جدول المحتويات
«نبض الخليج»
عادت عشرات العائلات إلى جرمانا بعد دخول الأمن العام إليها مطلع الشهر الجاري، كما عادت مظاهر الحياة إلى شوارعها وأسواقها التجارية، وحركة النقل بينها وبين العاصمة دمشق.
شهدت مدينة جرمانا في ريف دمشق الشرقي موجة نزوح غير مسبوقة للأهالي إثر الاشتباكات الدامية التي اندلعت عند أطراف المدينة مساء 28 نيسان/أبريل الماضي، وما أعقبها من أحداث وتوتّرات أمنية امتدت تداعياتها إلى صحنايا وأشرفيتها والسويداء.
وبالرغم من عودة بعض العائلات النازحة إلى المدينة، عقب التسوية التي توصلت إليها الحكومة السورية مع هيئات روحية وأهلية من جرمانا هدفها إعادة الأمن والاستقرار إليها، ما تزال عشرات العائلات في حالة نزوح مؤقّت خارج المدينة بانتظار استتباب الأمن بشكل كامل قبل اتخاذ قرار العودة.
كما انقطع عدد من الطلبة الجامعيين والموظفين وأصحاب المهن عن الدوام خارج المدينة خشية تعرضهم لأحداث عنف على خلفية التوترات الأمنية والاحتقان الطائفي الذي تسبب به انتشار تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على وسائل التواصل الاجتماعي قبل نحو أسبوعين، نُسب بشكل خاطئ إلى أحد مشايخ الطائفة الدرزية.
وقف التجييش وضبط السلاح
قال عامر عبيد (34 عاماً)، محامٍ من سكان مدينة جرمانا، إنه أرسل عائلته المكونة من زوجته و3 أطفال إلى منزل والديه في جبل الشيخ بعد محاولة اقتحام جرمانا تلك الليلة، وتزامناً مع الأحداث التي شهدتها أشرفية صحنايا والسويداء بعد تعرضهما لهجمات من “جماعات مسلحة خارجة عن القانون”.
وأشار عامر إلى أن التوترات بين الجماعات المتشددة والفصائل المحلية المسلحة في السويداء ما تزال مستمرة، وأن الأوضاع قد تخرج عن السيطرة في أية لحظة هناك، الأمر الذي سيكون له تداعياته الخطيرة على جرمانا، ولذلك فإنه يفضّل أن تبقى عائلته آمنة في جبل الشيخ إلى أن يتوقف التصعيد بشكل نهائي.
وينتظر الأهالي في جرمانا من الحكومة ضبط السلاح المنفلت وحصر بأجهزة الدولة العسكرية والأمنية.
رغم مرارة النزوح.. الأمان أوّلاً
ومن جهتها، قالت جاكلين الخوري (53 عاماً)، ربة منزل من سكان جرمانا، إنها انتقلت وعائلتها منذ مطلع الشهر الجاري من شقتهم في جرمانا إلى شقة في حي التجارة بدمشق تعود ملكيتها لأحد أصدقاء العائلة المسافرين.
وتابعت جاكلين، في حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”، أن ما دفعها إلى ذلك كان شعورها بالخوف الشديد على حفيدها (3 أعوام) بعد ليلة الاشتباكات في جرمانا.
وأضافت: “لا يمكنني العودة إلى جرمانا والأوضاع لم تتضح بصورة جلية بعد، فعلى الرغم من الضيق الذي يعتريني من جراء النزوح من مدينتي التي لم أفارقها منذ 30 عاماً إلا للزيارات، غير أن حياة ابنتيْ وابني الوحيد وعائلته هما الأولوية الآن”.
عودة الأهالي
يقول تامر إبراهيم، مهندس مدني من سكان جرمانا، إنه عاد وعائلته إلى شقتهم في جرمانا بعد التهدئة التي توصلت إليها الحكومة السورية مع وجهاء ومشايخ المدينة ودخول الأمن العام إليها في الـ 3 من أيار/مايو الماضي.
وأضاف في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”: “أرجو أن تتمكن الحكومة من ضبط الأوضاع الأمنية في البلاد بأسرع ما يمكن، لأن الأمن والأمان هما أساس الشعور بالانتماء إلى المكان. وفي النهاية لا أحد يريد الخروج من منزله وخوض تجربة النزوح.”
انقطاع عن الدوام والعمل
اضطر المئات من أبناء المدينة إلى الانقطاع عن أعمالهم ودراستهم خوفاً من تعرّضهم للاعتداء على خلفية الاحتقان الطائفي الذي ولّدته الأحداث الأخيرة.
يقول شادي.ر (42 عاماً)، وهو سائق سيارة أجرة من أبناء مدينة جرمانا، إن عمله بات محصوراً ضمن المدينة منذ اندلاع الاشتباكات قبل نحو أسبوعين، إذ إنه يخشى، في حال قبوله طلب الزبائن بنقلهم إلى خارج جرمانا، أن يتعرّض للسرقة أو الاعتداء الجسدي على أيدي “مسلّحين من الطائفيين” كما يصفهم.
وأضاف شادي أن هناك العديد من سائقي سيارات الأجرة من أبناء جرمانا اتخذوا قراراً مماثلاً، وهو ما انعكس سلباً على عملهم ومستوى دخلهم، وبات يهدّد بعضهم بفقدان وظيفته في حال لم يتمكن من تسديد الضمان الشهري لمالك السيارة.
ومن جهتها، انقطعت نورمان الأشقر (20 عاماً) عن دوامها الجامعي في كلية هندسة الاتصالات في جامعة دمشق (الهمك) بضغط من أهلها، وعلى وقع أحداث العنف التي ألمت بعدد من الطلبة الدروز في المساكن الجامعية والجامعات قبل أيام، ولا سيما حادثة طعن الطالب أدهم غنام، المنحدر من محافظة السويداء، على يد زملائه في المدينة الجامعية بحلب بعد مشاحنات ذات صبغة طائفية.
وأضافت نورمان: “أشعر بالحزن والخوف مما يجري في جامعاتنا التي يجب أن تكون بمنأى عن هذه المظاهر الطائفية”.
وتوضح الطالبة العشرينية، في حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”، أن الضغط يزداد عليها مع اقتراب الامتحانات العملية، حيث لا يُقبل الغياب دون عذر رسمي. وبذلك تجد نورمان نفسها مضطرة للتفكير بمرافقة أحد أقربائها من الذكور إلى الامتحانات فقط لكي تشعر بشيء من الأمان.
وزارة التعليم تمنع التحريض
في سياق التوترات الطائفية في الجامعات، أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في سوريا، السبت الماضي، قراراً يقضي بمنع نشر أو تداول أو الترويج لأي محتوى يتضمن تحريضاً على الكراهية أو الطائفية أو العنصرية، وذلك في جميع المؤسسات التعليمية التابعة لها، سواء عبر الوسائل التقليدية أو الإلكترونية، وتحت طائلة العقوبات.
وجاء في بيان رسمي نقلته وكالة الأنباء السورية “سانا” أن القرار يشمل كافة أعضاء الهيئات التعليمية، والطلاب، والعاملين ضمن الجامعات الحكومية والخاصة، والمعاهد العليا، والجهات التابعة أو المرتبطة بالوزير.
كما وأكدت الوزارة أن أي مخالفة لهذا القرار ستعرّض مرتكبها للمساءلة الجزائية والمدنية والمسلكية، وصولاً إلى الإحالة إلى المجالس المختصة لاتخاذ ما وصفته بـ”العقوبات الرادعة”.
وأوضح البيان أن العقوبات قد تشمل الفصل النهائي من المؤسسة التعليمية أو الإحالة إلى القضاء، وذلك استناداً إلى القوانين والأنظمة النافذة في البلاد.
ولضمان تنفيذ القرار، كلفت الوزارة رؤساء الجامعات وعمداء المعاهد ومديري المدن الجامعية والجهات التابعة لها بمتابعة التطبيق المباشر لهذا التوجيه، ضمن ما وصفته بخطوات تهدف إلى حماية السلم الأهلي والوحدة الوطنية في الحرم الجامعي.
اتفاق جرمانا
في تصريح توضيحي لتفادي أي لبس أو سوء فهم، أكد المسؤول في المكتب الإعلامي التابع لمجموعة العمل الأهلي في مدينة جرمانا، خلدون قسام، أن الاتفاق على تفعيل مركز الأمن العام في مدينة جرمانا لا يرتبط بالأحداث الأمنية التي شهدتها المدينة مؤخراً، بل هو اتفاق سابق تم التوصل إليه بين فعاليات المدينة والحكومة منذ بداية الشهر الماضي.
وعن الموقف الرسمي بعد الهجوم، أوضح قسام، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، أنه جرت زيارة من وفد حكومي إلى المدينة، ضمّ محافظ ريف دمشق ومسؤول الغوطة الشرقية وعدد من المسؤولين في الـ29 من الشهر الماضي، حيث أقر الوفد بوقوع خطأ وأكد على ضرورة رفع الضرر عن الضحايا.
وبحسب المسؤول، فقد جرى الاتفاق على تأمين طريق دمشق – السويداء، وإنشاء غرفة عمليات مشتركة لتفعيل التنسيق بين الجهات المعنية وفعاليات المدينة، إضافة إلى العمل على وقف كل أشكال التحريض، لا سيما الطائفي والمناطقي. في وقت تعهد فيه الوفد الحكومي بتنفيذ كافة بنود الاتفاق في أسرع وقت.
وفيما يتعلق بموجة النزوح من جرمانا، أكد قسام، في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن المدينة شهدت بالفعل حركة نزوح محدودة “نتيجة شعور بعض السكان بالتهديد، لكن هذه الحركة لم تدم طويلاً، حيث بدأت العائلات بالعودة منذ أيام، وبدأت الحياة في المدينة تستعيد عافيتها تدريجياً، مع عودة الأسواق للعمل وعودة معظم السكان إلى منازلهم وأعمالهم”.
ووصف المسؤول عزوف بعض الطلاب عن الذهاب إلى جامعاتهم بـ “رد فعل طبيعي عند شعور المرء بالخطر الشخصي، تماماً كما حدث مع حركة النزوح.”
وأشار إلى وجود رسائل رسمية تطمينية أُطلقت في الساعات الماضية، تستهدف طلاب الجامعات في دمشق وريفها، وكذلك الطلاب القادمين من محافظات أخرى.
وشدد على ضرورة أن تكون هذه الرسائل مدعومة بإجراءات حكومية عملية وسريعة، تهدف إلى تهدئة الاحتقان وضمان عودة الحياة الجامعية إلى طبيعتها.
ويؤكد قسام في ختام حديثه على أن المؤسسات التعليمية يجب أن تظل أماكن للعلم والتلاقي، لا ساحات لبث التفرقة أو التحريض، لأن مثل هذه الممارسات “لا تخدم الوطن، بل تدفعه نحو نزاع لا تُعرف نهايته”.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية