جدول المحتويات
كتب: هاني كمال الدين
في تصعيد جديد يعكس حدة التوتر في الشرق الأوسط وتحوّل السياسة الأمريكية تجاه طهران، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران بشدة، مؤكدًا أنه لم يقدم لها أي عروض تفاهم، ولم يتحدث مع مسؤوليها منذ تنفيذ الولايات المتحدة ضربات جوية استهدفت منشآتها النووية الحساسة. وقد جاءت تصريحاته المثيرة للجدل عبر منصة “تروث سوشيال” (Truth Social) التي بات يستخدمها بانتظام لبث رسائله السياسية.
قال ترامب صراحة: “أنا لا أقدّم شيئًا لإيران، على عكس أوباما… ولم أتحدث إليهم منذ أن دمّرنا منشآتهم النووية بالكامل.”
هذه الجملة وحدها، بما تحمله من دلالات سياسية وأمنية، أعادت إشعال الجدل حول نهج واشنطن تجاه طهران، وأظهرت أن خيار القوة لا يزال حاضرًا بقوة على طاولة ترامب، حتى بعد التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل.
هجوم مباشر على إدارة أوباما: “منح إيران المليارات”
لم يكتف ترامب بمهاجمة إيران، بل وجّه انتقادًا شديد اللهجة إلى إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، متهمًا إياها بشكل غير مباشر بتمويل طهران عبر الصفقة النووية التي وقعتها واشنطن مع القوى الكبرى عام 2015. وقال ترامب إن إيران حصلت على “مليارات الدولارات” من الولايات المتحدة في تلك الفترة، وهي أموال استخدمتها طهران لاحقًا في “تعزيز قدراتها النووية والعسكرية”، بحسب تعبيره.
هذا الاتهام يأتي في وقت حساس للغاية، إذ تسعى عدة أطراف دولية لإعادة إحياء الاتفاق النووي بعد تعثر المفاوضات بسبب انسحاب واشنطن في وقت سابق، إلا أن تصريحات ترامب الأخيرة تجعل من الواضح أن إدارته – على الأقل في توجهاتها العلنية – لا تضع المفاوضات ضمن أولوياتها، بل تسعى لفرض واقع عسكري جديد.
ترامب يهاجم إيران ويكشف: قصفنا ثلاث منشآت نووية رئيسية
تأتي تصريحات ترامب تزامنًا مع الأحداث العسكرية المتلاحقة التي وقعت خلال الأيام الماضية، حيث أكد أن القوات الجوية الأمريكية شنت غارات مركزة على ثلاث منشآت نووية إيرانية في 22 يونيو، موضحًا أن هذه الضربات “دمّرت تمامًا” منشآت تخصيب اليورانيوم، وهي مواقع حساسة كانت طهران تعتبرها خطًا أحمر.
وكانت إسرائيل قد سبقت تلك الضربات بعملية عسكرية مفاجئة أطلقت عليها اسم “الأسد المنتفض”، والتي بدأت في 13 يونيو واستهدفت مواقع نووية وعسكرية داخل إيران، ما أدى إلى تصعيد واسع النطاق، دفعت طهران للرد عبر إطلاق عملية انتقامية حملت اسم “الوعد الصادق – 3”.
في هذا السياق، يبدو أن تصريحات ترامب ليست مجرد دعاية انتخابية أو استعراض عضلات، بل تأكيد رسمي على أن الولايات المتحدة شاركت بفعالية في التصعيد العسكري ضد طهران، وأن واشنطن مستعدة لاتخاذ قرارات حاسمة إذا رأت في إيران تهديدًا مباشرًا.
ترامب يهاجم إيران ويتحدث عن إنهاء الحرب خلال 12 يومًا
بعد التصعيد العنيف، أعلن ترامب في 24 يونيو أن إيران وإسرائيل توصّلتا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وقال: “بعد دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، سيكون بإمكان العالم الاحتفال بالنهاية الرسمية لحرب استمرت 12 يومًا.”
ورغم أن ترامب لم يكشف تفاصيل الاتفاق، فإن إعلان الهدنة شكّل تحولًا مفاجئًا في الأحداث، حيث انتقل الوضع من مواجهة عسكرية مباشرة إلى ما يشبه التهدئة الهشة، وسط شكوك من جانب بعض الأطراف حول مدى التزام إيران وإسرائيل بها.
وفي المقابل، لم تصدر عن طهران حتى الآن تصريحات رسمية تؤكد أو تنفي ما أعلنه ترامب، ما يفتح الباب أمام احتمالات عديدة، منها أن يكون الاتفاق تم عبر وساطة سرية، أو أن تكون التصريحات جزءًا من حملة إعلامية تستبق الانتخابات الأمريكية المقبلة.
هل تنجح سياسة “الردع الكامل” في كبح طموحات إيران النووية؟
يرى مراقبون أن ترامب من خلال تصريحه بأنه لم يتحدث مع إيران منذ قصف منشآتها النووية، يُعلن بداية عهد جديد في التعاطي مع طهران، قوامه الضغط العسكري المباشر بدل الحوار. وتأتي عبارته: “دمّرنا منشآتهم النووية بالكامل” بمثابة رسالة مزدوجة إلى الداخل الأمريكي وإلى النظام الإيراني.
تكرار عبارة “ترامب يهاجم إيران” في خطابه الأخير يؤكد أن الهجوم لم يكن لحظيًا أو تكتيكيًا، بل ضمن استراتيجية مستمرة تسعى من خلالها الإدارة الأمريكية لفرض سقف جديد على طهران، سواء في قدراتها النووية أو طموحاتها الإقليمية.
إيران بين الصمت الاستراتيجي والردود غير المتوقعة
على الرغم من الضربات القاسية، اختارت طهران الرد المحدود من خلال عملية “الوعد الصادق – 3″، ما اعتبره بعض المحللين مؤشراً على رغبة إيران في تفادي حرب شاملة، خصوصًا مع تدهور وضعها الاقتصادي وتراجع دعم بعض حلفائها الإقليميين.
غير أن الخطاب الإيراني قد يتغير، خصوصًا في حال استمرار تصريحات ترامب التي يهاجم فيها إيران، خاصة إذا استمرت في وصف الهجمات الأمريكية والإسرائيلية بأنها “عدوان على السيادة الوطنية”.
إلى أين تتجه واشنطن وطهران بعد هذا التصعيد؟
في ضوء المستجدات، من الواضح أن إدارة ترامب تسير في خط تصعيدي واضح تجاه طهران، يختلف جذريًا عن أسلوب إدارة أوباما. وما يميز هذه المرحلة هو انعدام وجود قنوات حوار معلنة، واستبدال ذلك بسياسة هجومية قائمة على الضربات المباشرة والتصريحات الصارخة.
وفي ظل التغيرات الإقليمية، وإمكانية تغير مواقف القوى الدولية الكبرى، فإن الملف الإيراني يظل مفتوحًا على كل الاحتمالات، بدءًا من إعادة التفاوض بشروط أمريكية مشددة، وصولًا إلى مواجهة عسكرية جديدة، في حال لم تتمكن الأطراف من ضبط الإيقاع.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر