حتى ننصف هؤلاء الأشخاص، علينا أن ندرك أن ما وصلوا إليه لم يكن ضعفًا ولا هروبًا، بل ولادة جديدة لقلبٍ أنهكته التجارب.
من قال “لا” بعدما أنهكته مواسم الـ “نعم”، لم يتمرّد على الناس، بل تمرّد على نفسه القديمة التي أرهقها الرضا الزائف.
من اعتزل بعد أن كان قمرًا بين الجميع، لم يخفت ضياؤه، بل اختار أن يحفظ نوره لنفسه، بعيدًا عن عيون لا ترى إلا مصالحها.
من اكتفى بنفسه، لم يتعالَ على الآخرين، بل ارتقى فوق الحاجة إليهم.
من أطال الصمت، لم يُفلس من الكلمات، بل امتلأ بالحكمة حتى فاض قلبه على نفسه.
هؤلاء لم ينكسروا كما يظن البعض، بل تجاوزوا مرحلة الكلام والجدل والتبرير، ودخلوا إلى مساحة أوسع… مساحة لا يفهمها إلا من ذاق مرارة التجارب، وخرج منها بوجهٍ جديد.
إنها لحظة التحوّل الكبرى… حيث تُقلب كل المفاهيم: “النعم” لم تعد كرمًا، بل استنزافًا… و”اللا” لم تعد رفضًا، بل خلاصًا… والصمت لم يعد عجزًا، بل لغةً أبلغ من كل حديث.
هؤلاء هم الذين لم يخسروا شيئًا… بل ربحوا أنفسهم.
وأعظم مكسب أن تجد نفسك، ولو بعد أن خسرت الجميع.