«نبض الخليج»
(توباك شاكور) و(نوتوريوس بي آي جي)، الشخصان اللذان تمكنا في مطلع تسعينيات القرن الماضي، من تحقيق نقلة نوعية وقفزة كبيرة جداً في الطريقة القصصية لأغاني الهيب هوب، جعل الكثير من المهتمين والباحثين في المجال الموسيقي يشيرون إليهما بوصفهما العصر الذهبي للهيب هوب.
ومع تطور الهيب هوب الذي نشأ في سبعينيات القرن الماضي، لم تعد الموسيقا مجرد تسلية، بل أصبحت وسيلة للتوعية بالقضايا الاجتماعية من خلال أغانيها، إذ بدأ الفنانون في التعامل مع موضوعات مثل الفقر والتمييز العنصري، وعنف الشرطة، فكانت كلماتهم تُظهر معاناتهم اليومية، وكانت تحتوي أيضاً على رسائل قوية تدعو إلى التغيير.
تجدر الإشارة إلى أن تأثير الهيب هوب لم يقتصر على الموسيقا فقط، بل شمل أيضًا أسلوب الحياة والثقافة، نشأت حركة الهيب هوب كحركة اجتماعية متكاملة تشمل الفن والأدب، والأزياء أيضاً، بل وكل شيء تقريباً، لذا أصبح الهيب هوب منصة للشباب لتحقيق أحلامهم وتحدي الظروف الصعبة التي يعيشونها.
في العقود التالية، بدأت موسيقا الهيب هوب في التوسع والانتشار عالمياً، حيث انتقل الفنانون من أحياء نيويورك إلى سائر الولايات المتحدة وحول العالم، وقد أصبح الهيب هوب لغة عالمية تواصلية.
مع ذلك، كانت هناك دائماً مقاومة من قبل بعض الأوساط الاجتماعية والثقافية، حيث اعتُبر الهيب هوب أحياناً تمثيلاً سلبياً للشباب، ما أدى إلى نشوء حوارات حول تأثير الموسيقا على المجتمع، ولكن في الوقت نفسه، أنشأت ثقافة الهيب هوب منصات فنية ضد العنف من خلال الفنون المختلفة، مثل الرسم على الجدران، والمسرح، والأداء الفني، كان بإمكان الشباب تحويل الطاقة السلبية إلى إبداع كبير، وكان هناك العديد من المشاريع الفنية التي استخدمت الهيب هوب كوسيلة للتعبير والتواصل، حيث بدأت المجتمعات في استخدام الثقافة كأداة للحوار الاجتماعي والتغيير.
يمكن أن نرى أن الهيب هوب يمثل شكلاً من أشكال المقاومة، حيث يقدم فنانون مثل (توبا، كندريك لامار، ناز) قصائد تعكس واقعهم وتجاربهم، محاولين إحداث تأثير اجتماعي من خلال موسيقاهم، وانتشرت فلسفة الهيب هوب في جميع أنحاء العالم تقريباً، حيث تم تبنيها من قبل العديد من الثقافات، ما أدى إلى ظهور أنواع جديدة ومختلفة من الهيب هوب.
ويمكن القول حقاً، إن موسيقا الهيب هوب تحمِل في طياتها رحلة من الفقر والحرمان إلى التأثير العالمي، والإبداع الذي لا يمكن تجاهله، لقد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية للشباب في جميع أنحاء العالم، ودليلاً على القدرة في التغلب على التحديات من خلال الفن، وبفضل إنجازات الفنانين ومبادراتهم الاجتماعية، ظلّت موسيقا الهيب هوب صوتاً للشعوب المضطهدة ووسيلة للتغيير الإيجابي.
الـ “غانغستا راب”.. أغاني المقاومة الناعمة
في واحدة من أنجح النشاطات البشرية، تُعدّ أغاني الـ “غانغستا راب” Gangsta rap من أبرز الأنماط الفنية التي ظهرت خلال العقود الأخيرة، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، فقد نشأ هذا النمط من الهيب هوب في أحياء المدن الكبرى، ليعكس واقع الحياة اليومية للمجتمعات ذات الدخل المحدود، والصراعات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها أبناؤها.
تعود جذور الغانغستا راب إلى أوائل الثمانينات، ولكنه شهد ازدهاراً كبيراً في التسعينات، خاصة مع ظهور فنانين بارزين مثل نوتوريوس بي. آي. جي. وتوباك شاكور. هذا النوع من الأغاني سرد قصصاً شخصية مستوحاة من الحياة الواقعية، وتناول فيه فنانو الغانغستا راب مواضيع الفقر، والعنف، والتمييز العنصري. وتمحورت الكثير من الأغاني حول تجربة الحياة في الأحياء الفقيرة، مما أكسب الفنانين جماهير واسعة من الطبقات الاجتماعية المختلفة.
إحدى الخصائص المميزة للغانغستا راب هي استخدامه للغة سليطة ووقحة، والتي تعكس الثقافة الحضرية للمدن الأميركية ربما، عدا عن تميز هذا النوع من الموسيقا بإيقاع قوي، وتنسيق لحن مدروس مع كلمات تتضمن سرد حالات معينة، وعادة ما تكون ذات طابع جريء أو استفزازي، واستخدامه للكلمات الإيحائية، والتي تتناول مواضيع مثل المخدرات، والعصابات، والعنف، والنجاح الشخصي.
والموسيقا هنا تبدو كمقاومة ناعمة، حيث يُظهر فنانو الغانغستا راب من خلال أعمالهم رفضهم الظروف الاجتماعية والسياسية التي تواجههم، فتكثر في الأغاني الإشارات إلى الأنظمة القمعية، وتحديّات الحياة في المجتمعات المهمشة.
والحق أن فن الغانغستا راب أثر بطريقة ملحوظة على الثقافة الشعبية، ليس فقط في الولايات المتحدة، وإنما على مستوى العالم بأسره. فقد ساهمت هذه الموسيقا في تشكيل هويات الشباب وصياغة نظرتهم للعالم، كما ساهمت في زيادة الوعي حول قضايا العنف والعنصرية والفقر، ما أدى إلى تكريس طريقة أخرى للنظر في مثل هذه الموضوعات.
إحدى ميزات تزايد شعبية الغانغستا راب، هي إطلاق مبادرات ثقافية واجتماعية تركز على تحسين أوضاع المجتمعات المهمشة وتعزيز التغيير الاجتماعي، والتعبيرالحاد لتحسين واقع حياة ملايين الشباب.
رغم تأثيره الإيجابي في بعض النواحي، إلا أن فن الغانغستا راب تعرض لعديد من الانتقادات، يتهم فيها النقاد هذا النوع من الموسيقا بعكس المراد منه وهو تعزيز العنف، والسلوكيات السلبية مثل تعاطي المخدرات، والتمييز ضد المرأة. كما يعتبر البعض أن الغانغستا راب قد يساهم في تعزيز الصور النمطية السلبية عن المجتمعات ذات البشرة السمراء.
واليوم، تسهم التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في انتشار الهيب هوب، بدايةً من يوتيوب إلى إنستغرام وغيرها الكثير. أصبحت هذه المنصات وسيلة رئيسية لترويج أعمال الفنانين ونشر موسيقاهم، وتمكينهم من الوصول إلى جمهور أوسع بكثير مما كان ممكناً في الماضي. وبفعل ذلك، تسلل هذا الفن تدريجياً إلى المجتمعات العربية وراح بعض الفنانين الشباب يطلقون أغاني هيب هوب بلغتهم الأم.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية