جدول المحتويات
«نبض الخليج»
أثار قرار وزارة الاقتصاد والصناعة السورية بإيقاف استيراد السيارات المستعملة جدلاً واسعاً بين مؤيدين له يرونه خطوة ضرورية لحماية الاقتصاد، ومعارضين اعتبروه ضربة جديدة للفئات المتوسطة والفقيرة، في وقت قدمت فيه الوزارة مبررات للقرار عبر تصريحات خاصة لموقع تلفزيون سوريا.
وأوضحت وزارة الاقتصاد أن القرار، الصادر بتاريخ الأحد 29 حزيران الجاري تحت الرقم 462، يهدف إلى تنظيم سوق السيارات في البلاد، والحد من دخول مركبات قديمة ومتهالكة تستهلك العملة الصعبة ولا تضيف قيمة حقيقية للقطاع.
وبينما تنوعت ردود أفعال الشارع السوري بين الترحيب والتخوف والرفض، عبّر كثيرون عن قلقهم من أن يؤدي القرار إلى ارتفاع أسعار السيارات بشكل غير مسبوق، محذرين من أن الفئات محدودة الدخل لن تجد وسيلة نقل مناسبة في ظل تضخم الأسعار وتآكل القدرة الشرائية.
على ماذا نص القرار؟
نصّ قرار الوزارة على إيقاف استيراد السيارات المستعملة إلى سوريا، مع السماح باستيراد جميع أنواع السيارات الجديدة وغير المستعملة، على ألّا تزيد سنة الصنع عن سنتين عدا سنة الصنع.
وأفادت الوزارة، في قرار حمل الرقم 462، بوقف استيراد السيارات المستعملة اعتباراً من تاريخ الأحد 29 حزيران، باستثناء: الرؤوس القاطرة، الشاحنات، آليات الأشغال العامة، الجرارات الزراعية التي لا تتجاوز سنة صنعها عشر سنوات عدا سنة الصنع.
كما استُثني من القرار حافلات نقل الركاب (عدد مقاعدها 32 مقعداً فما فوق) التي لا تتجاوز سنة صنعها أربع سنوات عدا سنة الصنع. كذلك استُثني من القرار المستوردون الذين اشتروا السيارات قبل تاريخ صدور القرار، على أن يثبتوا أرقام الشاسيه لدى الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية حتى يوم الأحد 6 تموز القادم. في حين سمحت المادة الثالثة من القرار باستيراد السيارات الجديدة وغير المستعملة، على ألّا تزيد سنة الصنع عن سنتين عدا سنة الصنع.
مرحبون وساخطون.. مواقف متباينة في الشارع
أثار القرار ردود فعل متباينة في الشارع السوري، بين من رأى فيه خطوة ضرورية لحماية السوق والعملة الصعبة، ومن وصفه بالقرار المتسرّع الذي يخدم مصالح كبار التجار.
وبين هذا وذاك، قدمت وزارة الاقتصاد عبر تصريحات خاصة لموقع تلفزيون سوريا توضيحات حول خلفيات القرار وأهدافه، مشددة على أنه يهدف إلى تنظيم السوق، والحد من الفوضى المرتبطة بدخول سيارات قديمة ومتهالكة إلى البلاد.
وعبّر مواطنون ومعلّقون عن امتعاضهم من القرار، معتبرين أنه جاء دون دراسة واقعية لأوضاع السوق أو دخل المواطن. إذ كتب الصحفي حمزة خضر: “بلد ما بتمتلك شبكة مواصلات بتحترم كرامة المواطن، ولا بتمتلك سيارات تكاسي محترمة، عبارة عن خردة، ولا حتى عندها شبكة طرق معقولة، مليئة بالحفر والمطبات، بتروح بدل ما تسهّل تملّك السيارات، بتروح بتملّي السوق سيارات ما بتسوى ألفين دولار، وبتاخد عليهم جمارك، بعدين بتوقف الاستيراد مشان تجّار السيارات يغتنوا لولد ولدهم، والشعب يزيد فقره”.
واعتبر آخرون أن القرار يصب في مصلحة شبكات من التجار والوكلاء الذين سيحققون أرباحاً طائلة نتيجة احتكار السوق، خصوصاً بعد الارتفاع الحتمي في أسعار السيارات المستعملة المتوفرة حالياً.
في المقابل، دافع مؤيدو القرار عنه، معتبرين أنه خطوة تأخرت كثيراً، وأن الأسواق غُرقت بسيارات متهالكة ومقصوصة ومعدلة عدادها، تم استيرادها من أسواق كاسدة في بلدان مثل الإمارات والكويت وكوريا.
وأكد بعضهم أن استيراد السيارات الجديدة يفتح الباب لتجديد المركبات في البلاد، ويوفر في الصيانة، ويقلل من الحوادث الناتجة عن الأعطال الميكانيكية.
وسط هذا الجدل، برزت مقترحات عديدة من المواطنين طالبت بإجراءات مرحلية بدلاً من المنع الكلي، مثل تحديد عمر معيّن للسيارات المستعملة المسموح باستيرادها (5 سنوات مثلاً)، وتشديد شروط الفحص الفني، والسماح للمغتربين بإدخال سياراتهم الخاصة، أو وضع برنامج وطني لاستبدال السيارات القديمة بأخرى حديثة برسوم مخفّضة أو شروط ميسّرة.
وحذّر البعض من أن القرار قد يؤدي إلى احتقان شعبي، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الراهن، إذ يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر. وجاء منشور للصحفي مجد أمين: “يعني التاجر يللي مبارح كان عنده سيارات مستعملة بمليون دولار، غالباً صارت بمليونين، والدرويش يللي صرلُه عشر سنين عم يجمع حق السيارة، هلّق بس صار بدّو عشرين سنة، مو أكتر. طبعاً الغني، ويللي معه أو عنده سيارة، رح يقلك قرار صائب وحكيم، لأنه من مبدأ: أنا ومن بعدي الطوفان”.
مخاوف من احتكار ورفع الأسعار
لم يمرّ قرار وزارة الاقتصاد مرور الكرام على المواطنين السوريين، إذ انقسمت الآراء بشكل حاد، حيث قال عبد الرحمن السواح، موظف في محافظة حمص، في حديث لموقع تلفزيون سوريا، إن قرار وزارة الاقتصاد بوقف استيراد السيارات المستعملة شكّل “صدمة حقيقية” بالنسبة له ولأمثاله من السوريين الذين ظلوا لسنوات يحلمون بامتلاك سيارة مستعملة تقيهم مشقة التنقل اليومي في ظل واقع النقل المتردي.
وأضاف السواح في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: “منذ أشهر، كنت أتابع الأخبار التي تتحدث عن تفعيل الاستيراد عبر المنافذ البرية والبحرية، وبدأنا نشعر ببعض التفاؤل بأن الأسعار ربما تنخفض قليلاً، وكنت بالفعل أبحث عن سيارة صغيرة تكفيني وعائلتي، تساعدني على التنقل، وتحفظ كرامتنا في بلد لم تعد فيه المواصلات العامة تصلح للاستخدام الآدمي”.
وأشار عبد الرحمن إلى أن هذا الحلم انهار تماماً بعد القرار الأخير، موضحاً: “أسعار السيارات الجديدة التي سمحوا باستيرادها لا تقل عن 15 إلى 20 ألف دولار، وهذا مبلغ خيالي بالنسبة لي ولأغلب الموظفين. راتبي لا يتجاوز المليون ليرة، وحتى لو ادخرت كل قرش لسنوات، فلن أصل إلى هذا الرقم”.
وتابع بنبرة يملؤها الإحباط: “القرار لا يراعي ظروف الناس، وكأن المواطن البسيط ليس له أي اعتبار. بدل أن يبحثوا عن حلول واقعية، ذهبوا إلى الخيار الأسهل: المنع الكامل. لماذا لم يتم تنظيم الاستيراد وفق شروط واضحة، مثل تحديد سنوات الصنع أو فحص الجودة؟ لماذا يُفتح المجال دائماً أمام التجار الكبار ويُغلق في وجه الفقير؟”.
وختم قائلاً: “منذ صدور القرار، لاحظنا أن أسعار السيارات المستعملة الموجودة في السوق بدأت ترتفع فوراً. التجار يقولون إن الأسعار لن تتغير، لكننا نعرف جيداً أن الاحتكار بدأ بالفعل، والتجربة علمتنا أن كل قرار مفاجئ كهذا لا يخدم إلا القلّة. أما نحن، فنبقى نراوح مكاننا بين المواصلات المتهالكة والأحلام المؤجّلة”.
في المقابل، رأى مؤيدو القرار أنه جاء متأخراً ويضع حداً للفوضى التي سبّبها استيراد سيارات متهالكة من أسواق غير موثوقة.
وذكر عدد من المعلّقين أن السيارات المستعملة التي تم إدخالها في السنوات الماضية كانت في كثير من الأحيان تالفة أو معدّلة عدّاداتها أو تعرّضت لحوادث جسيمة في بلد المنشأ، ما جعل السوق المحلي أشبه بـ”مقبرة سيارات”، بحسب تعبيرهم.
ويعتقد هؤلاء أن وقف الاستيراد سيحسّن نوعية السيارات الموجودة، ويقلّل من حوادث السير، ويخفّف الضغط على ورشات الصيانة ومحطات الوقود.
أما التجار، فقد حاولوا التخفيف من وقع القرار على الرأي العام، مؤكدين في تعليقات متفرقة أن الأسعار “لن ترتفع كثيراً”، بحجّة أن عدداً كبيراً من السيارات قد تم شراؤه وتسجيل شاسيهاته قبل صدور القرار، ما يعني أن السوق لن يفرغ فوراً.
لكن هذه التصريحات لم تطمئن الكثير من السوريين، خاصة أن التجارب السابقة تشير إلى سلوك احتكاري متكرر في مثل هذه الحالات، فمع كل قرار مشابه في السنوات الماضية، ارتفعت الأسعار بشكل دراماتيكي، وتم احتكار المخزون المتاح من قبل فئة محددة من التجار، ما أدى إلى اختلال كبير في العرض والطلب وحرمان شرائح واسعة من المواطنين من فرص التملّك.
تعقيب من وزارة الاقتصاد.. هل يمكن تعديل القرار؟
وحول الأسباب الاقتصادية المباشرة التي دفعت إلى اتخاذ قرار إيقاف استيراد السيارات المستعملة، قالت وزارة الاقتصاد والصناعة في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا: “جاء القرار بعد دراسة الواقع الراهن للسوق، حيث تبيّن أنه خلال الفترة التي تلت تحرير الأراضي السورية، كان سوق الشمال مفتوحاً أمام استيراد السيارات، ما أدى إلى دخول كميات كبيرة منها عبر تلك المناطق، في ظل غياب قيود جمركية مماثلة لتلك التي كانت مفروضة في مناطق سيطرة النظام البائد، وقد أدى ذلك إلى تدفّق سيارات بكميات كبيرة، بعضها دون المواصفات، أيضاً لا تتناسب مع البنية التحتية المتاحة، وأصبحت عبئاً اقتصادياً وخدمياً”.
وأضافت الوزارة: “من هنا، اتخذت الوزارة قراراً بتنظيم هذا الملف على مستوى الجغرافيا السورية كافة، وتحديد عمر السيارات المستوردة بسنتين فقط عدا سنة الصنع، بهدف تقليل الهدر، وخفض كلف الصيانة، وضبط فاتورة الاستيراد، والحفاظ على احتياطي القطع الأجنبي”.
أما عن الانتقادات بأن القرار يخدم كبار التجار ويرفع أسعار السيارات المستعملة، فقد أشارت الوزارة إلى أنها “تنظر إلى القرار من زاوية اقتصادية، وليس من منظور فئوي، وقد روعي عند إصداره عدد من التوازنات، منها مراعاة السيارات التي تم شراؤها قبل تاريخ القرار والتي هي قيد الشحن، بشرط تثبيتها في هيئة المنافذ البرية والبحرية، حرصاً على حقوق المستوردين والمواطنين”.
وفيما يخص الأسعار، ذكرت وزارة الاقتصاد أن “السوق قد شهد بالفعل تدفق عدد كبير من السيارات في الأشهر الماضية، وهي كميات تُعدّ كافية قياساً بالبنية التحتية وعدد السكان، وبالتالي فإن المعروض الحالي يمكن أن يغطي الحاجة لفترة زمنية معقولة، دون أن يحدث ضغط شديد على الأسعار”.
وعن احتمال تعديل القرار، قالت الوزارة: “تمت مراعاة الوضع القائم عبر استثناء السيارات المشحونة والمثبتة قبل صدور القرار، وفيما يخص المهلة الانتقالية، فإن الوزارة رأت أن التأجيل سيؤدي إلى مزيد من الضغط على السوق، ويفرغ القرار من مضمونه، ومع ذلك، ستتابع الوزارة والجهات ذات الصلة بدقة أثر القرار على السوق والمواطن، متابعةً للمعطيات الواقعية والمصلحة العامة”.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية