جدول المحتويات
«نبض الخليج»
لم تكن أهزوجة “ع حمص يلا ودّوني” مجرد صيحة اعتاد الحماصنة أن يختموا بها أفراحهم وكافة مناسباتهم في المغترب، بل عنت ما عنته من الرغبة الملحّة بالعودة إلى أرض حمص. فالحماصنة المغتربون كانوا بالفعل توّاقين للعودة إليها.
هذا الأمر أكده استطلاع للرأي أجراه موقع “تلفزيون سوريا” بين أفراد وعائلات حمصية أسسوا مشاريع تجارية ناجحة في مدينة إسطنبول التركية، عزمت على الرحيل منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد.
اليوم يعود الكثير من الحماصنة عودة مشرفة يليق بها وصف “سوبر” بكامل إرادتهم، عازمين غير متوانين، حاملين معهم أعمالهم ومشاريعهم ونجاحاتهم التي سبقتهم إلى أرض حمص، والكثير من الذكريات والحنين لبلد احتواهم، اعتادوه وطال بقاؤهم فيه، وأسسوا فيه علاقات اجتماعية لن ينسوها.
من “داوود باشا” نافذة تطل على “سيدي خالد”
لا يخفَ على كل سوري أقام في إسطنبول التركية، أو راقب تواجد السوريين فيها، اتخاذهم من منطقة الفاتح في وسط إسطنبول موطناً وقبلةً لهم، لتشابه وتقاطع كبير بينها وبين مختلف المدن السورية من نواحٍ عدة، إلّا أن ما لا يعلمه الكثيرون ربما، أن السوريين تقاسموا حصصاً من أحياء الفاتح أيضاً، ليكون للحماصنة الحصة الأكبر في المنطقة الممتدة على هضبة تسمى بعُرف السوريين “فندق زادة” نسبة لأحد أحياءها.
فقد شكل أهالي حمص خلال سنوات اغترابهم في ذلك الحي حالة من التلاحم والتكاتف الاجتماعي يشهد لها كل من عايشها، وفق أبو عبد الله، 55 عاماً، من أهالي حمص ويقطن المنطقة المذكورة.
وفي حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، يقول أبو عبد الله إنه “لطالما كنّا على قلب رجل واحد في كافة مناسباتنا التي شهدناها خلال سنوات اغترابنا، بل ربما كنّا أكثر من ذلك، حيث نتج عن تلك اللحمة حالات زواج عديدة لشبّان جاؤوا فرادى ويعودون اليوم عائلات، بعد أن أسسوا أعمالاً حققت نجاحاً في إسطنبول وعموم تركيا”.
اختار أبو عبد الله لنفسه سكناً في بناء على محاذاة جامع داوود باشا العريق، أدام النظر من شباكه لسنوات كل صباح، ليرَ فيه جامع خالد بن الوليد ويظل حلم العودة مرافقاً له، بحسب ما ذكر.
في ذات الحي، برزت مشاريع حمصية لا مغالاة بوصفها ناجحة، فهي إلى جانب النجاح الاقتصادي الذي حققته، نالت حظوةً على الصعيد الاجتماعي، بعد أن غطت احتياجات شريحة واسعة من السوريين والعرب المقيمين في المنطقة، والباحثين دوماً عن منتجات سورية تخدم نمطهم المعيشي، إضافة إلى شهرتها وتميزها لدى الشارع التركي.
“أبو شاهر”.. دفتر رحيم سيفتقده من تبقى من السوريين
في صباح التاسع من كانون الأول الماضي، وعقب سقوط نظام الأسد، علّق أبو شاهر عبارة “المحل مع البضاعة للبيع والتسليم الفوري” على واجهة محله الذي يحمل اسم “خيرات حمص”، هذه العبارة ستعني حرفيتها لكل من يمرّ بها ويقرأ العربية، إلا أن السوري سيقرأ فيها “دقّت ساعة العودة”.
“بقالة الحارة” ليست مجرد محل تجاري، بل هي حالة يحبها السوريون أينما وجدوا، ويجدون في دفترها الرحيم الذي تُسَدَّد أقساطه مطلع كل شهر، ملاذاً رحيماً لهم في ظل ضغوطات المعيشة، تلك الحالة شكّل فيها أبو شاهر علامة فارقة في ذات الحي.
يقول أبو إياد، 75 عام، وهو سوري عاد إلى دمشق وكان يقيم في ذات الحي إنه “على مدار أكثر من سبع سنوات لم يوصد أبو شاهر باب محله ولا دفتره لكل من يحتاجه، ولطالما غطى احتياجاتنا حتى في ساعات متأخرة من الليل”.
إلّا أن سقوط نظام الأسد كان عاملاً كفيلاً بقرار عودته السريعة إلى مدينته حمص، إضافة لأسباب أخرى عزا بعضها أبو شاهر للضغوطات التي عانى منها السوريون في عموم تركيا في الفترة التي سبقت سقوط النظام.
يقول أبو شاهر لموقع “تلفزيون سوريا” إن “الشروط الصعبة والتضييقات التي يخضع لها السوريون أصحاب الاستثمارات والمشاريع في تركيا شكلت نفوراً من العمل في الآونة الأخيرة، مما جعلها عاملاً أساسياً يعزّز الرغبة بالعودة”.
وكغيرها من السوريين، تواجه أسرة أبو شاهر مخاوف حقيقية فيما يخص الأمن والبنى التحتية المتهالكة، إضافة إلى التعليم الذي يعتبره اساسياً، وعن ذلك يقول أبو شاهر ” كحال معظم السوريين، بدأ أولادنا تعليمهم باللغة التركية، وسنجد صعوبة في انتقالهم للتعليم باللغة العربية، ستكون المدارس الخاصة خياراً مناسباً لنا مبدئياً”.
يرى أبو شاهر أن الحياة في تركيا أضافت له الكثير من الخبرات على مستوى العمل بالنظر للتطورات التي تشهدها تركيا دائماً في سوق العمل، وقياساً بالانقطاع الذي تشهده سوريا نتيجة الحرب الدائرة فيها على مدى 14 عام، يقول “سنسعى لنقل خبراتنا وتجاربنا بكل معاييرها، وسنقترحها ونحاول جاهدين تطبيقها في حمص”.
ويضيف “ستكون الحياة في حمص أفضل بكثير مما كانت عليه قبل الحرب، فتعطّش أبناءها في الداخل للتطور، وتعطش أبناءها في الخارج للنهوض ببلدهم، اجتمع وولّد حالة من الحب والود بين كافة الشرائح، سينتج عنها حمص جديدة كما لم تعرفوها من قبل”.
يخطط أبو شاهر لخطة رحيمة بالشارع السوري في حمص، تشبه دفتره الذي يبدو أنه لم يغلق في إسطنبول، فتدني الأجور في سوريا إضافة لضعف القوة الشرائية التي يتكّهن أن تواجهه، ستشكل التحدي الاقتصادي الأكبر أمامه.
إلا أن أبو شاهر لم يفكّر بأي خطة بديلة في حال واجهته أي من تلك الصعوبات، بل يصر “كمواطن سوري” على الصمود وتحمل المسؤولية بتعبيره “ليس هناك أي خطة بديلة، فنحن سوريون، وسنبقى في سوريا حتى ننهض بها وتنهض بنا”.
الحاج أنور “خان كبير لقلب كبير جمع الحماصنة”
على بعد أمتار قليلة من دكان أبو شاهر، اعتاد السوريون أيضاً خان الحاج أنور، الذي لم يكن مكاناً لبيع العسل والقهوة والغذائيات بقدر ما كان بالفعل خان مودة ومظلة تآخي تجمّع أهالي حمص تحتها، ففي الخان، هناك مضافة فُتحت لهم، بل ربما لكل من يقصدها من السوريين، تجمعهم في أفراحهم وأعيادهم وكافة مناسباتهم، متكفلاً الحاج أنور بتلك المهمة.
فالرجل الذي افتتح محله منذ أكثر من ثلاث سنوات، اختار له اسم “خان الآغا” ليكون فيه الأب العطوف على كل من مرّ به وعمل تحت اسمه، فكان معهم في كافة مناسباتهم آخذاً على عاتقه إسعادهم في بلد غريب، واليوم رأيناهم، شبان كانوا يداً بيد سنوات طويلة، ظهروا في مقطع فيديو أثار مشاعر الكثيرين ساعة الرحيل، وهم يقفون متلاحمين كعادتهم مع أبيهم الحاج أنور ليساهموا في رحلة الانتقال من إسطنبول باتجاه حمص.
قرر الحاج أنور الانتقال إلى سوريا منذ الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد، معتبراً أنه ذلك شكّل عاملاً كافياً لاتخاذ القرار، يقول “اتخاذ القرار بالعودة والاستقرار في سوريا يحتاج إرادة قوية، وحب كبير للوطن، والذي هو الدافع الأكبر لتسريع الرحيل، فكل مدينة في سوريا هي بحاجة أبنائها، ولن تُبنى إلا بجهودهم”.
وفي حديثه إلى موقع “تلفزيون سوريا”، أوضح الحاج أنور أنه قام بزيارتين إلى حمص قبل اتخاذ القرار، وأنه لمس وجود بيئة حاضنة للعمل وترحيب كبير من أهالي حمص، مشيراً كغيره إلى أن جلّ المخاوف التي تواجههم تتعلق بالأمن والتعليم والخدمات الأساسية بشكل عام.
انفراجات اقتصادية تبشّر خيراً
كغيره من رجال الأعمال والمستثمرين الذين نقلوا مشاريعهم إلى سوريا، يرى الحاج أنور في رفع العقوبات بشرى انفتاح لهم، يقول “أظن أن سوريا خلال فترة قصيرة ستكون من أفضل بلدان العالم بجهود أبنائها جميعاً”.
أما عن الخدمات التي كان يقدمها محله في إسطنبول ونقلت إلى حمص يقول “أتوقع أن أرضية العمل ستكون سهلة، وستلاقي تلك الخدمات سوقاً عند أهالي حمص التوّاقين لمعرفة كل ما هو جديد في عالم التجارة، لا سيما أننا نسعى لنقل تجربتنا كما هي من حيث الخبرة والتعامل ومصادر المنتجات والتي نعتبرها كانت ناجحة في تركيا”.
يسعى الحاج أنور اليوم بعد افتتاح خانه في حمص أن يحافظ على الحالة الاجتماعية التي رافقت كونه منشأة اقتصادية، والتي بدأ بتشكيلها في إسطنبول، وأن تفتح مضافته أبوابها دائماً لأفراح الحماصنة والسوريين عموماً.
من “خيرات حمص” إلى “خيرات غزة”
يبدو أن قدراً من الحروب وتبعاتها قد كُتب لمنطقتنا العربية ألّا تهنأ بالسلام، فقبل أن تفتح أبواب الفرج في سوريا في الثامن من ديسمبر الماضي، كانت قد أُغلقت على أهالي غزة في السابع من أكتوبر من العام 2023، ولا تزال تضيق حتى اليوم، فكتب على كثيرين منهم رحلة لجوء ونزوح جديدة.
في إسطنبول وفي ذات الحي، غادر أبو شاهر مع لافتة “خيرات حمص” لتُعلق مكانها “خيرات غزة” كمشروع تجاري جديد يعوّل عليه العرب في الحي لسدّ احتياجاتهم من البضائع العربية.
يشار إلى أنه وفقاً لبيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عاد نحو 600 ألف لاجئ سوري من الدول المجاورة، فيما عاد أكثر من 1.4 مليون من النازحين داخلياً، وبذلك تجاوز عدد العائدين إلى ديارهم مليوني شخص مع وجود كثير ممن يرغبون في العودة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية