التقائها ببويضة الأم، تتسبب بظهور جنين يحتوي على مورثات من كلا الأبوين، وهذه العملية شائعة ومعروفة لكنها ليست متاحة لكل الناس، إذ لا يمكن للأزواج مثليي الجنس إنجاب أطفال بيولوجيين من كليهما، ولهذا، حاول العلماء منذ أمد بعيد الخروج بوصفات طموحة لتحقيق ذلك، وعلى رأسها تلك الوصفات التي تخلصت من الحاجة لوجود أحد الأبوين، وقد حققت تلك الأبحاث بعض النجاح، إذ انتشرت أنباء في عام 2004 عن ظهور فئران ولدت لأمّين من دون وجود أي أب، غير أنه تبين بأن خلق حيوانات بوجود أبوين وعدم وجود أي أم عملية أصعب من ذلك بكثير.
في 23 من حزيران الجاري، قدم فريق بحثي صيني أكمل محاولة في هذا السياق حتى الآن، ففي ورقة نشرتها مجلة PNAS ذكر هذا الفريق بأنهم أوجدوا فأرين بحالة صحية جيدة وخصوبة عالية من أمّين من الجنس نفسه، غير أن مورثاتهما أخذت من فأرين ذكرين.
وقد تحقق هذا الإنجاز بفضل احتواء كل خلية منوية على نصف المورثات اللازمة لتشكل الجنين كما هي الحال مع بويضة الأم. إلا أن ما يعقد الأمور هو أن بعض مورثات الأبوين تحمل بصمة خاصة، والمقصود بذلك أنها تحمل مجموعة محددة من التعديلات الكيماوية التي تعدل نشاط المورثات، وفي الوقت الذي تعارض بصمة الأم بصمة الأب عادة بالنسبة لمسألة تطور الجنين، فإن أخذ المورثات من أبوين ينتميان للجنس نفسه يهدد بإنتاج ذرية ضعيفة لا تقوى على العيش.
وللتغلب على هذه المشكلة، جرب العلماء تعديل أحدث مورثات بيضة الأم والخلايا المنوية وذلك للتخلص من مناطق الحمض النووي المسؤولة عن إحداث تلك البصمة الخاصة، وقد نجح ذلك مع البويضات، حيث تطلب الأمر التخلص من ثلاث أو أربع مناطق لإنتاج فأر من أمّين، غير أن عملية التغلب على البصمة الخاصة للأب أصعب من ذلك بكثير. ففي ورقة نشرها فريق صيني آخر في شهر كانون الثاني الماضي، كشف الباحثون عن الحاجة لإتلاف ما يصل عدده إلى عشرين منطقة للحمض النووي وذلك لإنتاج فأر من أبوين ذكرين. وحتى في حال تحقيق ذلك، قد لا يتمكن الفأر الذي يتمخض عن تلك العملية من التوالد والتناسل بصورة طبيعية.
التعديل الفوق جيني
استعان الفريق البحثي الذي كتب هذه الدراسة الجديدة، والذي يرأسه وي يانتشانغ من جامعة جياو تونغ بشنغهاي، بتقنية تعرف باسم التعديل الفوق جيني، إذ بدلاً من العبث بالجينات بشكل مباشر، تستهدف هذه العملية البصمة الوراثية، أي الجزيئات الدقيقة التي تتحكم بنشاط المورثات. وعبر إضافة تلك الجزيئات أو التخلص منها، يمكن تنشيط المورثات الفردية أو كبحها من دون تعديل المورثات نفسها بصورة دائمة.
تمثلت الخطوة الأولى بأخذ خلية بويضة من فأر عادي وإزالة نواتها التي تحتوي على الحمض النووي للأم، ثم ملء البيضة الفارغة بمعدلات فوق جينية، أما البروتين فيتخصص إما بإضافة العلامات فوق الوراثية أو إزالتها. والمعدلات المستخدمة في تلك التجارب جرت برمجتها على إيجاد سبع مناطق للحمض النووي تتمتع ببصمة وراثية تحتاج إلى تعديل، بعد ذلك جرى حقن خليتين منويتين بلا ذيل داخل تلك البويضة، ما ساعد على التقائهم والبدء بتطور الجنين. وبما أن جنيناً واحداً قد أخذ من نسل الفأر الذي تعرفت عليه العناصر المعدلة التي تمت برمجتها، فهذا يعني بأنه لا يمكن إجراء التعديل إلا على تلك الخلية المنوية.
للنجاح آباء كثر
بمجرد أن كبر الجنين الناتج عن تلك العملية بالقدر الكافي، قام الفريق بحقنه في رحم فأرة مرضعة على أمل متابعة الحمل به. ومن بين 259 جنيناً خلقوا من أبوين ذكرين ونقلوا إلى 18 فأرة، ولد منهم ثلاثة فئران صغيرة حية فحسب، ومن بينها كبر اثنان ليتحولا إلى فأرين بالغين طبيعيين صحيحي الجسد وقادرين على التوالد، أحدهما أصبح أباً لتسعة فئران، والآخر لستة، وهذا ما يميط اللثام وللمرة الأولى عن إمكانية ولادة حيوانات تتمتع بالخصوبة من أبوين ذكرين وذلك عبر إعادة كتابة البصمة الوراثية للأب خلال الفترة الأولى من تشكل الجنين. ويعلق على ذلك الطبيب ماهيش سانغريثي، المتخصص بالطب الإنجابي بكلية الملوك بلندن، فيقول: “إنها طريقة ذكية وأنيقة”، لكن هذا لا يعني بأنها كافية، لأن 0.8% من الأجنة التي جرى نقلها تحولت إلى حيوانات حية.
غير أن الاهتمام الأكبر ينصب اليوم على إمكانية مساعدة عملية التعديل الفوق جيني لأبوين ذكرين بشريين (أو لأمين بشريتين) حتى يصبح لديهما طفل بيولوجي من صلبهما. وبما أن هذه العملية تتجنب تعديل المورثات بشكل دائم، لذا فإنها تعتبر تدخلاً أقل خطراً من عملية تعديل المورثات، ولكن لا يحق لنا أن نتوقع ظهور أطفال بشريين لأبوين ذكرين خلال المستقبل القريب، وذلك لأن تعديل البصمة الوراثية للنطفة البشرية قد يكون أعقد بكثير من تعديل البصمة الوراثية لنطفة الفأر، وهنالك سبب آخر، وهو القواعد والقوانين المشددة التي تخضع لها الأبحاث التي تجرى على الأجنة البشرية، فالأبحاث التي أجريت من أجل خلق أطفال من أمين، والتي سبقت الأبحاث التي تجري اليوم بعشرين عاماً، ما تزال بعيدة كل البعد عن المجال السريري.
إن تقنياتنا التي يقوم بعض منها بتحويل خلايا ذكرية إلى بويضات، قد تتحول إلى نهج مثمر بصورة أكبر بالنسبة للتحدي عينه، ولكن خلال المستقبل المنظور، ستبقى الأبوة البيولوجية تعتمد على شخص واحد من كل جنس وهذا الشخص لا بد أن يبدي استعداده لتقديم حمضه النووي.
المصدر: The Economist
شارك هذا المقال
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية