جدول المحتويات
كتب: هاني كمال الدين
في تطور يعكس تصاعد التوتر بين موسكو والدول الغربية، وجّه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تحذيرًا صريحًا من قرب انهيار الناتو نتيجة السياسات التي تنتهجها الدول الأعضاء في الحلف، خاصة فيما يتعلق بالميزانيات العسكرية المتضخمة. وفي تصريحات نقلتها وسائل إعلام روسية عقب مؤتمر صحفي عقده لافروف في ختام اجتماع وزراء خارجية منظمة معاهدة الأمن الجماعي، اعتبر الوزير أن السباق المحموم نحو التسلح داخل الناتو يقود الحلف نحو حافة الانهيار.
وقال لافروف: “الزيادات الكارثية في موازنات الدفاع داخل الناتو، بحسب تقديري، لا يمكن إلا أن تؤدي إلى انهيار الناتو ذاته”. هذه التصريحات، التي تُعد من أقوى المواقف العلنية الصادرة عن موسكو تجاه الحلف، تأتي في سياق تسارع حدة الاستقطاب الدولي.
موسكو: نهج عقلاني مقابل تهديدات مصطنعة
وأوضح لافروف أن روسيا، على عكس الدول الغربية، تعتمد على “المنطق والعقلانية” في تحديد احتياجاتها الدفاعية، دون الانجرار خلف تهديدات مفتعلة أو أعداء متخيلين. وأضاف: “نحن لا نخلق عدوا لنبرر سباق تسلح. الغرب يفعل ذلك لتسويق الخوف، ونحن نرفض هذه العقلية التي لا تنتج سوى الصراع”.
وأشار الوزير إلى أن المبالغة في الإنفاق العسكري لن تجلب الأمن، بل ستزيد من زعزعة الاستقرار العالمي، مكررًا تحذيره من أن انهيار الناتو بات نتيجة شبه حتمية لهذا النهج التصعيدي.
5% من الناتج القومي للدفاع: “جنون تسليحي”
جاءت تصريحات لافروف في أعقاب إعلان قادة الناتو، في قمتهم التي انعقدت في مدينة لاهاي، عن خطة لزيادة الإنفاق العسكري إلى نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء. ويعني هذا التوجّه مضاعفة الموازنات الدفاعية خلال السنوات الخمس المقبلة، في إطار ما وصفه الحلف بأنه “استعداد لمواجهة التهديدات المتزايدة”.
الوثيقة الرسمية الصادرة عن القمة أشارت إلى أن الهدف من هذه الزيادة هو “تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية” وتحقيق “الاستقلالية في اتخاذ القرار الأمني”، وهو ما اعتبرته موسكو إشارة واضحة إلى تصعيد لا يمكن تجاهله.
واشنطن تضغط… والصناعة العسكرية تربح
من جهته، أعرب ممثل الولايات المتحدة لدى الحلف، ماثيو ويتاكر، عن أمل واشنطن بأن “تُترجم هذه الوعود إلى أفعال”، مشددًا على أن الاستثمار في المجال الدفاعي لا يخدم فقط أمن الحلف، بل يحقق أيضًا مكاسب اقتصادية للولايات المتحدة من خلال دعم الصناعات العسكرية.
وأوضح ويتاكر أن مبيعات الأسلحة الأمريكية لحلفاء الناتو تجاوزت 21 مليار دولار في عام واحد فقط، ما يشير إلى أن سباق التسلح لا يخدم الأمن فقط، بل يُدار أيضًا وفق مصالح تجارية أمريكية. وقال: “نريد من حلفائنا ألا يكتفوا بالتصريحات، بل أن يقدموا على خطوات ملموسة”.
الخلل البنيوي… وعوامل انهيار الناتو
بحسب مراقبين، فإن تحذير لافروف بشأن انهيار الناتو يعكس إدراكًا روسيًا لوجود خلل بنيوي داخل الحلف. فبينما تتولى الولايات المتحدة القيادة السياسية والمالية، تعاني الدول الأوروبية من تحديات اقتصادية واجتماعية داخلية، تجعل من التوسع في الإنفاق العسكري خيارًا صعبًا شعبيًا وسياسيًا.
ويرى المحللون أن استمرار الضغوط الأمريكية قد يؤدي إلى تصدعات داخلية في الحلف، خاصة إذا بدأ الناخبون الأوروبيون في رفض السياسات الدفاعية المكلفة التي تُفرض دون نقاش واسع داخل المجتمعات.
روسيا: لسنا الطرف الذي يُصعّد
في سياق متصل، شدد لافروف على أن روسيا لا تسعى إلى الصدام مع الناتو، لكنها ترفض أن تُستهدف من قبل الحلف بسياسات عدائية وتوسع عسكري على حدودها. وقال: “نحن نتصرف بردّ فعل، لا نبدأ التصعيد. ولكن إذا استمرت الدول الغربية في هذا النهج، فإن النتيجة الطبيعية ستكون انفجارًا في النظام الأمني الدولي، وقد نشهد قريبًا انهيار الناتو بالكامل”.
أوروبا في مأزق بين الأمن والسيادة
أشارت تقارير أوروبية إلى أن عدداً من الحكومات بدأت تُبدي تحفظات على مطالب الناتو، خاصة مع تزايد الضغوط الاجتماعية نتيجة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة. وتزداد الأصوات المعارضة داخل البرلمانات وفي الشارع الأوروبي الرافضة لتحمّل الأعباء الدفاعية، خصوصًا إذا كانت هذه السياسة تُفرض بشكل غير ديمقراطي.
وقد حذّر خبراء من أن مستقبل الحلف بات يعتمد على قدرة أعضائه في التوفيق بين السيادة الوطنية والالتزامات الأمنية، وهو توازن هش قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار الناتو من الداخل، إن لم تُراجع السياسات الحالية.
هل بدأ العد التنازلي فعلاً لانهيار الناتو؟
في ضوء هذه التطورات، تبدو تصريحات لافروف أقرب إلى توصيف واقعي لمآلات السياسة الغربية الحالية. إذ أن التضخم الدفاعي، والانقسام في المصالح، والعجز عن تقديم رؤية موحدة، كلها مؤشرات قد تساهم في تعجيل انهيار الناتو خلال السنوات القادمة.
ومع تكرار روسيا لعب دور المحذّر والمنتقد، تُطرح أسئلة جوهرية حول ما إذا كانت موسكو فقط تصف واقعًا آخذًا في التشكل، أم أنها تسعى لدفع الأمور في هذا الاتجاه. في كل الأحوال، يبقى احتمال انهيار الناتو مطروحًا بقوة أكثر من أي وقت مضى.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر